ناقش معهد التخطيط القومي، الذراع البحثية لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، سياسات أمن الطاقة في مصر في ظل الأزمات العالمية المتلاحقة، حيث تركزت المناقشات على التحديات التي يواجهها قطاع الطاقة، خاصةً مع الاعتماد الكبير على مصادر الطاقة الأحفورية الناضبة، في ظل محدودية احتياطياتها مقابل الطلب المتزايد على الطاقة، ورغم امتلاك مصر موارد كبيرة من الطاقة المتجددة، إلا أن الاستفادة منها لا تزال محدودة، مما يفرض تحديات على استدامة الطاقة في البلاد.
سياسات تحقيق أمن الطاقة
وأكد الخبراء خلال النقاشات، أن مصر تنفذ حاليًا مجموعة من السياسات التي تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة، وتشمل هذه السياسات زيادة الإنتاج من مصادر الطاقة التقليدية والجديدة والمتجددة، إلى جانب تنفيذ مبادرات لترشيد استهلاك الطاقة، خاصة أن الحكومة تعمل على دعم الاستثمار في مجال الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة من خلال تقديم حوافز مالية مثل تعريفة التغذية للطاقة المتجددة وتضمين مزايا ضمن قانون الاستثمار لعام 2017، كما تم التركيز على رفع كفاءة نقل الطاقة وتوزيعها، وتشجيع البحث العلمي والتطوير في مجال الطاقة المتجددة.
أهمية الاستراتيجيات طويلة المدى
رغم ذلك، فإن تحقيق أمن الطاقة بأبعاده المختلفة يتطلب سياسات أكثر شمولية وطويلة المدى، وجرى التأكيد على ضرورة الإسراع في تحقيق مستهدفات استراتيجية الطاقة المتكاملة 2035، خاصة فيما يتعلق برفع مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، وأوصى الخبراء باستخدام أدوات السياسة المالية والنقدية لدعم قطاع الطاقة المتجددة من خلال تقديم تسهيلات ائتمانية وإعفاءات جمركية، فضلًا عن تمييز منتجي الطاقة المتجددة عند فرض الضرائب، كما دعت المناقشات إلى تقديم تسهيلات في منح الأراضي للمصنعين المحليين وتقديم الدعم المباشر لتحفيز البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا المتعلقة بالطاقة المتجددة.
إنشاء صندوق لتمويل الطاقة المتجددة
وفي إطار تعزيز قدرات قطاع الطاقة المتجددة، اقترح المشاركون تأسيس صندوق خاص بتمويل هذه الصناعة يعتمد على موارد مالية يتم جمعها من خلال طرح السندات الخضراء، كما جرى تسليط الضوء على أهمية بناء استراتيجية وطنية لتصنيع تكنولوجيا الطاقة الشمسية تشمل دراسة شاملة لموارد السوق المحلية من المواد الخام والعمالة المؤهلة ومصادر التمويل وحجم الإنتاج المستهدف، إلى جانب وضع خطة تسويقية واضحة لهذا الإنتاج.
إدارة الموارد الأحفورية بكفاءة
من جهة أخرى، تناولت النقاشات أهمية مراجعة شروط اتفاقيات البحث والتنقيب عن الوقود الأحفوري بصفة دورية لتحقيق توازن بين العوائد المحققة للشركاء الأجانب وحماية حقوق مصر وأجيالها المقبلة في مواردها الطبيعية. كما تم اقتراح تعزيز التعاون الإقليمي والوطني في عمليات البحث والاستكشاف لتقليل الاعتماد على الشراكات الخارجية.
وفيما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة، تم التأكيد على أهمية الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني لنشر ثقافة الترشيد وزيادة الوعي بالعوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يمكن تحقيقها من خلال تحسين استخدام الموارد المتاحة.
وأكد معهد التخطيط القومي خلال النقاشات أن نجاح سياسات أمن الطاقة في مصر يتطلب إدارة موحدة ومتكاملة لشئون الطاقة، ومن هنا، دعا المشاركون إلى إنشاء وزارة واحدة مسئولة عن صياغة وتنفيذ استراتيجيات الطاقة الوطنية وتحديثها بشكل دوري بما يواكب التغيرات العالمية، وشددوا أيضًا على ضرورة استناد هذه الاستراتيجيات إلى نماذج كمية تتيح تقييم السياسات ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة، مع وضع آليات واضحة لمتابعة التقدم في تنفيذها.
0 تعليق