على فكرة
الجمعة 13/ديسمبر/2024 - 09:28 م 12/13/2024 9:28:38 PM
اليوم التالى فى سوريا ما بعد سقوط نظام بشارالأسد بدأ .وربما تحددت ملامحه من لحظة سيطرة هيئة تحرير الشام وحلفائها ،بسرعة مفرطة مثيرة للدهشة ،على مفاصل المحافظات السورية الكبرى ، دون مقاومة من القوى الأمنية والعسكرية ، التى فوجئت بحجم التسليح الحديث والتدريب الماهر للحشود المهاجمة، وربما لعلم بعض قادتها ،بالترتيبات التى تم اتخاذها لإخراج آل الأسد من سوريا ، وتركهم فرادى بسلاح مهترئ فى الميدان .وقد أخذ اليوم التالى فى رسم صورته الجديدة ، مع إعلان تشكيل الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحد قادة هيئة تحرير الشام « محمد البشير»، بعد أن سلم رئيس حكومة الأسد محمد غازى الجلالى ووزرائه مقاليد الوزرات للسلطة الجديدة ، بهدوء يشى بالحكمة وبالاعتراف بأن سوريا فى طريقها للذهاب إلى عهد جديد ،لا جدوى من التفكير فى عرقلته .
والأجواء التى تراقب تلك اللحظات المصيرية فى تاريخ سوريا ،تمتلك الحق فى توجسها وقلقلها وخوفها ،من أن يكون القادم هو أسوأ من الغارب . إذ ليس معروفا فى تاريخ الجماعات الجهادية المتطرفة التى تتولى قيادة الأمور الآن فى دمشق ،إيمانها بالوسائل الديموقراطية ، أو بمقومات الدولة الوطنية المدنية، تلك التى يقتضى استقرارها وتقدمها ،ضمان حقوق كل مكوناتها الثقافية والعرقية والمناطقية والدينية والمذهبية . فضلاعن عدم الخلط بين الدينى والسياسى ، ويجرى فيها تداول السلطة سلميا .
لكن الأمل لايزال قائما ، أن يضع قادة العهد الجديد فى سوريا فى اعتبارهم ،أن الاستقبال الحافل بهم من قبل السوريين ،كان رفضا لما لاقوه من إفقار وقمع للحريات وتهجير فى الداخل والخارج ، وتقسيم للبلاد من سياسات النظام الذى سقط ، وليس ترحيبا غير مشروط بما هو قادم ، لاسيما وسجلات تجاربهم التاريخية الغارقة فى الدماء والانشقاقات والتصفيات المتبادلة داخل تنظيمات القاعدة وداعش والإخوان ،التى خرجوا من عباءتها ، محفورة فى الأذهان .كما أن رهان هؤلاء القادة ،على دعم خارجى ، يتجلى فى رغبة قوى دولية وإقليمية على إعادة تأهليهم لتثبيت نظامهم الجديد ، هو اختيار لا يتجاهل فقط ،أن تلك القوى تسعى للحفاظ على مصالحها وتعزيز نفوذها ،حتى لوتعارضت مع مصالح الشعب السورى، بل هو أيضا تكرار لأخطاء النظام الذى أسقطه .
حينما تصدى فى ربيع عام 2011 ،بجبروت من القوة لاحتجاجات شعبية سلمية ، أضحى الأسد رهين محبسين، هما روسيا والحرس الثورى الإيرانى ،الحلفين اللذين أعاقا انهياره على امتداد أكثر من عقد .وحين فشل نظامه خلال تلك الفترة فى قراءة التغييرات التى طرأت على الواقع الإقليمى والدولى ، فى أعقاب حرب إسرائيل الوحشية على غزة والضفة ولبنان ،حيث غدا الهدف الواضح لحلف إسرائيل الأمريكى والغربى ،ليس شل النفوذ الإيرانى فى الإقليم وإضعافه ،بل إخراجه نهائيا من موازين القوى الإقليمية .وحين صم آذانه عن الاستماع لنصائح الحلفاء بتغيير بعض سياساته ، عجز هؤلاء الحلفاء عن إنقاذ نظامه .
لعله يكون المطلوب الآن تأمل الواقع السورى الجديد كما هو على الأرض ، وعدم الإسراع إلى محاكمته بأفكارمسبقة ، تقتصر على الفهم النظرى لتجارب مماثلة . وفى هذا السياق يصبح من الضرورى،أن يدخل النظام العربى بقوة فى المعادلات الجارية لرسم خريطة لمستقبل سوريا ، تعتمد على كسب ثقة النظام الجديد فى دمشق ،تجعل الحاضنة العربية أقرب إليه من الاندفاع نحو تحالفات دولية وإقليمية ، والاكتفاء بها، وتساهم فى تشجعيه على الابتعاد عن أفكاره التقليدية الإقصائية ، وتحثه على الالتزام بسياسات تمنع الأقتتال الأهلى حول النفوذ والهيمنة على السلطة .
و يقتضى هذا الأمل كذلك ،منح الحاكمين الجدد فى دمشق الفرصةلإثبات قدرتهم على التغير والتجدد ، ورغبتهم الحقيقية فى بناء سوريا جديدة تكتسب رضاء كل أينائها ، وتستعيد ماضيها المجيد فى دولة تنموية حديثة ، لا يعلو فيها أحد فوق القانون والدستور ، وتكون الأمة فيها هى مصدر السلطات .
0 تعليق