هجمة الاستعمار الجديد!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحولات دراماتيكية تشهدها المنطقة منذ سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد. التمدد الناعم لقوى الإرهاب الدولي ومن يقف خلفهم تشير إلى مخططات يجري تنفيذها للوصول إلى ما أطلق عليه نتنياهو بـ "الشرق الأوسط الجديد".

 

لا يمكن قراءة المشهد العربي بمعزل عن التدخلات الإقليمية والدولية التي باتت تتحكم في مفاصل الأزمات التي تعصف بالمنطقة. إيران وتركيا، كلاعبين إقليميين رئيسيين، تتنافسان على النفوذ في مناطق الصراع على حساب العرب ومقدراتهم من سوريا إلى اليمن، ومن طنجة إلى صلالة، في الوقت الذي تتدخل القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا لإعادة هندسة خرائط تقسيم المصالح الجيوسياسية أولا والاقتصادية ثانيا.

 

الأحداث المتسارعة في سوريا والعراق واليمن، وما يرتبط بها من تدخلات إقليمية ودولية، تثير تساؤلات جدية حول مستقبل المنطقة، التي يبدو أن خريطتها الجيوسياسية في طريقها إلى إعادة الترسيم وفقا للرؤية الصهيوأمريكية المعادية للعرب بشكل عام.

 

الدول العربية بشكلها الحالي في قلب العاصفة، وفي عين الاستعمار القديم/الجديد الذي يحاول العودة من خلال حصان طروادة الصهيوني الذي غرسه المستعمر القديم قبل إخلاء قواته من المنطقة لضمان الهيمنة.

 

الحفاظ على الدولة الوطنية حاليا مع تجنيب أية مشكلات داخلية واجب مقدس. مقاومة المخططات الغربية الخبيثة التي استغلت حالة السيولة الناجمة عن موجات ما يعرف بـ "الربيع العربي" لتفكيك الدول العربية على أسس عرقية/إثنية وطائفية/مذهبية لإعادة تركيبها مرة أخرى بما يتوافق مع مصالح الكيان الصهيوني - ذراع الاستعمار القديم في المنطقة - هي عين الجهاد الوطني.

 

المنطقة العربية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي تحولت إلى مركز لصراعات إقليمية ودولية معقدة، انعكست على استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. في سوريا مثلا، الصراع المستمر منذ أكثر من عقد أنتج مأساة إنسانية وسياسية لم تشهد لها المنطقة مثيلًا. تدخل قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، ودولية مثل روسيا والولايات المتحدة دفعت الشعب السوري للقبول بأي بديل يخلصه من مأساته دون التفكير في عواقب هذا التغيير التي قد تكون كارثية على أمنه ومستقبله. وكالمستجير من الرمضاء بالنار لم يرفض السوريون صعود المتطرفين للخلاص من الديكتاتور ونظامه. 

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 

في العراق أيضا، ورغم القضاء على تنظيم داعش عسكريًا، لا تزال البلاد تواجه تحديات تتعلق بإعادة بناء الدولة ومعالجة الانقسامات الطائفية والعرقية رغم خلاصهم من صدام حسين منذ أكثر من 20 عاما. وفي اليمن، أضاف الصراع بين التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين بُعدًا جديدًا للتوتر الإقليمي، ما قذف بالبلاد إلى أتون كارثة إنسانية ممتدة لا تبدو لها نهاية قريبة.

 

التحولات الجيوسياسية

 

التحولات التي تشهدها المنطقة العربية ليست معزولة عن السياق الدولي. القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين تسعى لإعادة تشكيل نفوذها في المنطقة. الولايات المتحدة، التي لطالما كانت اللاعب الرئيسي في الشرق الأوسط، تعيد الآن تقييم استراتيجيتها المتمثلة في تقليص وجودها العسكري بالمنطقة، وتوجيه اهتمامها نحو مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في آسيا. 

 

منذ طوفان الأقصى أعادت الولايات المتحدة إرسال قوات عسكرية وأسلحة نوعية جديدة إلى الشرق الأوسط لمساعدة حليفتها إسرائيل مع العرب ومواجهة نفوذ إيران وأذرعها. 

الحضور العسكري والدبلوماسي لروسيا والصين في المنطقة لملء الفراغ الذي خلفه التراجع الأمريكي أحد عوامل إعادة النظر في تلك الاستراتيجية بعد أن استشعرت واشنطن خطرا على مكانتها الدولية من تنامي النفوذ الروسي الصيني. 

 

الصين، رغم تركيزها التقليدي على الاقتصاد، بدأت تتخذ خطوات لتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، عبر مبادرات مثل "الحزام والطريق"، وتوقيع اتفاقيات استراتيجية مع دول خليجية وإقليمية، فجاء الرد الأمريكي بمبادرة التنمية والازدهار لتجديد تموضعها بالمنطقة

 

القوى الإقليمية تلعب إلى جانب القوى الكبرى، دورًا محوريًا في تشكيل المشهد. إيران، التي تعزز نفوذها من خلال دعمها لجماعات مسلحة مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، تسعى لفرض رؤيتها السياسية والدينية على المنطقة. دول الخليج، بقيادة السعودية والإمارات أصابها قلق عميق من تنامي النفوذ الإيراني، فراحت تعمل على مواجهته وتحجيمه بكافة الطرق سواء من خلال التحالفات العسكرية، أو عبر تعزيز نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي. أما تركيا، فقد اعتمدت نهجًا توسعيًا يعتمد على القوة الناعمة والصلبة، خصوصًا في سوريا وليبيا وشرق المتوسط.

 

محور الصراع المركزي

 

رغم التحولات الكبرى، تبقى القضية الفلسطينية في قلب الصراع العربي الصهيوني، وتمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الدول العربية على توحيد مواقفها. في السنوات الأخيرة، شهدنا تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول تأثيرها على القضية الفلسطينية. ومع ذلك، لا تزال معاناة الفلسطينيين مستمرة، في ظل غياب أفق سياسي حقيقي لحل القضية واستعادة الحق الفلسطيني، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على كامل التراب الفلسطيني.

 

تعريب الديمقراطية

 

لا يمكن الحديث عن التحولات في المنطقة دون التطرق إلى ما يُعرف بالربيع العربي، الذي انطلق عام 2011 حاملًا آمال الشعوب في الحرية والديمقراطية. ورغم النجاحات المحدودة التي حققتها بعض الدول، مثل تونس، إلا أن المشهد العام يعكس تراجعًا في هذه الطموحات، مع عودة التوترات في عدة دول، وتصاعد الصراعات التي أجهضت أحلام الشعوب في التغيير.

 

ورغم التحديات الجسيمة التي تواجه المنطقة العربية، فإن الأمل في التغيير يظل قائمًا. فالتاريخ أثبت أن الشعوب العربية – رغم ظروفها الصعبة - قادرة على مسايرة التطور البشري ولو بأدوات مختلفة. توافر إرادة سياسية حقيقية، ورؤية استراتيجية طويلة المدى، تعالج جذور الأزمات بدلًا من الاكتفاء بإدارة نتائجها هي أولى خطوات تعديل البوصلة للحفاظ على بقاء الدولة الوطنية واستقلال قرارها في وجه الهجمة الاستعمارية الشرسة التي تتحين الفرصة للانقضاض. 

 

السؤال الأهم الذي ستصيغ الإجابة عنه تفاعلات المرحلة القادمة: هل تستطيع الدول العربية الحفاظ على بقائها في النظام الإقليمي والدولي قيد التشكل؟ أم ستعصف بها عواصف الاستعمار الجديد؟ الإجابة تعتمد على قدرة تلك الدول نفسها لا غيرها على تجاوز خلافاتها، والاستفادة من دروس الماضي، والعمل على بناء مستقبل يحقق تطلعات شعوبها في الحرية والكرامة والتنمية.

 

ترميم الجبهة الداخلية وتحقيق الاندماج الوطني لمختلف أطياف المجتمع باتت واجب وطني للاستعداد لما هو قادم الذي لن يكون تحديا بسيطا في كل الأحوال. تأسيس نظم حكم ديمقراطية توسع فرص المشاركة الشعبية هي حائط الصد الأول والأقوى ضد المخططات العربية. النظم المنشودة لن تنجح إذا حاولنا تقليد نظم أعدائنا بالطريقة التي تم تجريبها منذ الاستقلال، بل بابتكار نظم جديدة تتوافق مع خصائص مجتمعاتنا. تعريب الديمقراطية لا استيرادها هو المحاولة الأخيرة للخروج من النفق المظلم لتعثر مسار التحول الديمقراطي في بلادنا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق