الثلاثاء 17/ديسمبر/2024 - 04:21 م 12/17/2024 4:21:30 PM
العنوان أعلاه، من كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، (المصريون أرادوا وفهموا، وهذا ما يجعلني مُطمئنًا، حيث يُظهر الناس على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل واعية ومتفهمة تجاه التطورات)، في إشارة إلى أن الشعب المصري، بعدما جرَّب حكم جماعة الإخوان في مصر لمدة عام، ورأوا كيف اختطفت هذه الجماعة الدولة المصرية، انتفض ضدهم، وأسقط حكمهم في الثلاثين من يونيو 2013.. وهذا كلام ليس بالجديد، بل إن الرئيس كثيرًا ما يذكره في مناسبات عدة.. فقد سبق أن لفت الرئيس إلى أن هناك ملحوظتين مهمتين لابد من تسجيلهما للشعب المصري؛ أولهما حجم الوعي والفهم والقدرة على التفريق من جانب المصريين خلال الفترة الأخيرة، وذلك يؤكد، أنه لا خوف على الأوضاع الراهنة والمستقبلية في مصر، (هناك محاولات كثيرة تمت لتحريك المصريين خلال السنوات الماضية من قوى كثيرة جدًا، تريد تقليب الرأي العام والشعب المصري، لكن الشعب المصري واعٍ، ولم يتعامل مع مثل هذه المحاولات، وقام بإفشالها).. الملحوظة الثانية، التي يريد أن يوضحها ويسجلها للمصريين، هي أن تعاطف المصريين مع فكرة الدين كان قبل تلك الفترة بلا حدود، ونتيجة لوعي المصريين المتزايد، بدأوا يبحثون ويفحصون جيدًا قبل التعاطف.. وهذا شيء جديد يدل على وعي المصريين وقدرتهم على الفرز بين الصواب والخطأ.
أكد الرئيس أكد الرئيس، أن بناء البلاد أو ضياعها، يعتمد على قادتها الذين يتخذون القرارات، مُشددًا على أن ذلك لا يتحقق من خلال المعجزات، بل من خلال إرادة أصحاب البلد.. وقال الرئيس السيسي، خلال لقائه، الأحد الماضي، بمقر القيادة الإستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بعدد من سيدات ورجال الصحافة والإعلام ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن سوريا في عهد محمد على، تختلف عن سوريا الحالية، فموقعها الجيوسياسي قوي، ولكن في نفس الوقت، ثمة مُحددات تحكمها، إلى أن يشاء الله بأن يُنجي البلاد بأصحابها وليس بمعجزات، وأن من يتخذون القرار أصحاب البلد، إما يقومون بهدمها أو يبنونها.. وأشاد، خلال كلمته، بالشعب المصري ووعيه تجاه جميع التحديات المحيطة، مثل التهجير القسري، وضرورة التصدي له.. وأكد وجود خطر من الجماعات أو العناصر الخاملة، رغم الجهود الأمنية المبذولة، كما أبدى ثقته في قدرة المصريين على مواجهة هذه التحديات بفضل الله وبفضل تلاحمهم، (المصريون، منذ عام 2011 وحتى اليوم، أثبتوا وعيهم ووقوفهم جنبًا إلى جنب لحماية بلادهم)، مشيرًا إلى أهمية وجود مؤسسات قوية مثل الجيش والشرطة، ولكن الأهم هو الإرادة والفهم العميق لدى الشعب.. ومع كل ذلك، فإن لنا رئيس، لم يقم بأي أفعال تضر بمصالح الآخرين، (حاجتين بفضل الله معملتهاش.. إيدي لم تلوث بالدماء، ولا خدت مال حد.. وربنا يحفظ مصر طول ما المصريين على قلب رجل واحد وإيد واحدة مع جيشهم وشرطتهم).
حذَّر السيسي من (وجود جماعات أو عناصر خلايا نايمة.. على الرغم من الجهد الأمني الموجود).. والذي يعتقد بزوال قدرة الإخوان المسلمين على التأثير على وعي الشعوب، فهو واهم، كما يقول الكاتب والمفكر ثروت الخرباوي، بل أصبحت خطيرة جدًا.. فالإخوان يتحركون الآن في الخفاء، لأن شعار الإخوان الآن (حطموا مصر بالمصريين)، فخطر الإخوان لا يزال محدقًا بالبلاد، ويجب الحذر منه وبشدة، ولا يزال ينظر إلينا بعيون الذئب، لينقض على فريسته بعد ذلك، كما فعل مجموعة منتخبي الإرهاب الذي ذهب إلي مدينة حلب السورية، حيث شنت الجماعات المسلحة التي من بينها جماعة الإخوان، عمليات إرهابية على حلب وقد سبق للإخواني صفوت حجازي ـ المسجون حاليًا ـ أن أعلن عن تجهيز مجموعات إخوانية شبابية للقتال في سوريا ضد الجيش السوري عام 2013.. وقد تحالف تنظيما القاعدة وداعش مع الإخوان في سوريا، إلا أن الخرباوي، (مطمئن أن جيش مصر قوي)، والأهم، رفع وعي المصريين بالتحديات، وما حدث في سوريا لن يحدث في مصر بفضل الجيش المصري.
●●●
الدليل على وعي المصريين، هو أنه، مع سقوط الرئيس السوري، بشار الأسد، اشتعلت على ساحة مواقع التواصل الاجتماعي، معارك بين فريقين، أحدهما ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، المُصنفة (إرهابية) رسميًا منذ نحو عقد، يزعم إمكانية تكرار السيناريو السوري في البلاد، وآخر يقوده مصريون شرفاء، استبعدوا بشكل قاطع تكرار النموذج السوري في بلدهم، بالإشارة إلى الدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به كل من النظام والجيش المصري، عادّين أنهما (الضامن لاستقرار البلاد وحمايتها من أي تهديدات).. المعركة (السوشيالية) مع الإخوان، كان أحد أسلحتها (الرد المباشر) على المزاعم التي يُروجها عناصر الجماعة أو من المحسوبين عليها.. فمع دعوة محمد محسوب، وزير الشئون القانونية الأسبق في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، إلى (إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء القوائم الإرهابية)، وفق زعمه، في تغريدة على منصة X، قام عضو من مجلس النواب، بالرد قائلًا، (مش قادر يقتنع إن الشعب المصري رماهم في مزبلة التاريخ بإرادته الحرة، وأن الجيش الوطني المصري رفض كل الضغوط الأمريكية وغير الأمريكية عشان استمرارهم وتمكينهم).
وبرّر البعض استحالة تكرار السيناريو السوري في مصر، بالتأكيد على أن الظروف التي أدت إلى اندلاع الأحداث في سوريا، تختلف تمامًا عن الظروف الحالية في مصر، مُراهنين على الوعي الشعبي، ومؤكدين أن الشعب المصري أكثر وعيًا بالمخاطر التي تهدد استقرار البلاد، وأنه لن يُسمح بتكرار تجربة الفوضى، إذ الكاتب والمدون المصري، لؤي الخطيب، عبر صفحته على X، (طبعًا كل من الإخوان والمطاريد وداعمي الدواعش، بيدندنوا من امبارح على نغمة إمتى النموذج السوري المُلِهم يتكرر في مصر.. امتى نلاقي السجون بتتفتح والفوضى تعم الأرجاء، ويتبخر الجيش المصري فتزهزه معانا).. وشدّد آخرون على الإجراءات الأمنية التي تتبعها السلطات المصرية، مؤكدين على أن الأجهزة الأمنية المصرية تتخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهة أي محاولات لزعزعة الأمن والاستقرار.. وقال الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري، مصطفى بكري، على منصةX، (من يتآمرون على الجيش ويتعمدون الإساءة إليه، لا يختلفون عن داعش وجبهة النصرة.. هؤلاء خونة الأوطان في كل مكان).
جبهة أخرى من المعارك (السوشيالية)، فُتحت مع الإعلان عن تكليف محمد البشيرـ بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا، حتى أول مارس القادم، وهو (صاحب الميول الإخوانية).، وروَّج ناشطون مقطع فيديو للبشير، وهو يستند إلى مقولة لمؤسس الإخوان، حسن البنا.. واستدعى ناشطون مصريون اسم هشام قنديل، رئيس وزراء مصر في عهد الإخوان، للتشبيه بينه وبين البشير، حيث راج هاشتاج (#هشام_قنديل) وظل متصدرًا لـ (التريند) خلال الساعات الماضية.. وحذّر الإعلامي، أحمد موسى، من أن يتم (أخونة) سوريا، (البشير هو تكرار لتجربة محمد مرسي، وأخونة الدولة المصرية ومفاصلها ومؤسساتها،) واتفق كثير من التفاعلات على (الهاشتاج)، على أن البشير هو (هشام قنديل النسخة السورية)، وأشار البعض إلى أن (التاريخ يعيد نفسه في بعض الدول العربية).
بالتوازي، اندلعت حرب كلامية بين مُغردين مصريين وطنيين، وبين أنصار جماعة الإخوان، كون الطرف الأخير يأمل في إمكانية تكرار السيناريو السوري في مصر، حيث حذَّر رواد السوشيال ميديمن مخططات الإخوان.. وأعلن مغردون عن دعمهم للرئيس عبد الفتاح السيسي، في ظل ما يتطلع إليه الإخوان من عودة الهاربين خارج البلاد إلى مصر، على غرار دخولهم دمشق، مُحذرين من فتن الإخوان.. وقارن آخرون بين التجربة السورية والتجربة المصرية، لافتين إلى تنظيم الإخوان الدولي ما زال منتعشًا، ولديه قدرات سياسية ومالية وإعلامية، هي التي استهدفت سوريا ومصر الفترة الماضية.. ولم ينس النشطاء استدعاء ذكر الرئيس المصري الراحل، محمد حسني مبارك، الذي تم تداول اسمه في عدد كبير من التغريدات، حيث ثمَّن أصحابها (حفاظ مبارك على مصر وعلى أرضها، وعدم هروبه خارج البلاد) مثل بشار، رغم الإطاحة به عقب مظاهرات الخامس والعشرين من يناير 2011.
●●●
وينظر العديد من الناشطين (أرامل أحداث يناير)، إلى ما يحدث في سوريا بعين الحذر والترقب.. فالعديد من هؤلاء شاركوا في الاحتجاجات على نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عام 2011، أو على الأقل أيدوها، ويخشون أن ما حدث في بلادهم قد يكون أيضًا مصيرًا محتومًا للسوريين، أو على الأقل أن تفشل ثورتهم، باختلاف التفاصيل.، وتعكس تعليقات هؤلاء على مواقع التواصل، خلال الساعات التي أعقبت تقدم قوى المعارضة السورية واستحواذها على المدن السورية تباعًا وسقوط بشار الأسد، مشاعر مختلطة من الخوف واليأس والأمل في آن واحد.. يتذكر هؤلاء مشاعر الفرحة العارمة في فبراير 2011 في مصر، بعدما ألهمتهم ثورة تونس وخروج رئيسها، زين العابدين بن علي، من السلطة.. ومع ذلك، فإن الأحداث التي شهدتها مصر بعد ذلك أفقدتهم هذا الشغف، بعدما خطف الإخوان منهم السلطة، بينما يشعر العديد من الإسلامويين بمرارة شديدة من إطاحة الشعب بحكم محمد مرسي والإخوان.
وبعد التطورات الأخيرة في سوريا، كتب وائل عباس، الذي كان من أبرز ناشطي يناير، (ليس معنى أن من وصل للسلطة في سوريا مجرمون أن بشار كان كويس.. وليس معنى أن من وصلوا للسلطة في سوريا خرَّجوا المعتقلين، أنهم مش ها يدَّخلوا معتقلين جدد بدالهم).. وكتب الناشط جمال عيد، كتب في فيسبوك، (الفرحة بسقوط المجرم بشار، فرحة مجروحة، بضبابية خلفية المعارضة.. هل ستُدشن حكمًا ديمقراطيًا؟، أم ستدشن حكمًا دينيًا قمعيًا بديلًا عن حكم الأسد الدكتاتوري؟).. وجاء في تعليق آخر لسيدة تقول إنها شاركت في مظاهرات يناير، (أنا من ساعة ثورة يناير وأصبح عندنا صدمة.. لا أفرح كثيرًا دون أن أفهم ما يجري.. ما هي إيدولوجية المعارضة السورية.. ومَنْ الجماعات أو البلاد الداعمة لها؟).. وتتساءل أخرى، (هما اللي عمالين يقولو سوريا اتحررت دول، هما نفسهم اللي قالو ثورة يناير نجحت.. صح؟!!).
لقد سعد الشعب المصري، كما إخوانهم السوريون، بسقوط بشار الأسد، لكن الأيادي على القلوب، من مستقبل غامض ينتظر سوريا، يُعيد إلى الصدارة، المرارة التي شعر بها المصريون، يوم أن سقطت مصر في أيدي الإخوان.. بل إن الدولة المصرية، التي تحتضن جاليات سورية كبيرة، سمحت بالاحتفالات بسقوط نظام بشار الأسد بضوابط، حيث تجمع السوريون يرفعون أعلامًا سورية، وهتفوا ضد بشار الأسد، ووزعوا الحلوى.. في حين فضل البغض الاحتفال في المنزل احترامًا للقوانين المصرية، لكنه في الوقت ذاته قام بتوزيع الحلويات في محيط سكنه.. وعرضت بعض المطاعم التي يمتلكها سوريون أو تحمل أسماء سورية، خصومات، أو قدمت عروض احتفالًا بسقوط نظام الأسد.. وبحسب الأرقام الرسمية، يتواجد في مصر حوالي مليون ونصف سوري، وقد شهدت منطقة السادس من أكتوبر، بمحافظة الجيزة، التي يتواجد فيها عدد كبير من الجالية السورية، خروج بعضهم للاحتفال.
واعتبر السيسي أن (المصريين، من 2011 إلى اليوم، وقفتهم هي من حمت بلدهم.. طبعًا فيه مؤسسات موجودة، فيه جيش موجود وده كويس، فيه قوات شرطة مدنية، فيه وزارة الداخلية وده كويس.. لكن فيه إرادة شعب، أراد وفهم.. رد فعلهم تجاه كل التطورات واعي جدًا وفاهم جدًا". وأضاف: "أنتم ترون مواقع التواصل وتعليقات الناس، الكلام اللي بيتقال هو اللي مطمني إن الناس في مصر منتبهة وفاهمة ومصدقة ومستحملة عشان بلدها.. الشعب المصري هو حصن مصر وطبعًا ربنا قبل الكل).. ففي لقاء اتسم بالصراحة والوضوح، خلال لقائه بعدد من الإعلاميين والصحفيين، أعرب الرئيس السيسي عن ثقته العميقة في الشعب المصري، واصفًا إياه بأنه (حصن مصر) الذي يدافع عن الوطن ويحميه في وجه التحديات.. في عالم يموج بالاضطرابات، يقف المصريون كالبنيان المرصوص، متحدين وواعين، في مواجهة كل ما يحيط بهم من صعاب.. أكد أن قوة مصر الحقيقية ليست فقط في مؤسساتها الراسخة من جيش وشرطة، ولكن في إرادة شعبها الواعي والمتماسك.. (الشعب المصري هو حصن مصر)، قالها الرئيس بلهجة تنبض بالامتنان والفخر، مشيرًا إلى أن الشعب هو من حمى البلاد منذ 2011، عندما عصفت التغيرات الإقليمية بالدول من حولنا.
كلمات الرئيس السيسي جاءت كرسالة أمل للمصريين، داعيًا الجميع إلى مواصلة الاصطفاف والعمل بروح الفريق، من أجل بناء مصر قوية وعصرية، وأكد أنه مطمئن، لأن المصريين ليسوا فقط مُدركين لحجم التحديات، بل هم على استعداد لتحملها من أجل وطنهم.. فالشعب المصري هو الحصن، والرؤية هي المستقبل، والإرادة هي المفتاح.. وبهذه الكلمات، اختصر الرئيس السيسي رؤيته لدور الشعب في حماية الوطن، وبناء الدولة التي تليق بأحلام المصريين.
●●●
نعود إلى كلمة الرئيس السيسي، على هامش اجتماع في مقر القيادة الاستراتيجية في العاصمة الإدارية الجديدة، بشأن العلاقات المصرية مع الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، إذ قال الرئيس، إن (هناك تواصل مع الإدارة الجديدة.. فيه تواصل معها وهناك حجم من الثقة المتبادل بيننا، ورأينا محل تقدير وقبول لديهم، وسنُكمل على هذا، لإيجاد حلول للقضايا العالقة، مثل قضية غزة والسودان وسوريا طبعًا).. وأشار السيسي إلى أن (العلاقة الاستراتيجية تعرضت لاختبارات كثيرة، وأكدت أنها صامدة وقوية وقادرة، والتجارب أكدت هذا، ثم أكدت التجارب حاجة الولايات المتحدة الأمريكية لاستمرار وثبات علاقاتها الاستراتيجية مع مصر).. لقد سبق أن قال ترامب، أن الرئيس السيسي أنقذ العالم من داعش، وأكد أنه(يقوم بعمل رائع) وسط ظروف (صعبة)، على (استراتيجية فعالة لمكافحة الارهاب)..
وخلال استقباله في إبريل 2017، للرئيس السيسي، الذي يزور البيت الأبيض للمرة الأولى منذ انتخابه رئيسًا، وصف ترامب الرئيس السيسي بأنه (رئيس عظيم، يؤدي مهمة عظيمة)، وقال، (نحن نقف بكل وضوح وراء الرئيس السيسي.. ونقف بشكل واضح أيضًا وراء مصر والشعب المصري).. وأضاف (لديكم، مع الولايات المتحدة ومعي شخصيًا، صديق كبير وحليف كبير.. لدينا كثير من القواسم المشتركة).. وقال أيضا (نحن قريبون منذ المرة الأولى التي التقينا فيها)، مشيرًا إلى لقائه السيسي في نيويورك في سبتمبر من نفس العام، في ذروة حملة الانتخابات الرئاسية.
يقول الرئيس السيسي، إن (مصر مرت في الفترة الماضية بالأصعب، فيما يتعلق بتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي وتحقيق التنمية، وإننا نسير في الطريق الصحيح، الأمر الذي انعكس في ثقة مؤسسات التمويل الدولية في الاقتصاد المصري).. نعم، تستمر جهود الدولة في العمل على تحسين أداء مؤشرات الاقتصاد الكلي، نما انعكس إيجابيًا على تقييمات اقتصاد مصر في التقارير الدولية، لتشيد مؤسسات لها وزن وثقل عالمي بأداء الحكومة، متوقعة معدلات نمو إيجابية للعامين القادمين، خصوصًا وكالة (فيتش) للتصنيف الإئتماني وصندوق النقد الدولي، وهو ما أكده الدكتور عبد المنعم السيد، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، أن تحسن أداء مؤشرات الاقتصاد الكلي لمصر، دفع المؤسسات الدولية للاحتفاء بهذا الأداء في تقاريرها وآخرها وكالة (فيتش) للتصنيف الائتماني، وسط زيادة تدفقات النقد الأجنبي والإجراءات الإصلاحية العديدة التي أخذتها الدولة على عاتقها، إذ رفعت الوكالة التصنيف الائتماني لمصر من B- إلى B، مع نظرة مستقبلية مستقرة، مستندة في تصنيفها الإيجابي، إلى التزام مصر بسداد أقساط وخدمة الديون المستحقة وعدم التأخر عن السداد، بجانب ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 11.4 مليار دولار خلال أول تسعة أشهر من العام الحالي، لتسجل 46،7 مليار دولار.. وشدد على أهمية الدور الذي لعبة البنك المركزي المصري بسياسته النقدية التي حركت المياه الراكدة، (الثقة في السياسات النقدية ومرونة المركزي المصري).
●●●
إن ما لايمكن تغافله، هو أنه بعد عام إحدى عشر عامًا من (سقوطها التاريخي)، خلال ثورة الشعب المصري على حكمها، في الثلاثين من يونيو 2013، تعيش جماعة الإخوان حالة من (التشرذم والتيه)، ما بين محاكمات محلية وملاحقات دولية وخلافات تنظيمية داخلية.. إذ يرى الخبراء أن الجماعة، التي حظرتها السلطات المصرية، وعدَّتها (تنظيمًا إرهابيًا)، بشكل رسمي عام 2014، تعيش حالة (موت سريري بعد سقوط تاريخي)، أسهمت فيه حالة الانقسامات والصراعات بين قياداتها وسجن رموزها، متوقعين استمرار أفول نجمها وبألا تسمح السلطات المصرية بأي مسار عودة يُنقذها من حالة (التيه).. فبعد عام من وصول الإخوان إلى كرسي الرئاسة، عبر مرشحهم محمد مرسي، خرج ملايين المصريين في الثلاثين من يونيو، مطالبين برحيلهم.. ومع تمسك الجماعة، برفض خيار الانتخابات المبكرة، سقط التنظيم وحُوكم قياداته وكوادره، بتهم مرتبطة بـ« (التخابر وارتكاب عنف والتحريض عليه).
ومع خروجهم من الحكم، خرج آلاف من المنتمين للجماعة خارج مصر، ودشنوا منابر مُعادية للسلطات المصرية، وحافظوا على منصات مُتلفَّزة وأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، لبثِّ ما عدَّته السلطات (تحريضًا يوميًا)، قبل أن تشهد الجماعة انقسامًا تنظيميًا وفكريًا، أدى إلى ظهور ثلاث مجموعات، كلٌّ منها يدَّعي أنه القيادة، وأن مَن سواه خارج عنها ولا يحمل اسمها.. ووسط هذا الانشطار التنظيمي بالخارج، دخل التنظيم (حالة العدم) في مصر، بعد حظره وملاحقة قياداته، مع رفض الرئيس السيسي إجراء أي مصالحة معه، ووصف المنتمين إليه بأنهم (أهل الشر).
وعلى مدار الإحدى عشر عامًا، واجه الإخوا» مئات القضايا في محاكمات طالت أعدادًا كبيرة من قياداتها وكوادرها، وتصبح الجماعة الآن، وهي تنكمش خارجيًا، وينحسر تأثيرها في مسارات إعلامية ومنصات تُحرض ضد السلطات المصرية.. وقد سبق لها أن لعبت قبل الثلاثين من يونيو على مسارات الإعلام ومنصات التواصل في التجنيد والحشد، وبعد نجاح ثورة الشعب ضدها، بدأت الجماعة مرحلة ثانية، انتهجت خلالها عمليات العنف، مع نشر التحريض والتشكيك ضد الدولة عبر تلك المسارات، مستغلين الأزمات الاقتصادية نتيجة الظروف العالمية والدولية.. وتراجع دعم عدد من الدول التي لجأ عناصر الإخوان إليها، وتكفلت جهود سياسية ودبلوماسية مصرية بتضييق الخِناق على وجود الجماعة في تلك الدول.. فمن الاستقبال والترحاب صيف 2013، إلى دعم مشروط، ثم طلبات للمغادرة في السنوات الأخيرة.. كان هذا هو حال الجماعة في تركيا وقطر، وسط أحاديث تنقلها منصات موالية للجماعة، عن خروج أعداد من قيادات ورموز التنظيم بالخارج من البلدين، إلى جانب إغلاق قنوات مُناصرة للجماعة، مثل (مكلمين)، التي كان مقرها إسطنبول، واستقرارها جميعًا في لندن، بعد تحفظات تركية وقطرية على توجيه عناصر الجماعة انتقادات إلى السلطات المصرية.
ولم تعرف الجماعة سقوطًا منذ تأسيسها في مصر عام 1928، مثل الذي فعلته ثورة الثلاثين من يونيو 2013، إذ لأول مرة يجري (إسقاطهم شعبيًا)، بعيدًا عن قرارات السلطات المصرية السابقة بالحل أو توقيف النشاط، كما يقول الباحث في شئون جماعات الإسلام السياسي، ماهر فرغلي، إن (تنظيم الإخوان انهار داخل مصر، وجزء كبير منه داخل السجن وخارج البلاد.. الموجودين من التنظيم خارج البلاد في حالة تشظٍّ وأجندات مختلفات وصراعات مالية وتنظيمية).. ويرى أن (بقاء التنظيم، بين الاستقطاب الداخلي في صراعات التنظيم، والسقوط التاريخي لها بمصر والانهيار، يؤكد أنه سيعاني مستقبلًا، وسيبقى غائبًا عن الساحة المصرية، دون أن يرى هدنة أو مصالحة من السلطات بمصر).. ولا يتوقع أي تغيير في أفكار الجماعة مستقبلًا، واستمرار انهيارها على المستويات كافة.. وهو ما اتفق معه الباحث في شئون الجماعات وحركات الإسلام السياسي، أحمد بان، من أن (مجرد اعتبار الجماعة في حالة تيه، يعني أنه يمكن أن تكون هناك حياة للتنظيم مستقبلًا بعد أن يفكر.. لكن الصحيح أن التنظيم في حالة من الموت السريري ويعيش مرحلة أفول ونهاية).. ولا يُعتقد أن الجماعة في حالة كمون اضطراري أو اختياري، (هذا أيضًا يعني قدرة التنظيم على التعافي والعودة.. والحقيقية أننا إزاء جماعة عقلها غائب، وتشهد انقسامات تنظيمية، أدت إلى ظهور ثلاثة كيانات أو أكثر خارج البلاد).. كما لا يُتوقَّع أن (يتعافى تنظيم الإخوان مما وضع نفسه فيه، بعد سقوطه المدوِّي والتاريخي الذي شارك في صنعه بيده.. فالتنظيم في ظل هذه الانقسامات، لا يمكن أن يكون له مستقبل وعودة لمسار القيادة المركزية الصارمة، التي اكتسبت الجماعة فاعلية بسببها لسنوات طويلة، وبالتالي لا يُتوَّقع لهذا التنظيم أي فعل مؤثر في المدى المنظور).. ويُعتقَّد أن حرص الجماعة على إبقاء منصة إعلامية لها، جزء من معركتها التي تعمل فيها على التشكيك في كل الأنظمة، ولا تستطيع تركها.. لكنَّ هذا لا يعني قُدرةَ لها على التأثير أو تغيير المشهد).
لقد انتهى جناح الإخوان الإرهابي داخل مصر، مع توالى العمليات الأمنية ضدهم، ولا مستقبل لها بالبلاد، ولن يلاقوا ظهيرًا شعبيًا مرة أخرى مهما كانت الأزمات، وحاليًا، ينشطون من الخارج، عبر كتائب إليكترونية للتشكيك في جميع مؤسسات الدولة، مستغلّين الأزمة الاقتصادية.. مما يستدعي أن (تتواصل جهود مواجهة الجماعة على المستوى الإعلامي والفكري، وعبر الأزهر والكنيسة جنبًا إلى جنب مع الضربات الأمنية، حتى يُقضى تمامًا على كابوس الإخوان للنهاية).. إذ أن التنظيمات الإرهابية وإسرائيل تستغل ما يحدث في سوريا لتنفيذ أهدافهما في مصر، ويستغل تنظيم الإخوان الإرهابي الحالة نفسها لاستدعاء عناصره بالخارج، في محاولة لإحداث فوضى مرة أخرى كما حدث في 2011.. إذ تُحرِّض إسرائيل وتنظيم الإخوان الإرهابي ضد الجيش المصري، بهدف إسقاط النظام كما حدث من قبل.. وهنا، يتخوف خبراء في شئون الجماعات المتشددة، من قيام دولة إخونية في سوريا، حيث قام الجولاني بالجانب الخاص بحمل السلاح، ثم يقوم الإخوان بالجانب الآخر، المتعلق بتداول السلطة وبناء حكومة جديدة يشكلونها، ومن ورائهم فصائل جهادية تحمي حكمهم على غرار الحرس الثوري الإيراني.. في ظل حالة من الترقب المحلي والعالمي لمصير البلاد، وكيفية إدارتها في المستقبل القريب، مع تصدر رئيس هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، للمشهد وخطبته في الجامع الأموي.. لكنا نعود فنستلهم كلمة الرئيس السيسي، إن (الشعب المصري هو حصن مصر).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
0 تعليق