الأربعاء 11/ديسمبر/2024 - 01:26 م 12/11/2024 1:26:25 PM
قبل وفاء الرئيس حافظ الأسد في يونيو عام 2000، كانت هناك إشارات لمرضه، ولكن لم يكن يجرؤ أحد على التصريح بذلك.
كانت وزيرةَ الخارجيةِ الأمريكيةِ مادلينْ أولبرايتْ، اثناء رئاسة الرئيس بيل كلينتون، هي أول من عرفت بمرض الرئيس الأسد، وقالت: وجدنا أن الأسدَ مريضا وشاحبا، بدا نحيفٌ الوجهِ، وبدتْ يدهُ هزيلةً. وقالت في مذكراتها: بعدما كانَ حافظ الأسد، يسحرُ وزراءُ الخارجيةِ بذكائهِ، ويجتذبَ السامعينَ طوالَ ساعاتٍ، وهوَ يروي أحداثا في التاريخِ العربيِ. منْ إلحاقِ صلاحْ الدينْ الهزيمةِ بالصليبيينَ، إلى خيانةِ الساداتْ المفترضةَ، في كامبْ ديفيدْ، لمْ يعدْ الأسدُ يميزُ بينَ كلينتونْ وإيهودْ باراكْ، فقدْ بدا الرئيسُ مشوشا، وفي أوقاتٍ أخرى غيرِ مركزِ تماما على الحديثِ، وبعدُ ذلكَ يسعى إلى معاودةِ الدخولِ بسؤالِ فاروقْ الشرعْ، وزيرُ خارجيتهِ عما كانَ يبحثهُ معَ وزيرةِ الخارجيةِ، ولكنْ كانتْ هناكَ لحظاتٌ منْ الوضوحِ عندما كانَ يعرفُ تماما ما يريدُ أنْ يقولَ أوْ ما يفعلُ. كانَ الأسدِ في التاسعةِ والستينَ منْ العمرِ يعاني منْ ضعفٍ في الذاكرةِ وتصلبٍ في شرايينِ الدماغِ يؤثرُ على أداءِ المرءِ إلى حدِ التشوشِ وضعفِ الذاكرةِ، وعدمَ القدرةِ على التركيزِ. فقدٌ فعلتْ الإصابةُ بداءِ السكريِ والسرطانِ ومشاكلِ القلبِ فعلها في الأسدِ، وبعدُ ستةِ أشهرٍ توفيَ. ومعَ ذلكَ فقدْ احتفظَ بالإرادةِ والقدرةِ العقليةِ الكافيةِ للقيامِ بمشروعينِ مؤثرينَ يشكلانِ ميراثهُ لبلدهِ، ويضعانِ سورية والعالمَ العربيَ على مسارٍ مختلفٍ جدا في الألفيةِ الجديدةِ.
المشروعُ الأولُ. هوَ ترتيبٌ تولى ابنهُ بشارْ الأسدْ الرئاسةِ بعدَ وفاتهِ.
المشروعُ الثاني. هوَ محاولةُ صنعِ السلامِ، فقدْ كانَ يدركُ أنَ ابنهُ بشارْ يفتقدُ إلى الخبرةِ ومهاراتِ التفاوضِ معَ الصهاينةِ المكروهينَ، وأنَ سورية سيتمُ عزلها لوْ أكملَ الفلسطينيونَ وحدهم.
وهو ما تحقق بالفعل.
وفي غضونِ عامِ 1995 زار الدكتور خالد عبدَ الناصر. نجل الزعيمِ جمال عبدِ الناصرِ دمشقَ، بدعوةٍ منْ الحكومةِ السوريةِ في أعقابِ براءتهِ في الفضيةِ المعروفةِ إعلاميا بقضيةِ تنظيمِ ثورةِ مصرَ. وقالَ: منْ السهلِ جدا أنْ تلاحظَ أنْ حافظَ الأسدِ مصاب بالزهايمر، وأنهُ لا يحدثُ زوارهُ إلا عنْ الماضي البعيدِ، ولا يتطرقُ للحاضرِ في أحاديثهِ، مما يشيرُ إلى أنهُ يتذكرُ الماضي البعيدُ، ولا يتذكرُ القريبُ، وهذا الأمرُ منْ أعراضِ الزهايمر. وأثناءَ استقبالهِ لي كانَ يقفُ خلفهُ شخصُ مهمتهِ أنْ يساعدهُ على النهوضِ منْ كرسيهِ عندما يريدُ، ويساعدهُ على الجلوسِ والحركةِ. كما كانَ لعابٌ حافظَ الأسدِ يسيلُ منْ فمهِ، وكانَ مساعدةً يمدهُ بالمناديلِ الورقيةِ ليمسحهُ، أوْ يقومُ هوَ بمسحِ لعابهِ بنفسهِ. وقدْ هنأني الرئيسُ حافظٌ الأسدِ على السلامةِ والبراءةِ منْ " القضيةِ " وطلبَ مني أنْ أكونَ حذرا منْ الإسرائيليينَ والأميركيينَ. وأنهُ يعتقدُ أنَ الرئيسْ مباركْ لنْ يتخلى عنْ واجبهِ في حمايتكَ. وهوَ رجلٌ وطنيٌ مخلصٌ برأيهِ! ومنْ الأشياءِ الطريفةِ التي حدثتْ لهُ في دمشقَ،
في يونيو 2000 توفيَ الرئيسْ حافظ الأسدْ بنوبةٍ قلبيةٍ بينما كانَ يتحدث معَ الرئيسِ اللبنانيِ إميل لحود على الهاتفِ، وبقيَ الهاتفُ مفتوحا، وبدأَ الرئيسُ إميلْ لحودْ يسمع ضجةً وصراخ، فأكملَ يقولُ: الوِ، الوِ، ماذا يحصل؟ ولم يرد عليه أحد. على الجانب الآخر، سقطت السماعة على الأرض، والحرسُ وأمينُ السرِ والأطباءِ يحاولونَ إنفاذُ الرئيسِ الراحلِ حافظْ الأسد، لكنَ حصلَ ما حصلَ وقدْ توفيَ الرئيسْ حافظْ الأسدْ. وحسبَ روايةِ فاروقْ الشرع، وزير خارجيته. أنهُ في صباحِ 10 يونيو 2000. أبلغهُ اللواءُ آصفْ شوكتْ والذي تربطهُ بفاروقْ الشرعَ صلةً قديمةً، بأنْ يحضرَ إلى منزلِ الرئيسْ الأسدْ، وعندما استفسرَ منهُ الشرعُ عنْ سببِ الحضورِ، أبلغهُ آصفْ بصوتٍ متهدجٍ بأنَ وجودهُ ضروري في منزل الرئيس، تصور الشرعِ أن الرئيسَ ربما يكونُ في حالةِ احتضار، فهوَ عادة يتصل به، ولكنه استبعدَ فكرةَ الوفاةِ.
وعندما وصلَ إلى البيتِ قاده البواب صامتا إلى حجرةِ الصالونِ، كانَ هناكَ مصطفى طلاس، ورئيسَ الأركانِ على أصلان، استقبله في مدخل الصالون اللواء آصف شوكت، وفهم منه الشرع أن جثمان الرئيسِ في الغرفة المجاورةِ.
ثمَ جاءَ عبدُ الحليمْ خدام. نائبُ الرئيسِ بالملابس الرياضية، بينما كان بشار الأسد وماهر الأسد يذرعان المكانِ جيئةً وذهابا. ويتنقلانِ بين الصالون وداخلِ البيتِ والقلقِ يعتريهما بوضوحٍ، وما أنْ يستقران حتى ينهضا من جديد. لمْ يتساءل أحد عن سبب الوفاة المفاجئة.
كان اول المتحدثين العماد مصطفى طلاس، وكان وزيرا للدفاع، وأقترح ضرورةَ تعديلِ الدستورِ، كيْ يتمكنَ الدكتورُ بشار الأسدُ منْ تولى الرئاسةَ.
وتابع بأن التعديل المقترح يتطلب إبلاغ رئيسِ مجلسِ الشعب عبدَ القادرةِ قدورة لعقدِ جلسة طارئة لهذا الغرضِ. ونبههم الشرع بأنه ينبغي التدقيق في تاريخِ ميلادِ بشارْ الأسد. حيث كان بشار الأسد يبدو صغيرا في العمر.
كان في ذهن المجتمعين أن هناك منافس لنجل الرئيس، هو اللواء رفعت الأسد شقيق الرئيس.
وقال رئيس الأركانِ بأنَ الجيشَ وضعَ في حالةِ استنفارٍ، وأنهُ لابد منْ تشكيلِ لجنةٍ تتولى ترتيباتِ التشييعِ والدفن في القرداحة مسقطِ رأسِ الرئيسِ، واقترحَ قائد الأركان أن يتولى فاروق الشرع هذا الموضوعِ. ومع أن الشرع لم يكن راغبا في التوريثِ إلا أنه لم يساير طموحات رفعت الأسد بالرغمِ منْ عدمِ كراهيتهِ لهُ، ووجد الشرع نفسه يوافق في تلك الجلسة على اقتراحِ مصطفى طلاسْ. لسببينِ:
الأول: كان الشرع يتذكر موقف رفعت الأسد في مرضِ أخيهِ ومحاولتهِ الانقلابَ عليهِ في مارس 1984.
والثاني: أن اختيارَ بشار سيكون مخرجا آمنا وبديلا سلميا عن صراع يمكنُ أن ينفجر إذا لم يتم الاختيار المناسب.
واقترحَ الشرعُ أنْ يتمَ تشييعُ الجنازةِ على مرحلتينِ: المرحلةُ الأولى شعبية، وتتمَ في قصرِ الشعبِ، حتى يتاحَ الوقت الكافي لوصولِ من يرغب من الدول الشقيقة والدول الصديقةِ. والمرحلةُ الثانية شعبية، تتمَ في قرداحة، وتتاح المشاركة بالتشييعِ على نطاقٍ واسع وصلاة الجنازة قبلَ الدفنِ، حسبَ التقاليدِ والأعرافِ المتبعةِ.
في الحال، اعتبر رفعت الأسد، وكان في اسبانيا، نفسه الوريث ليحلَ مكانَ الرئيس الراحلِ حافظ الأسد لكن الأوامر السورية جاءت إلى بيروت وإلى دمشقَ إذا حضرَ بالطائرةِ رفعتْ الأسدْ فيجبُ اعتقالهُ.
وتبلغ رفعت الأسد هذا الأمر وهوَ في إسبانيا، فلم يتجرأْ إلى المجيءِ إلى بيروت لأنَ في مطارِ بيروت كانَ اللواءُ رستمْ غزاليّ قدْ أعطى الأوامرَ باعتقالِ رفعت الأسدْ فورَ نزولهِ من الطائرةِ.
أما في دمشقَ فاستمارة الاعتقالُ موجودةً وممنوع على رفعتْ الأسدْ أنْ يقتربَ منْ الوراثةِ.
التف الضباط حول بشار الأسد والرئيسُ الأسد لمْ يكن قد بلغ عمر الأربعين عاما كيْ يصبحَ رئيسا للجمهوريةِ حسب الدستورُ السوري، لأجل هذا بدأت المشورات ورفض عبدِ الحليمْ خدامْ نائب رئيسِ الجمهورية تعديلَ الدستورِ، كما رفضه تنصيب بشار الأسدْ رئيسا للجمهوريةِ.
غضب بشار وهددَ عبدُ الحليمْ خدام، فقال خدام: لوْ جاءَ الحرسُ الجمهوريُ كلهُ وقتلني فلنْ أوقعَ على تعديلِ الدستورِ.
كان الجيش السوري يؤيد بشار الأسد رئيسا لسوريا، وزادت الضغوطُ على خدام لكنَ خدامْ أصر على موقفهِ وظل على رفضهِ ولم يقبل ببشار رئيسا.
قالَ لهُ العمادُ حكمتْ شهابيٍ نائبُ رئيسِ الجمهوريةِ: يا أبو جمالِ دورنا خلصَ أنا وأنت معَ الرئيسِ الراحلِ الأسدُ، اتركْ المجالَ لشبانٍ غيرنا ولنذهب إلى بيوتنا، فتستقيل أنت، وأستقيلُ أنا وكلٍ واحدٍ يذهبُ في طريقهِ، أصبحَ عمرنا ليسَ صغيرا، وبعد جدالِ بينَ شهابيٍ وخدامِ اقنع العمادَ حكمتْ شهابيٍ خدامْ بالموافقةِ على تعديلِ الدستورِ وانتخابِ بشارْ الأسدْ أمينا عاما لحزبِ البعثِ.
في هذا الوقتِ كانَ الجوُ متوتراٌ في دمشقَ، والجيشُ في استنفارِ والعميدِ ماهر الأسد يدير العملياتِ العسكريةَ منتبها إلى كلِ الأمورِ، والجماهيرُ تزحف إلى القرداحة، أما الجيش فكانَ متيقظا للأمورِ، وبعدٌ موافقةِ خدام جرى اجتماعُ حزبِ البعثِ وانتخبَ الرئيسْ بشارْ الأسدْ أمينا عاما لحزبِ البعثِ، وتمَ تعديلُ الدستورِ في مجلسِ الشعبِ بالإجماعِ على أنْ يكونَ رئيسُ الجمهوريةِ تحتَ سنِ الْ 40، ثمَ تمَ انتخابُ الرئيسْ بشارْ الأسدْ رئيسا للجمهوريةِ.
0 تعليق