قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق أن الدعاء هو أحد أهم وسائل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وله أثر عظيم في حياة المسلم، فهو ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو عبادة عظيمة تكشف عن عمق الإيمان والثقة في قدرة الله، ومن خلال الدعاء، تفتح أبواب الخير، ويرتفع البلاء، وتُغفر الذنوب، ويُرفع الإنسان درجات في الدنيا والآخرة.
واستشهدا جمعة بقول الإمام الغزالي رحمه الله: “من القضاء رد البلاء بالدعاء”، فالدعاء ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو سبب أكيد في رفع البلاء وجلب الرحمة. فكما أن الترس يحمي من السهام، فالدعاء يرد البلاء ويجلب الأجر، لا يعني اعترافنا بقضاء الله وقدره أننا نترك الأسباب والوسائل التي قد تغير واقعنا، بل يجب أن نحرص على استخدام الدعاء كأداة قوية لتغيير حياتنا وطلب العون من الله.
آداب الدعاء
وتابع جمعة أنه قد أرشدنا الإسلام إلى مجموعة من الآداب التي تجعل الدعاء أكثر قبولًا، مثل تحري أوقات الإجابة، كثلث الليل الأخير، أو وقت نزول المطر، أو وقت الخطبة في يوم الجمعة. كما أن رفع اليدين إلى السماء والتوجه بصدق إلى الله من أعظم أسباب قبول الدعاء. إن الدعاء ليس فقط كلمات تُقال، بل هو لحظة تواصل حقيقية مع الله، لحظة قلبية في غاية الأهمية.
وأضاف جمعة أنه من أهم آداب الدعاء أيضًا هو أن يتوجه المسلم إلى الله طلبًا للخير الذي يسعى إليه، كما كان يفعل نبينا محمد ﷺ. كان ﷺ يسأل الله من كل خير، ويستعيذ من كل شر، كما علمنا أن ندعو لأنفسنا ولأزواجنا وذرياتنا.
المرأة الصالحة: خير متاع الدنيا
ووضح جمعة إن الدعاء للزوجة الصالحة والأبناء الصالحين يعتبر من أهم الدعوات التي يجب على المسلم أن يحرص عليها. فالزوجة الصالحة هي من أفضل متاع الدنيا، كما ورد عن النبي ﷺ في حديثه: "الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" [رواه مسلم]. وعندما يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن من بين أعظم النعم هو السكن والراحة التي يشعر بها الزوجان تجاه بعضهما البعض، فإن هذه النعمة تعكس تمامًا معنى الحياة الزوجية التي هي أساس الاستقرار والتوفيق في الحياة.
وقد ورد عن النبي ﷺ في وصف الزوجة الصالحة أنه قال: "إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك" [الجامع الصغير]. هذه الصفات ليست فقط علامات لحسن الخلق، بل هي تعبير عن التوازن في الحياة الزوجية التي تساهم في تحقيق الاستقرار النفسي، الذي بدوره يؤثر على حياة العبادة والتقرب إلى الله.
الدعاء للزوجة الصالحة
يجب على المسلم أن يخصص من دعائه ليطلب من الله أن يبارك له في زوجته، كما كان يفعل الصحابة الكرام، فالدعاء ليس محصورًا على الحياة الشخصية فقط، بل يمتد ليشمل العائلة وكل من نحب. فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]. وهذه دعوة شاملة للخير في الدنيا والآخرة، تتضمن السعادة الزوجية والأبناء الصالحين.
الاستقرار في الزواج
إن الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد بين شخصين، بل هو سكن وراحة، وهو من آيات الله التي دلت على عظمة خلقه ورحمته. يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. هذه الآية تعكس عمق العلاقة الزوجية، فهي ليست فقط علاقة جسدية بل علاقة روحية تتعزز بالمودة والرحمة.
في النهاية، يبقى الدعاء هو أداة المؤمن في الحصول على الخيرات في الدنيا والآخرة. الدعاء للزوجة الصالحة، كما علمنا النبي ﷺ، من أعظم الأدعية التي يمكن أن يقوم بها المؤمن. فالمرأة الصالحة هي التي تشارك زوجها في رحلته إلى الله، وتكون سببًا في استقرار حياته الروحية والمادية. وكلما دعا المسلم لزوجته وأبنائه، زادت بركة الله في حياته، وزادت أسباب السعادة والرضا.
0 تعليق