يمثل مشروع القانون المعد من وزارة العدل في شأن العقوبات البديلة تحولاً نوعياً في السياسة الجزائية الكويتية، باستناده إلى فلسفة إصلاحية تهدف إلى إصلاح الجاني، وإعادة دمجه في المجتمع، بدلاً من الاعتماد الحصري على العقوبات السالبة للحرية.
كانت الكويت، في واقع الأمر، سباقة على صعيد القوانين العربية في تناول بدائل السجن، فكان القانون رقم 17 لسنة 1960 بشأن الإجراءات والمحاكمات الجزائية من أوائل القوانين العربية التي نصت على العقوبة البديلة في المادة 235 من القانون بأنه "يجوز للمحكوم عليه بالحبس البسيط الذي لا تجاوز مدته ستة شهور، أو لمن صدر أمر بتنفيذ الغرامة عليه بالاكراه البدني، ان يطلب من مدير السجن ابدال العمل لصالح الحكومة بالحبس".
ورغم ذلك السبق إلا أن المشرع الكويتي وقف عند هذا الحد، ولم يعمل على متابعة وتطوير وتحديث يناسب متطلبات الزمن، مما نتج عنه أوجه قصور عدة، فنحن إلى اليوم نعمل بما اجتهد المشرعون الأوائل في الوصول إليه من نص المادة 235 سالفة الذكر.
ولقد بادر بعض القانونيين، وأهل الاختصاص خلال السنوات الأخيرة إلى تقديم مقترحات لتعديل هذه المادة، وقدمت اقتراحات بذلك لمجلس الأمة، إلا أن التعديل لم يأخذ حظه على جدول أعماله خلال فصلين من الانعقاد، ومن ثم جرى حله.
وتوصلت وزارة العدل اخيرا، بعد دراسة إلى أهمية إقرار قانون للعقوبات البديلة، وأعدت قانونها المحال حاليا إلى إدارة الفتوى والتشريع، ويقوم على فكرة استبدال العقوبات التقليدية بأخرى بديلة، تحقق هدف التأهيل والإصلاح للمتهمين في الجرائم البسيطة والمتوسطة.
وقد أخذ المشروع بعين الاعتبار الرغبة في الحد من التأثيرات السلبية على بعض المتهمين غير معتادي الإجرام، مثل الاختلاط بأصحاب السوابق الإجرامية، مما يعزز فرص إصلاحهم، ويقلل احتمالات ارتكابهم للجريمة مجدداً، وهو ما أثبتته الدراسات والإحصاءات في عدد من الدول المطبقة لهذا النظام، التي تشير الى انخفاض ملحوظ في معدل العودة للجريمة لدى المحكوم عليهم بعقوبة بديلة، مقارنة بمن قضوا مدة مماثلة داخل السجون.
وبقراءة متأنية في ملامح المشروع المعلن، نجده يقدم بدائل مثل الرقابة الإلكترونية، كبديل للحبس الاحتياطي، وهو إجراء يتيح للمتهم البقاء في منزله، أو وسطه الاجتماعي مع فرض قيود معينة، ولا شك إن هذه الخطوة تمنح القاضي خيارات أوسع، بما يتماشى مع خطورة الجريمة، وظروف المتهم.
وأرى أن القانون تضمن جوانب عدة تراعي النواحي الإنسانية وتحمي فرص المتهم في إعادة الدمج في المجتمع مستقبلاً، سواء من ناحية العمل، أو العلاقات الاجتماعية، من أبرزها عدم تسجيل الإجراءات البديلة في السجل الجنائي للمتهم، وإتاحة الفرصة له للتقدم بطلب للسفر في حالات الضرورة، مع ضرورة موافقة جهة التحقيق بما يوازن بين الالتزام بتنفيذ العقوبة البديلة، واحتياجات المتهم الإنسانية.
كما يسمح القانون لجهة التحقيق بإنهاء الدعوى الجنائية عبر اتخاذ إجراءات بديلة، بعد موافقة المحكمة المختصة، وهو ما يخفف من عبء القضايا على المحاكم، ويسرّع عملية العدالة، مع ضمان الرقابة القضائية، فيما يلزم الجهات المختصة بتقديم تقارير دورية عن مدى التزام المتهم بتنفيذ العقوبة البديلة، وفي حال عدم الالتزام قد يتم إعادة النظر في البديل واستبداله.
أشير هنا إلى أن تطبيق هذا القانون بما يحقق غرض المشرع يحتاج إلى المحافظة على التوازن بين الحزم والإصلاح، بمعنى أن تطبق العقوبات البديلة بصورة تحقق الردع، من دون أن تكون عرضة للاستغلال، أو وسيلة للهرب من العقوبة الأساسية من بعض المتهمين، إضافة إلى الحاجة إلى آلية متابعة فعّالة لتنفيذ الرقابة الإلكترونية للتأكد من عدم اختراق المتهم لشروط الرقابة.
بعامة، إن هذا القانون يمثل تطوراً مهماً في السياسة العقابية في الكويت، ويجسد نقلة نحو نهج أكثر إنسانية وفعالية، ويقلل الضغط على المؤسسات العقابية، ويعزز في الوقت ذاته دور الجاني كعضو إيجابي في المجتمع، وهذا طبعاً إذا ما تم تطبيقه بدقة وفعالية.
محام كويتي
0 تعليق