حضارة عالمية تنثر مادتها الوراثية فى كل مكان

الفيروز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على المستوى النفسى والاجتماعى ، أدت الحرب العالمية الثانية ، الى تخريب الانسان من داخله ، وشعوره بالقلق والاضطراب وعدم الأمان واليأس ، والاغتراب . بل أصبحت قيمة الحياة نفسها ، مشكوك فى أمرها ، ضئيلة
أهميتها ، ضئيلة فى مواجهة الموت ، مهانة تحت أحذية العساكر ، وقصف الطائرات ، وأفران الهولوكست .
وجاء انشاء هيئة الأمم المتحدة فى 24 أكتوبر 1945 ، ثم اعلان الميثاق العالمى لحقوق الانسان فى 10 ديسمبر 1948 ، كرد فعل طبيعى ، يهدف الى تجنب الحروب ، وتأسيس مرجعية مشتركة لحقوق الانسان .
وقعت على الميثاق أغلب دول العالم ، وتم ترجمته الى خمسمائة لغة ، وأصبح المرجعية المشتركة الملزمة ، لتحقيق حقوق وحريات وكرامة البشر ، ودون التفريق التفرقة بينهم على أساس الدين أوالجنس أوالعِرق أوالثروة أواللون أوالعنصر ، أواللغة أوالأصل الوطنى والاجتماعى ، أو الرأى السياسى . وبعض الدول مثل السعودية والسودان وايران ، رفضت التوقيع ، لأنه مرجعيتها هى الشريعة الاسلامية .
أزعم من متابعتى لأخبار كوكب الأرض ، أن ” حقوق الانسان ” ، أقرب الى
” الشعارات ” ، التى فقدت معناها ، وتم تقليم أظافرها ، وبتر أجنحتها . كالتماثيل المحنطة فى المتاحف ، ننظر اليها ، بعيون الحسرة والمرارة .
بالنسبة لحقوق المرأة ، فقد اعتمدت منظمة العفو الدولية 2001 ، حملة
سنوية ” لنكتب من أجل الحقوق ” ، لمناهضة العنف ضد النساء ، وهى تقام سنوية من 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر تحت عنوان :
” اكتبوا رسالة وغيروا حياة انسان “.
وصل العالم الى اكتشافات علمية وتكنولوجية وطبية ، فى المائة عام الماضية ، اكثر مما اكتشفه على مدار التاريخ البشرى . ومع لك ، فان
انتهاكات ” حقوق الانسان ” فى المائة عام الماضية ، قد أصيبت بضربات فى مقتل ، لا تتناسب مع الثورة العلمية والتكنولوجية. بل على العكس ، فان ثمار الثورة التكنولوجية والعلمية ، تستخدم لاعادة انتاج ، وتثبيت مفاصل ما يسمى
” النظام العالمى الجديد ” . انها الحضارة الطبقية الذكورية العنصرية الدينية
العسكرية العنيفة العدوانية المسلحة ، لها فى كل بلد ” نسخة ” مصغرة ، من
” الأم المهيمنة الكبرى “، تحمل حمضها النووى ، وفصيلة دمها .
تشيرالتقارير والاحصاءات الدولية ، على سبيل المثال ، الى أنه بحلول عام 2030 ، سيكون هناك ما يقرب من 575 مليون شخصا ، يعانون من الفقر المدقع ، والعجز عن الوفاء باحتياجاتهم الأساسية ، من تعليم وعمل وسكن وعلاج .
عندما نذكر حقوق الانسان ، فاننا نقصد الغالبية العظمى من النساء ، والرجال ، والأطفال ، والمهمشين ، والمهاجرين ، والأقليات ، والملونين ، وضحايا الارهاب الدينى ، وضحايا الفقر ، والأحوال البيئية غير الانسانية ، وعدم العدالة فى توزيع الموارد والحقوق والامتيازات ، وضحايا الثقافات العنصرية ، والفنون الرديئة ، وضحايا غياب حريات الرأى والتعبير والفكر ، وضحايا التحرش السياسى والتحرش الجنسى ، وضحايا التجارة بالأديان ، و” مافيا ”
تجارة الأعضاء ، وضحايا الفساد ، والعنف والوصاية الدينية ، وصحوة النعرات العنصرية ، والعٍرقية ، والذكورية .
غالبية عظمى بالملايين ، لا يملكون من أمرهم شيئا ، الا أجسادهم المتعبة
تحت عجلات الانتاج الرأسمالى الشرس ، وعقولهم المغسولة باعلام ، لا يعبد الا رأس المال ، والاستهلاك المتزايد ، وتكدس الأرباح ، وعرى النساء ، وسلطة الرجال ، وان تستر وراء التعاليم الدينية ، والمواعظ الأخلاقية .
ان ميثاق ” حقوق الانسان ” ، موضوع لحماية الضعفاء ، الذين يحتاجون الى مواثيق ، ومعاهدات ، لينعموا بحقوقه الضائعة ، فى هذه الغابة المتحضرة شكلا ، الهمجية جوهرا .
أما الأقوياء ، فهم فى حماية كاملة . فالحضارة العالمية السائدة ، مسخرة لحماية الانسان القوى ، وتدعيم ، ملكيته ، وسطوته ، وعنصريته ، وذكوريته ، وثقافته ، ورفاهية حياته ، وأمان ، واستمتاعات أطفاله ، وأحفاده ، على مر العصور .
باسم ” حقوق الانسان ” ، تنتهك حقوق الانسان . باسم ” السلام
العالمى ” ، تُشن الحروب . وباسم ” الحرية ” تُغتصب الحريات .
كيف للحضارة العالمية السائدة ، أن تنقذ حقوق الانسان ، وقد قامت
وشُيدت ، على ” سرقة وقتل حقوق الانسان ” ، وتحويل كل شئ الى سلعة ، يتم مقايضتها فى السوق ، حتى الانسان نفسه .
مختصر القول : ” حاميها حراميها “.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق