تجربة حكم الجماعات المسلحة فى «إدلب»

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا موسيقى أو شيشة فى المقاهى.. لكن المياه فى الصنابير!

مواطنة سورية: «قال لي: اتق الله يا أختى.. فقلت له: اتق الله أنت وغض بصرك»

نجاح فى فرض الأمن ومكافحة الفساد وتقديم الخدمات.. لكن الضرائب باهظة

مشاعر السوريين مختلطة.. وهيئة تحرير الشام «أكثر مرونة»

 

تراقب عيون العالم «هيئة تحرير الشام» فى انتظار ما ستسفر عنه تجربة حكم سوريا، بعد أن انتقلت سلطتها من محافظة إدلب التى أدارتها على مدار سنوات قبل سقوط نظام بشار الأسد، إلى الدولة السورية كلها.

نجحت «هيئة تحرير الشام» بعد ترسيخ سيطرتها على محافظة إدلب فى إعادة النظام إلى منطقة تشيع فيها الفوضى. كما تمتعت بسمعة طيبة فى تجنب الفساد، وهو ما يشكل راحة لكثيرين فى بلد كانت حكومته تعتمد على الرشوة والواسطة. فى الوقت الحالي، هناك حماس لتجربة الهيئة وقليل من القلق بشأن ما قد يأتى بعد ذلك، وحتى بعض منتقدى الهيئة ينتظرون ليروا كيف ستتطور لتتمكن من إدارة بلد بأكمله، بلد أكثر تنوعًا من إدلب.

أجرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقًا ميدانيًا فى إدلب، تحت عنوان: «لا موسيقى فى المقاهي، لكن المياه فى الصنابير»، للتعرف على انطباعات السكان حول الفترة التى عاشوها تحت قادة الجماعة المسلحة. ولاحظت الصحيفة، أنه فى الطابق الثانى من مقهى «شبابيك» المطل على ساحة برج الساعة فى مدينة إدلب، كان القسم المخصص للرجال فارغًا إلا من شابين يحتسيان فنجانى قهوة تركية، أما القسم المخصص للعائلات، حيث يُسمح للنساء بالدخول، فكان ممتلئًا تقريبًا. لم يكن هناك موسيقى، فقط صوت آلة «الإسبريسو» ورنين الأكواب، وعلى عكس المقاهى فى أماكن أخرى فى سوريا، كان الهواء خاليًا من دخان الشيشة، وذلك بسبب اتفاق كان على المالك أن يوقعه مع «هيئة تحرير الشام»، الجماعة الإسلامية التى حكمت لسنوات فى معظم محافظة إدلب، فى شمال غرب سوريا، والتى تسيطر الآن على معظم أنحاء البلاد مع فصائل مسلحة أخرى.

وأوضح يحيى نعمة، صاحب المقهى، أن حظر الشيشة تسبب فى خسارته أعماله لأن العديد من الناس كانوا يأتون إلى مقهاه خصيصًا لتدخين الشيشة: «لقد تم حظر الشيشة والموسيقى منذ البداية». وأضاف: «إذا لم نتمكن من تقديمها، فسوف يشعرون بالملل ويذهبون إلى مكان آخر».

تحايلت مقاهٍ أخرى فى إدلب على القانون من خلال تقديم الشيشة فى أجواء سرية خلف الأبواب المغلقة، لكن «نعمة» لم يرغب فى المخاطرة بالوقوع فى مشاكل مع حكام المنطقة.

وكان حظر الشيشة والموسيقى فى المقاهى جزءًا من بعض القوانين الدينية التى فرضتها فى البداية «هيئة تحرير الشام» على إدلب عندما تولت السلطة هناك فى عام 2017، والتى تضمنت أيضًا محاولات لفرض قواعد لباس أكثر صرامة على النساء وحظر بيع وشراء الكحول.

وتقول جماعات حقوق الإنسان إن «هيئة تحرير الشام» تحكم إدلب بيد استبدادية، حيث سجنت وعذبت بعض المنتقدين، لكن حتى أولئك الذين يغضبون من حكمها يقولون إن هيئة تحرير الشام كانت «براجماتية وأظهرت مرونة».

نجحت الهيئة فى إعادة النظام إلى المنطقة المدمرة، وألغت بعض القوانين بعد ردود فعل عنيفة من جانب السكان. على سبيل المثال، فى وقت مبكر، كانت شرطة الأخلاق تقوم بدوريات فى الشوارع والمبانى الحكومية، ولكن هذه الممارسة انتهت فى وقت لاحق.

واستبعدت الهيئة الأساليب الوحشية التى اتبعتها الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التى عاقبت الناس فى بعض الأحيان بالإعدام العلني، وفرضت بدلًا من ذلك غرامات مالية فقط على الأشخاص الذين يخالفون القانون.

كما تسعى الهيئة جاهدة إلى التخلص من صورتها كجماعة كانت تابعة لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من ذلك ومحاولات اكتساب الشرعية الدولية، لا تزال الجماعة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

كما سعت «هيئة تحرير الشام» إلى كسب القلوب والعقول وإثبات جدارتها بالحكم من خلال تنفيذ الأشغال العامة، فقد قامت بتعبيد الطرق وتوفير المياه الجارية والكهرباء بشكل منتظم وإصلاح الأضرار الناجمة عن الحرب، وهى أمور تفتقر إليها بقية أنحاء سوريا.

يتولى ضباط شرطة المرور تنظيم الشوارع المزدحمة، بينما يعمل عمال النظافة على إبقاء الطرق نظيفة، وقد تم ترقيم المنازل والشقق وحتى خيام النازحين بسبب الحرب فى مشروع لتحديد عناوين لملايين السكان. وبجوار أرقام العناوين المرسومة على الجدران، تتدلى عدادات الكهرباء باللون الأخضر الزاهي، حيث تأتى الطاقة من تركيا. ويتناقض هذا بشكل صارخ مع المناطق السورية التى كانت حتى وقت قريب تحت سيطرة حكومة الأسد، حيث يعتمد السكان فى الغالب على المولدات للحصول على الطاقة.

وكانت إدلب قد شهدت قبل أشهر مظاهرات ضد إدارة الهيئة شارك فيها مئات السكان، وهى واحدة من الاحتجاجات العديدة التى جرت فى جميع أنحاء المحافظة. جاءت المظاهرات احتجاجًا على سجن وتعذيب المنتقدين للهيئة وفرض الضرائب التى أصبحت تشكل عبئًا ثقيلًا على العديد من السكان، وفقًا لمنظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، وهى منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان.

وأكد محمد علي، وهو مقاتل من المعارضة يبلغ من العمر 30 عامًا ومقيم فى بنش، وهى بلدة فى محافظة إدلب، إنه شارك فى بعض الاحتجاجات. وقال: «من الناحية الأمنية، رأينا أن سلوكهم بدأ يشبه سلوك نظام الأسد»، مضيفًا أن «هيئة تحرير الشام» وذراعها الأمنية كانت تقوم بمداهمة المنازل دون سابق إنذار.

وتنفى الهيئة اتخاذ إجراءات قاسية ضد سكان إدلب. وقال أحمد الشرع، زعيم التنظيم والمعروف سابقًا باسمه الحركى أبو محمد الجولاني، فى مقابلة مع «نيويورك تايمز»: «عندما يقول الناس إن هناك ردًا عنيفًا، لا لم يكن هناك رد. كان هناك رد على بعض الأشخاص الذين كانوا يدمرون ممتلكات الناس». واعترف بأن بعض مطالب المحتجين كانت صحيحة، حيث إن بعض القوانين تفرض ضغوطًا اقتصادية. وقال: «لقد عالجنا هذه الأمور واسترضينا جزءًا كبيرًا من السكان».

وأكد الأهالى أن الضرائب الجمركية التى كانت تفرض على الأشخاص القادمين من أجزاء أخرى من سوريا قد ألغيت، كما أن القمع ضد المنتقدين تراجع فى الأشهر الأخيرة بعد الاحتجاجات.

وتؤكد تجربة منى أرمنازي، 63 عامًا، مديرة مدرسة خاصة فى مدينة إدلب، المشاعر المختلطة التى يشعر بها العديد من السكان تجاه الجماعات المسلحة. وقالت إن «المؤسسات تعمل بشكل جيد»، حتى وإن كانت تشعر فى بعض الأحيان بالإحباط إزاء بطء سير الأمور. وأضافت: «الخدمات الاجتماعية التى تقدمها جيدة». وأضافت «لكن فى البداية، عندما جاءوا لأول مرة، كانت هناك حالة من الفوضى». واستشهدت بالموقف الدينى المتشدد الذى اتخذته الهيئة فى البداية ثم تخلت عنه فيما بعد، بما فى ذلك محاولة إجبار النساء على ارتداء النقاب. ترتدى «أرمنازي» حجابًا أبيض وغطاء رأس لا يكشف وجهها وعباءة سوداء تصل إلى الكاحل، لكن ملابسها لم تكن محافظة بما يكفى لأعضاء المجموعة، على حد قولها. تقول إنها ذات مرة، بينما كانت تسير فى الشارع، مرت بمقاتل من «هيئة تحرير الشام»، فوبخها على ملابسها، وقال لها: «اتقى الله يا أختي»، فقالت له: «اتق الله وغض بصرك واستمر فى السير» تذكرت أنها قالت له بتحدٍ، لكنه لم يرد عليها أكثر من ذلك.

وقالت سلوى جبعان، ٥٣ عامًا، وهى صحفية تعمل مع وسائل إعلام محلية مختلفة، بما فى ذلك قناة «حلب اليوم» التليفزيونية، إنه قبل حلها منذ بضع سنوات، لم تكن شرطة الآداب تضايق النساء فحسب، بل والرجال أيضًا الذين لديهم وشم فى أجسادهم. وأضافت «جبعان»، التى شاركت أيضًا فى بعض الاحتجاجات ضد حكم الهيئة: «لقد تدخلوا فى كل جزء من حياتنا». وأوضحت أن هناك بعض الجهود التى بُذلت فى الماضى لإحياء شرطة الآداب، ولكن هذه الجهود تم التخلى عنها بعد معارضة النساء ومع بدء الهيئة فى التطور، مشيرة إلى أنها ترى الآن تطورًا أكثر جذرية فى الهيئة مع سعيهما إلى اكتساب شرعية دولية أكبر.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق