قُلنا كثيرًا من قبل إن الظروف أصبحت مناسبة لوقف إطلاق النار فى غزة، تفاءل الوسطاء، وأطلق الساسة تصريحات إيجابية، وكتب الصحفيون عناوين عن اقتراب الصفقة، وفى كل مرة توقفنا كلنا وتاهت التفاصيل بين الأطراف المتعددة.
لكن الآن- أكثر من أى وقت مضى- بإمكاننا القول إن الظروف مناسبة لعقد صفقة ووقف إطلاق النار، فقط لأن دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والتهديد الواضح الذى صدر عنه بتحويل الشرق الأوسط إلى جهنم، سيجبر حماس على التنازل.. ولكن لأن الديناميكيات الأخرى فى المنطقة يبدو أنها تساعد أيضًا دون قصد.
التطورات الأخيرة فى سوريا ستنعكس بشكل مباشر على الحرب فى غزة، فالحرب التى بدأت قبل عام وشهرين بحلم السنوار «وحدة الساحات»، كما يبدو أنه سيقلب إلى كابوس «نهاية المحور».
التطورات الأخيرة على كل الجبهات تمنح فرصة لإسرائيل وتضغط بقوة على حماس لقبول وقف إطلاق النار.
بالنسبة لحماس، فإنه فى الأسابيع الأخيرة، كان هناك ضعف واضح، ربما بدأ منذ اغتيال يحيى السنوار، وربما تطور بسبب الضربات التى أصابت قدراتها العسكرية فى قطاع غزة، وقتل نشطائها بأعداد كبيرة، وتم القضاء على تسلسلها القيادى، وتدمير البنية التحتية العملياتية الضخمة التى كانت تشمل الأنفاق، ومنشآت التصنيع، ومستودعات الأسلحة، والأموال.
ضعف حماس ازداد مرة أخرى بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، والضربات الموجعة التى تلقاها حزب الله واغتيال حسن نصرالله.
ففى الوقت الذى كان حزب الله يمثل نوعًا من بطاقة تأمين لـ«حماس» فإن إغلاق الساحة اللبنانية رأى فيه قسم من «حماس» خيانة للمحور، وترك غزة وحدها فى المعركة فى مواجهة إسرائيل، ومؤخرًا بسقوط الأسد.. محور الارتكاز لمحور إيران فى الشرق الأوسط، فإن من مصلحة حماس وقف الحرب والبحث عن حل سياسى يجعلها موجودة فى المشهد بشكل ما بمشاركة الفصائل الأخرى.
بالنسبة لإسرائيل فإن الوضع مهيأ، فلم تعد «حماس»، كقوة عسكرية ذات أهمية، موجودة فعليًا، لا توجد حرب فى غزة، بل عمليات حرب عصابات تشنها «حماس» ضد جيش متواجد روتينًا من النقاط العسكرية والمحاور والقواعد، وهو ما يجعل القوات الإسرائيلية هدفًا سهلًا ويعرضهم للمزيد من الخسائر البشرية والمادية التى يمكن تجنبها.
وبالنسبة لإسرائيل فإن جبهة لبنان تم إخراجها من الحرب، واليوم تخوض إسرائيل معركة استباقية فى سوريا، للسيطرة على مواقع مهمة بالجولان وضرب مستودعات الأسلحة السورية.
بالنسبة لنتنياهو، وهو المتهم الأول بعدم قبول الصفقات السابقة، فإن أمامه فرصة حقيقية لوقف الحرب، بعد أن وسّع ائتلافه بضم جدعون ساعر وتقليص قوة بن غفير، وأيضًا دخول ترامب إلى البيت الأبيض سيصعب على بن غفير وسموتريتش تفكيك حكومة اليمين.
وبعكس جو بايدن، يفتح ترامب أمام نتنياهو فرصًا جديدة يمكن أن تعيد صوغ إرثه من جديد، لا يمكنه أن يمحو ذكرى هجوم ٧ أكتوبر، حتى لو أعاد المخطوفين، لكنه يمكن أن يصنع إرثه فى المنطقة بطرق مختلفة- اتفاق تاريخى مع السعودية، أو تغيير ميزان القوى فى مقابل إيران، ولتحقيق هذا بمساعدة ترامب فإن هناك حاجة لوقف الحرب فى غزة.
الصفقة المصرية التى تتم مناقشتها هذه الأيام هى صفقة إنسانية، من المتوقع أن تشمل النساء وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة فقط، إلا أن هناك أصواتًا متزايدة تطالب باتفاق شامل يؤدى إلى إطلاق سراح جميع المختطفين مقابل وقف الحرب فى غزة. وهم متفائلون لكن أكثر من كل مرة كما يبدو.
0 تعليق