د. علي محمد الصَّلابي
يا رب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، هذا الكتاب «الاستراتيجية الشاملة لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم دروس مستفادة من الحروب الصليبية» جزء من كتاب موسوعة الحروب الصليبية المسمّى «الحملات الصليبية، الرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، الأيوبيون بعد صلاح الدين» رأيت نشره على انفراد لتعمّ الفائدة.
حيث إنه يبين لنا دور الأمة في فهمها لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسلوب علماء وفقهاء الإسلام للمناصرة في عهد الحروب الصليبية حيث كانت رؤيتهم شاملة تناولت مفردات الصراع والتصدي للمشروع الصليبي الغازي، فكرياً وسياسياً، وعسكرياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وثقافياً... إلخ.
الجهاد عسكرياً وسياسياً
كانت موسوعتي عن الحروب الصليبية قد تحدثت عن جهاد المسلمين عسكرياً وسياسياً في عهد السلاجقة والزنكيين والأيوبيين، وجهود العلماء في تحريض الأمة وتعليمها وتربيتها على وجوب الجهاد والحرص على الشهادة في سبيل الله ولم يقتصر دور الأمة في المقاومة على القادة العسكريين والسياسيين فقط، بل العلماء والفقهاء والخطباء والشعراء والأدباء والتجار وعامّة المسلمين إلا أنني في الكتاب الرابع اكتشفت شيئاً جديداً، يضاف إلى الحروب والقتال والجهاد، ألا وهو الحوار، والمناظرات، والجدال مع الغزاة في عقائدهم، وكتبهم المقدسة، وأصول ديانتهم، فكان مبحثاً مستقلاً في الكتاب الرابع من الحروب الصليبية، تحدثت فيه عن الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية، فتكلمت عن أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى، كالدعوة إلى التوحيد، واعتناق الإسلام، والإيمان بالقرآن الكريم، ومناقشة عقائدهم، وقد ذكرت جهود القائمين على دعوى النصارى في عصر الحروب الصليبية من القادة والولاة، وجهود صلاح الدين ونور الدين والملك العادل، ويوسف بن تاشفين في دعوى النصارى، ودور العلماء، مثل صالح بن الحسين بن طلحة الجعفري وأحمد بن إدريس القرافي، ومحمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي في قيادة المعركة العقائدية الفكرية الثقافية ضد الصليبيين.
وقد شرحت أساليب المسلمين في الدعوة إلى الله، كالأساليب العقلية، من السبر والتقسيم، وقياس الأولى، والقياس المساوي، والمحاكمات العقلية وأسلوب القلب وتناقض الخصوم وأسلوب المقاربة والاستدلال بمسلمات الخصم والأساليب العاطفية، كأسلوب الترهيب وأسلوب الاستهزاء والتهكم وأسلوب اللين والتلطف بالخطاب، وأسلوب القسم، والأساليب الفنية كأسلوب ضرب الأمثال، وأسلوب القصة وأسلوب التكرار، وأسلوب الاستفهام، وأسلوب التعجب، وأسلوب استخدام الشعر في تأدية بعض المعاني وبينت آثار دعوة المسلمين في عصر الحروب الصليبية، كدخول أعداد كبيرة في الإسلام والتأثر بعادات المسلمين، وأخلاقهم وتقاليدهم، وتحسن نظرة كثير من النصارى، وحسن معاملتهم لمن تحت أيديهم من المسلمين وظهور عزة الإسلام وتغير التكتيك الصليبي، وإعجاب بعض القادة الأوروبيين بالحضارة الإسلامية، واهتمام كثير من علماء الغرب بثقافة الشرق وتأثر النصارى باللغة العربية، وفقدان الثقة بالبابا ورجال الدين، ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية والتي من أهمها:
جوب الحذر من خصوم الإسلام في كل زمان ومكان وإن تغيرت الوسائل وتنوعت الأساليب.
:وجوب الدعوة إلى الله على بصيرة، ولا يكون ذلك إلا بوجود العلماء الربانيين.
:أهمية التدرج في الدعوة وعدم استعجال النتائج خاصة في المجال الدعوي.
:إن المقاومة الهادئة للغزاة على منهج سليم أساس النجاح والانتصار على الأعداء وتحصين الصف الداخلي.
:للأقليات الإسلامية في ديار الغرب رسالة هامة، ولذلك علينا الاتصال بها وتقوية العلاقة بيننا وبينها لتحقيق المقاصد المرجوة على المدى البعيد.
:إن ثبات المسلمين في ديارهم لمقاومة الغزاة من أهم أسباب بقاء الإسلام فيها، ومن ثم دحر العدو وهزيمته.
:كان لحركة التأليف التي قام بها علماء المسلمين أثر كبير في تقرير عقيدة الإسلام وبيان السنة وإبراز محاسن الدين وإبطال شبهات الأعداء حوله بمختلف اللغات.
:إن الالتزام بالإسلام وأحكامه له تأثير في نشر الإسلام وقبوله عند الآخرين.
:خطورة الاختلاف والتناحر على الأمة وأثر الوحدة في عزتها وقوتها وهزيمة أعدائها.
:عدم القنوط واليأس مهما كبرت الرزايا وكثرت الفتن.
وأحب أن أبين للقارئ الكريم في الوقت الذي كانت تجري فيه رحى المعارك الحربية بين المسلمين والصليبيين وكانت هناك معارك أخرى بين الطرفين في صورة السجال الديني والجدل الثقافي، والردود المتبادلة ومحاولة كل طرف إثبات أفضلية معتقده الديني وقد برز في هذا الجدال والسجال أعلام وقادة من أشهرهم القرطبي والخزرجي والقرافي وغيرهم فدافعوا عن عقيدة الأمة وثقافتها وتاريخها، وخلد الله ذكر مساعيهم وأعمالهم الحضارية الرائعة التي لا تزال آثارها إلى يومنا هذا، ونصر الله بهم الإسلام في المجال الفكري والدعوي والعقدي والثقافي، وتحقق بهم قول الله تعالى: «ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون» (التوبة، 32).
مناصرة شاملة
إننا في أشد الحاجة لمناصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مناصرة شاملة تليق بمقامه عند الله عز وجل وفق رؤية إستراتيجية متكاملة، وعلينا أن نخرج من موقع المدافع إلى الهجوم، حيث إنه خير وسيلة للدفاع، فلنحرص على هداية القوم ودعوتهم إلى الدين الصحيح والعقيدة السليمة وإلا فالحد الأدنى فلنشغلهم بأنفسهم.
إن لدينا رصيداً زاخراً وتراثاً عظيماً، مما خطه أئمة الهدي بمداد النور على صفحات الزمن يرشدنا إلى الطريق القويم والمنهج السليم لنصرة محمد صلى الله عليه وسلم.
حاجة ماسة
إننا اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في التعامل مع المشاريع الغازية، سواء صليبية، أو غيرها ولابد من المواجهة الشاملة وترتيب الأولويات في ذلك، فالمشروع الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والإعلامي المضاد لنا.. إلخ بداية هزيمته تحقيق انتصارات ساحقة في المجال الفكري والعقدي والحضاري وهذه تسبق الانتصارات العسكرية والسياسية، وقد فصلت ذلك في موسوعة الحروب الصليبية.
إنني أدعو المسلمين للحفاظ على صورة الإسلام المشرقة والدعوة إليه بالأساليب الحديثة، عبر الفضائيات، بالمناظرات، والدروس والخطب والمحاضرات واستخدام كل وسائل الإعلام الحديثة والممكنة، فعندنا ما نقدم لهم ولغيرهم من الأمم من عقيدة صحيحة وتصور عن الكون والحياة والإنسان والموت والجنة والنار والقضاء والقدر ومناحي الحياة من خلال الوحي المنزل على محمد حبيبنا صلى الله عليه وسلم.
0 تعليق