النموذج «بشار»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عائلة الأسد ظلت تحكم سوريا لمدة ٥٤ عامًا، منها ٣٠ عامًا للأب حافظ الأسد و٢٤ للمخلوع أو الهارب، «بشار الأسد».

كان حافظ الأسد ديكتاتورًا متفردًا بالسلطة. استفاد من الخبرات السابقة فى بلده، ومن محيطه العربى. شغل منصب وزير الدفاع فى دمشق ثم رئيس الوزراء والتزم بالفكر البعثى القومى المتشدد. شارك فى انقلاب ١٩٦٣ الذى أوصل حزب البعث للسلطة، كما قاد انقلاب ١٩٧٠ الذى وصل هو بموجبه للحكم. 

وينتمى الأسد لأقلية دينية محدودة العدد والتأثير، وهى الطائفة العلوية.. وهو أيضًا من عائلة فقيرة. وصل لمنصبه فى ظروف إقليمية ومحلية صعبة جدًا. عاشت البلاد خلالها سلسلة من الانقلابات والقلاقل والصراعات. وتفاقمت المشاكل مع استقواء إسرائيل وظهور سياستها العدوانية وتمددها تجاه أراضٍ سورية. بمجرد استقرار حافظ الأسد وأركان حكمه فى دمشق، كان عليه أن يجهز جيشه وشعبه للدخول فى حرب قوية مع إسرائيل. حرب أكتوبر ١٩٧٣ التى قام خلالها بالتنسيق مع الجيش المصرى، وحققا نجاحات مهمة على جبهتى سيناء والجولان فى بداية الأمر.. لكن الجيش السورى حصلت له انتكاسة قوية فقد بموجبها أجزاءً كبيرة من هضبة الجولان.. وهاهى إسرائيل تستغل السيولة الحاصلة فى دمشق حاليًا بعد هروب بشار الأسد وتعلن عن سقوط خط وقف إطلاق النار الذى يعود للعام ١٩٧٤. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعلن عن منطقة أمنية إضافية خارج منطقة ترسيم الحدود على الجانب السورى من سلسلة جبال الشيخ فى مرتفعات الجولان!

أعود لحافظ الأسد، الذى استفاد من المواجهة مع إسرائيل، كما استفاد من تفجر الأوضاع فى لبنان وقيام الحرب الأهلية، ولم يقدم لشعبه الكثير. مارس حكمًا قمعيًا هو الأصعب فى المنطقة العربية كلها. فرض حصارًا ورقابة على الإعلام والمجتمع المدنى. وأخرس غالبية الألسنة. وهذه مهمة ثقيلة على مجتمع مثقف ومتعدد الروافد الفكرية مثل المجتمع السورى. ارتكب عددًا من المجازر الكبرى بحق تيارات دينية وعرقية من شعبه. وقد حاول على مدى فترات طويلة أن يحسن صورته، خاصة على المستوى العالمى، ولكن ذكرى هذه الجرائم وقد جرى توثيقها بوسائل عديدة، ظلت تطارده.

مع وصول ابنه بشار للحكم، بعد وفاة الأب عام ٢٠٠٠، تهيأ الرأى العام المحلى السورى لعهد جديد تمامًا. بشار حصل على تعليمه فى بريطانيا. لم ينتمِ من قبل للبعث أو حتى للجيش. وصل لمنصبه بعد وفاة شقيقه الأكبر باسل الأسد فى حادث سير.

جامله الشعب وقيادات الدولة والحزب.. عدّلوا الدستور السورى من أجله، ونزلوا بسن رئيس الجمهورية لـ٣٤ عامًا، وهو عمر بشار، بينما كان ٤٠ عامًا قبل ذلك. قالوا عنه فى وسائل الإعلام إنه مثقف ومطلع على التجارب السياسية الحديثة.. ومنفتح على كل الطوائف، بدليل أن زوجته أسماء الأخرس تنتمى للسنة وليست علوية مثله هو أو عائلته.

كانت هناك آمال وطموحات كبيرة فى الداخل والخارج تجاه هذا القائد العربى الشاب. عواصم عالمية مهمة دعته لزيارتها وأحسنت استقباله. نسبة كبيرة من الشعوب العربية أعلنت عن دعمها ومساندتها له.. وتمنت أن ينفذ إصلاحات ديمقراطية واضحة لتكون قدوة لبقية الأنظمة، فيما ظهر ضيق بعض الأنظمة العتيقة من شعبيته.

بالتدريج، بدأ المعدن الأصلى لبشار فى الظهور. سقط رهان الجميع عليه بسرعة رهيبة. ديكتاتور أصعب من والده. طائفى جدًا. لم يحرك ساكنًا تجاه إسرائيل. بل زادت تجاوزات وخروقات إسرائيل داخل أرضه أو تجاه حلفائه.. وهو لم يحرك ساكنًا. أظهر ضعفًا على المستويين السياسى والعسكرى. تعمد إضعاف جيشه خوفًا من ظهور قيادات ترفض بقاءه وتنقلب عليه. بنى تحالفات طائفية قوية، عوضًا عن ذلك، مع إيران وحزب الله. سمح بما يشبه الاحتلال الروسى لبلاده وخاصة سواحل سوريا.

ظهر ضعفه وهشاشة موقفه مع تنامى المعارضة ضده. لم يعتمد أى مبادرة للمصالحة.. ولم يدعُ لحوار وطنى مع فئات الشعب.. واختار قمع المعارضين بشكل وحشى.

على مدى ١٣ عامًا تسبب فى مقتل ما يزيد على نصف مليون من شعبه، كما بلغ عدد اللاجئين والنازحين قسرًا ١٣٫٨ مليون شخص داخل وخارج البلاد، حسب إحصاءات الأمم المتحدة. 

الرجل الذى أقدم على كل هذه الممارسات الدموية بدعاوى عديدة، وتفاعل مع دوافعه الكثيرون فى الداخل والخارج، اتضح أنه هش جدًا.. لقد هرب من بلاده دون كلمة اعتذار أو توضيح.. أو دون تقديم مبررات لداعميه ومناصريه الباقين فى الداخل. فر هو وعائلته للخارج.. تاركًا بلده الغالى «سوريا» للمجهول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق