أكد السفير المصري لدى البلاد، أسامة شلتوت، أنه من المنتظر أن يقوم الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة إلى الكويت الشقيقة، تلبية لدعوة سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، لافتاً إلى أن «مصر والكويت دولتان شقيقتان تشتركان في عناصر اللغة والدين والثقافة والمصير المشترك، وقد أثبت التاريخ ذلك الأمر في العديد من المواقف». واعتبر شلتوت، في حوار مع «الجريدة»، أن التعاون التجاري بين البلدين «أولوية في ملف العلاقات الثنائية»، مشيراً إلى أن «حجم الاستثمارات الكويتية في مصر يبلغ نحو 20 مليار دولار، وهي تعد في المرتبة الرابعة بشكل عام، والثالثة من بين الدول العربية»... وفيما يلي نص الحوار:
• هل سنشهد زيارة قريباً للرئيس عبدالفتّاح السيسي إلى الكويت؟
- تعلمون جيدا أن سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد قام بزيارة إلى القاهرة في مايو 2024، وهي الزيارة التي مثّلت نقطة انطلاق جديدة في العلاقات بين الدولتين الشقيقتين، ومن المنتظر أن يقوم الرئيس السيسي بزيارة إلى دولة الكويت، تلبية للدعوة الكريمة من أخيه سمو الأمير، بيد أن تنظيم الزيارات على مستوى القمة وتحديد موعدها يخضع لاعتبارات عدة، وفي حالة ترتيب زيارة للرئيس السيسي إلى الكويت، فسيتم الإعلان عنها عبر القنوات الرسمية المخصصة لذلك.
• ما سر هذه العلاقة التاريخية بين مصر والكويت؟
- مصر والكويت دولتان شقيقتان تشتركان في عناصر اللغة والدين والثقافة والمصير المشترك، وقد أثبت التاريخ ذلك الأمر في العديد من المواقف، سواء من خلال التبادل التعليمي والثقافي الذي انطلق منذ القرن الـ 19، أو من خلال التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين الذي تطوّر بشدة منذ منتصف القرن العشرين، فضلا عن الدماء الكويتية التي سالت دفاعا عن مصر، والدماء المصرية التي سالت دفاعا عن الكويت في حروب الاستنزاف وأكتوبر والتحرير، ودائما ما نلمس التقدير الشديد للشعب الكويتي للدور السياسي والعسكري الذي أدّته مصر للدفاع عن استقلال الكويت وسلامتها خلال تسعينيات القرن الماضي، ونحن أيضا نقدّر بشدة الدور الكويتي المساند لمصر دائما في المحافل كافة.
• ما رأيك بالتعاون التجاري بين البلدين؟ وكيف يمكن تحسينها والارتقاء بها إلى مستوى أعلى؟
- يمثل التعاون التجاري بين مصر والكويت أولوية في ملف العلاقات الثنائية بين البلدين، وعلى الرغم من أن ذلك التعاون يشهد العديد من الأرقام الإيجابية، منها على سبيل المثال أن حجم الاستثمارات الكويتية في مصر يبلغ نحو 20 مليار دولار، من بينها نحو 5 مليارات استثمار أجنبي مباشر، فإن هناك اتفاقا بين الطرفين المصري والكويتي على وجود مساحة لتحسين التعاون في ذلك المجال.
• إذا أردنا التحدث عن الاستثمارات الكويتية في مصر... في أي مرتبة تقع هذه الاستثمارات ضمن الاستثمارات العربية الأخرى، وما رسالتكم للمستثمر الكويتي، وما أهم قطاع يمكن أن يستثمر به في بلادكم؟
- تقع الاستثمارات الكويتية في مصر بالمرتبة الرابعة بشكل عام، والثالثة من بين الدول العربية بشكل خاص، ونأمل أن تشهد الاستثمارات الكويتية انطلاقة جديدة تعززها، أسوة بما قامت به دول عربية خليجية أخرى، ففرص الاستثمار في مصر واسعة جدا، والهامش الربحي الذي حققته الشركات العربية التي ضخت أموالها لاستثمارها في السوق المصري خلال السنوات العشر الأخيرة فاق توقعاتهم.
وهذه هي رسالتي للمستثمر الكويتي بأن مصر مليئة بالفرص الاستثمارية، وأننا مستعدون لتقديم يد العون إلى جميع المستثمرين أو الراغبين في الاستثمار بمصر، والتواصل معهم والإجابة عن استفساراتهم والسعي لحل أي مشاكل تقف أمامهم، وصراحة إنني ألمس خلال لقاءاتي المتعددة مع المستثمرين الكويتيين سعادتهم بنتائج استثماراتهم في مصر، وسعيهم إلى تعزيز هذه الاستثمارات، وهو ما آمل أن يستمر.التعاون التجاري أولوية في ملف العلاقات الثنائية... والاستثمارات الكويتية في مصر الثالثة عربياً وحجم «الكويتية» 20 مليار دولار
وفيما يخص أهم القطاعات التي يمكن للمستثمر الكويتي أن يستثمر بها في مصر، فهناك خيارات متعددة، ما يتيح للمستثمر حرية اختيار المجال الذي يتخصص به أو يفهمه، فعلى سبيل المثال يمكن الاستثمار في قطاع الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة، وكذلك في مجال البنية التحتية ومشروعات التطوير العقاري، وأيضا في الزراعة والصناعات الغذائية، إضافة إلى قطاع السياحة والضيافة، والقطاع اللوجستي والنقل، ومجال البرمجيات والتكنولوجيا وخدمات الأمن السيبراني.
• ما دلالات الزيارة التي قام بها وزير خارجيتكم للكويت، وما أهم نتائجها؟
- هذه الزيارة تعتبر الأولى للوزير عبدالعاطي لدولة الكويت الشقيقة منذ توليه وزارة الخارجية في يوليو الماضي، وقد التقى نظيره الكويتي عبدالله اليحيا مرات عدة على مدار الشهور الماضية، سواء على هامش مناسبات متعددة الأطراف، أو خلال اللجنة العليا المشتركة للبلدين بالقاهرة في سبتمبر الماضي، وجاءت زيارة وزير خارجيتنا للكويت في إطار الرغبة المشتركة للطرفين في استمرار التواصل والتشاور في مختلف الموضوعات الثنائية والإقليمية والدولية، وذلك في إطار العلاقات التاريخية الأخوية التي تجمعنا، فضلا عن استراتيجية هذه العلاقات وأهميتها للبلدين الشقيقين.
وأسهمت زيارة عبدالعاطي في استمرار التواصل بين القيادات المصرية والكويتية، من خلال الرسالة الشفهية التي نقلها وزير خارجية مصر من الرئيس السيسي إلى سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حينما تشرّف عبدالعاطي بلقاء سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، وتم التأكيد من خلالها على عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وكذا سبل تعزيز العلاقات الثنائية في إطار الروابط العميقة بين مصر والكويت، فضلا عن استعراض آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، وكذلك توافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب، وتطلّع الجانب المصري إلى الحفاظ على دورية انعقاد كل الأطر المؤسسية الثنائية للارتقاء بالعلاقات الثنائية التي تربط البلدين الشقيقين، ولعل هذه هي أهم نتيجة للزيارة.زيارة وزير خارجيتنا للكويت جاءت في إطار رغبة البلدين في استمرار التواصل والتشاور بمختلف الموضوعات الثنائية والإقليمية والدولية
كما مثّلت الزيارة فرصة جيدة لبحث فرص تنمية التعاون الاقتصادي والاستثماري خلال اللقاء مع كل من رئيس الوزراء بالإنابة الشيخ فهد اليوسف، ووزيرة المالية نورة الفصام، وهي اللقاءات التي سيتلوها دفعة للأمام في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين في سبيل تنفيذ التوجيهات العليا المشتركة لقيادتي البلدين بتعزيز التعاون المشترك بينهما اقتصادياً واستثمارياً، خصوصاً بعد ما اتخذته الحكومة المصرية أخيراً من إجراءات طموحة لتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتذليل العقبات التي تواجه المستثمرين في ضوء الأهمية التي توليها الحكومة المصرية لتعزيز دور القطاع الخاص في قيادة التنمية الاقتصادية بمصر.
وشهدت زيارة الوزير عبدالعاطي أيضاً مشاورات مع الوزير اليحيا، حيث تم تناول آخر التطورات الخاصة بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، حيث اتفقا على ضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، والعمل على خفض التصعيد من أجل تجنّب الانزلاق إلى حرب إقليمية. وقد تبين خلال المشاورات توافق مواقف البلدين تجاه القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.ما تشهده المنطقة نتاج تراكمات لعقود من الظلم فضلاً عن عدم سعي المجتمع الدولي للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية
وأكد استعداد الجانب المصري لتقديم كل سبل الدعم للمجلس لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين رجال الأعمال في البلدين، وكذلك استعداد الشركات المصرية العاملة بقطاع البنية التحتية للمشاركة في المشروعات التنموية بالكويت.
• ما الدور الذي تؤديه مصر في الصراع الذي دخل عامه الأول بين إسرائيل من جهة وفلسطين ولبنان من جهة أخرى؟
- من الضروري الإشارة هنا إلى أن ذلك الصراع ليس في عامه الأول، وأن ما شهدته المنطقة من أحداث خلال العام الماضي هو نتاج تراكمات لعقود من الظلم، وعدم المساواة، فضلا عن إهمال المجتمع الدولي وعدم سعيه للتوصل إلى حل عادل وشامل ومستدام للقضية الفلسطينية رغم التحذيرات والتنبيهات المتتالية التي قدمتها مصر وغيرها من الدول على مدار عقود في هذا الشأن.
أما فيما يخص العام الأخير للصراع الذي بدأ يوم 7 أكتوبر 2023 فلقد قامت مصر منذ اللحظة الأولى بالتحرك على عدة محاور، فكان المحور الأول بذل المساعي لوقف النار، وهو ما أسفر فيما بعد عن جهود الوساطة بالاشتراك مع كل من دولة قطر الشقيقة والولايات المتحدة، وهي الجهود التي عبرت دولة الكويت الشقيقة عن دعمها أكثر من مرة، كما أسفرت عن اتفاق وحيد لوقف النار كان من الممكن تمديده والبناء عليه وهو ما لم يحدث للأسف.
والمحور الثاني كان سعي مصر بكل قوة لتوفير كل المساعدات الإنسانية اللازمة للأشقاء في قطاع غزة، وهو الملف الذي لعبت فيه دولة الكويت الشقيقة دوراً كبيراً ومقدراً جداً من خلال المساعدات الكريمة التي قدمها الشعب الكويتي إلى شقيقه الفلسطيني في غزة.
أما المحور الثالث فكان التحرك داخل المنظمات الدولية والإقليمية لاستصدار القرارات الأممية اللازمة لضمان حقوق الشعب الفلسطيني في إطار القانون الدولي، وهي الجهود التي تم تنسيقها مع الأشقاء الفلسطينيين والمجموعات العربية والإسلامية ونتج عنها صدور العديد من قرارات الإدانة للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، فضلاً عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ويضاف إلى ذلك المحور، تنظيم المؤتمرات الدولية مثل قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبر 2023، ومؤتمر حشد المساعدات الإنسانية لغزة الذي انطلق بالقاهرة أمس، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، وبحضور الأمين العام أنطونيو غوتيريش، فضلاً عن المشاركة بقوة في جميع المؤتمرات والمبادرات الساعية للحفاظ على الحق الفلسطيني مثل القمة العربية الإسلامية بالرياض.
وفيما يتعلق بالتطورات في لبنان، فقد قام الوزير عبدالعاطي بزيارة بيروت مرتين خلال الفترة الأخيرة، بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكان الهدف الأسمى من هاتين الزيارتين توجيه رسالة دعم إلى لبنان الشقيق، والتأكيد على موقف مصر الرافض لأي عدوان على لبنان من جانب إسرائيل، وأشير في هذا السياق إلى دعم مصر للمؤسسات الوطنية اللبنانية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، وضرورة تنفيذ القرار الأممي 1701 من كل أطرافه، وعدم قصر الالتزام على طرف واحد فقط، وهو ما أعاد وزير الخارجية تأكيده خلال لقائه نظيره اللبناني يوم 25 نوفمبر في روما، على هامش منتدى حوارات روما المتوسطية، وتدعم مصر القرار اللبناني بشأن مفاوضات وقف النار، كما قدمت مصر مساعدات إنسانية للأشقاء في لبنان كان آخرها شحنة في 12 نوفمبر الماضي.
تقليص مخاطر سد النهضة على مصر والسودان
أكد السفير المصري أن بلاده تملك رؤية واضحة للتعامل مع سد النهضة الإثيوبي وتداعياته السلبية على مصر، ويعتبر الهدف الرئيسي هو تقليص مخاطره على كل من مصر والسودان، دولتي المصب، إلى الحد الأدنى. وسبق أن أعلنت مصر، بوضوح، أن هناك إجراءات يمكن اتخاذها وفقاً للقانون الدولي للدفاع عن مصالحها المائية إذا حدث أي ضرر للأمن القومي المصري، لأن المياه هي مسألة وجودية لمصر. وينبغي أن أشير هنا إلى أن القاهرة أثبتت حسن نيتها بخوض مفاوضات امتدت على مدار 13 عاما مع الجانب الإثيوبي دون جدوى، وكذلك من خلال دعمها وتمويلها لأغلبية المشروعات التنموية بدول حوض النيل، حيث قامت مصر بإنشاء وتمويل العديد من السدود على ضفاف نهر النيل في كل دول الحوض تقريبا، وهو ما يبرهن على أن الموقف المصري تجاه السد الإثيوبي عادل وموضوعي، حيث لا تعترض مصر أبداً على المشاريع التنموية في حد ذاتها، إنما تعارضها عندما تتعارض هذه المشاريع مع أبسط قواعد ومبادئ القانون الدولي، وفي النهاية فالجميع متفق على أن الحق في التنمية لا يمكن أن يكون مبررا للتعدي على الحق في الحياة.
وفي السياق ذاته، أود أن أشير إلى ما يسمى بمفوضية الدول الست CFA التي تضم عدداً من دول حوض النيل، حيث تعاني تلك المفوضية قصورا في نطاق عملها، فضلا عن كونها مفوضية جزئية غير ملزمة للدول غير العضوة بها، كمصر والسودان، وقد أصدرت الهيئة الفنية الدائمة لمياه النيل بين مصر والسودان بيانا في هذا الشأن أكدت فيه أن ما يسمى بالاتفاق الإطاري للتعاون في حوض النيل غير ملزم لدولتي المصب، ليس فقط لعدم انضمامهما إليه، إنما أيضا لمخالفته لمبادئ القانون الدولي العرفي والتعاقدي، مشددة على أن مفوضية الدول الـ 6 الناشئة عن الاتفاق الإطاري المنقوص لا تمثّل حوض النيل بأي حال من الأحوال.
وختاما، فإنني أنتهز هذه الفرصة للإشادة بالموقف الكويتي الداعم للحقوق المصرية والسودانية فيما يتعلق بنهر النيل.
0 تعليق