هل تتحمل واشنطن ثمن السلام في أوكرانيا؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الجمعة 20/ديسمبر/2024 - 01:22 م 12/20/2024 1:22:23 PM

كثيرًا ما قال الرئيس الأمريكي المُنتخب، دونالد ترامب، إن تحرير العراق دون الحصول على موارده النفطية، كان أحد أكبر أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية.. فهل لديه فرصة الآن لتجنب خطأ مماثل في أوكرانيا، وهو الذي وعد بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض؟.
أوكرانيا ليست فقط سلة خبز أوروبا.. بل هي أيضا قوة معدنية عظمى، مع بعض أكبر الاحتياطيات التي تضم 117 من أصل 120 معدنًا، الأكثر استخدامًا في العالم.. بينها خمسين معدنًا استراتيجيًا، حددتها الولايات المتحدة على أنها ضرورية لاقتصادها وأمنها القومي، والعديد منها نادر جدًا، ولكنه أساسي لبعض التطبيقات عالية القيمة، وتوفر أوكرانيا إثنين وعشرين معدنًا منها.. تمتلك أوكرانيا أكبر احتياطيات من اليورانيوم في أوروبا، وثاني أكبر احتياطي من خام الحديد والتيتانيوم والمنجنيز؛ وثالث أكبر احتياطي من الغاز الصخري.. بالإضافة إلى رواسب كبيرة من الليثيوم والجرافيت والمعادن الأرضية النادرة، وفقًا لتقرير عام 2022، الصادر عن شركة تحليل المخاطر الجيوسياسية الكندية.. هذه المعادن ضرورية لإنتاج السلع الحيوية، التي تتراوح بين الطائرات والهواتف المحمولة والمركبات الكهربائية إلى الصلب والطاقة النووية.
السؤال المطروح على الرئيس المنتخب الآن هو: هل يريد أن تحصل روسيا والصين على هذا الكنز الدفين من الموارد الطبيعية؟.. أم أنه يريد تطويرها مع أوكرانيا لصالح الشعب الأمريكي؟.
كان أحد الأسباب الرئيسية لغزو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لأوكرانيا ـ بصرف النظر عن اعتقاده بأن الأوكرانيين والروس (شعب واحد) ـ هو الاستيلاء على هذه الموارد الطبيعية، التي تقدر قيمتها بنحو 26 تريليون دولار.. هذا الجهد كاد أن ينجح.. في أوائل عام 2022، وصلت القوات الروسية إلى ضواحي كييف، واقتربت من الاستيلاء على العاصمة.. ولكن بمساعدة الولايات المتحدة ـ بما في ذلك صواريخ جافلين التي قدمها ترامب وإلغاء حظر الأسلحة الفتاكة الذي فرضه باراك أوباما ـ أجبرت أوكرانيا روسيا على التراجع.. وبذلك، نجحت في الدفاع عن ما يقرب من 80 في المائة من الرواسب المعدنية المعروفة في أوكرانيا، بما في ذلك 73 في المائة من خام الحديد، و75 في المائة من الليثيوم والجرافيت، و90 في المائة من التيتانيوم، و92 في المائة من اليورانيوم والعناصر المشعة الأخرى.
في وقت مبكر، سيطرت روسيا على ما يقدر بنحو 80 في المائة من رواسب الهيدروكربونات البحرية الضخمة في أوكرانيا.. لكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، قضت أوكرانيا على ما يقرب من نصف أسطول البحر الأسود الروسي، باستخدام طائرات بدون طيار بحرية متفجرة، لطرد البحرية الروسية من مياهها الإقليمية.. مع هذا الهجوم، أعادت أوكرانيا فتح ممرات الشحن الخاصة بها، واستعادت العديد من رواسب النفط والغاز في البحر الأسود.. واليوم، تحتفظ أوكرانيا بالسيطرة على 96.5 في المائة من احتياطياتها النفطية المؤكدة و96 في المائة من احتياطياتها المؤكدة من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى جميع رواسب الألمنيوم والكوبالت والنحاس والنيكل والقصدير والبريليوم.. ونجحت روسيا في الاستيلاء على حوالي 57 في المائة من احتياطيات الفحم المعروفة في البلاد، بقيمة حوالي 11.9 تريليون دولار، وحوالي نصف رواسبها من بعض الأتربة النادرة، على الرغم من أن العديد منها تم الاستيلاء عليه عام 2014، عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم واستولت عليها لأول مرة.. لكن على الرغم من هذه الخسائر، منعت أوكرانيا روسيا من الاستيلاء على 13.6 تريليون دولار من الثروة المعدنية والهيدروكربونية.. وكانت تلك خسارة لبوتين، وفرصة كبيرة للولايات المتحدة.
دفعت الولايات الأمريكية حوالي 183 مليار دولار، لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن أرضها الغنية بالمعادن من العدوان الروسي.. على الرغم من أن الغالبية العظمى من الجزء العسكري من تلك المساعدات تم إنفاقها في الولايات المتحدة، من خلال تعزيز قدرات واشنطن الإنتاجية الدفاعية، وخلق وظائف تصنيع جيدة للعمال الأمريكيين.. إلا أن هذا المبلغ لا يزال استثمارًا كبيرًا بشكل مذهل، في مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.. ألا يجب أن يحصل دافعو الضرائب الأمريكيون على عائد على هذا الاستثمار؟، كما تتساءل صحيفة Washington Post.. وهل تريد واشنطن دخول التيتانيوم الأوكراني في صناعة الطائرات الأمريكية، أم في الطائرات المقاتلة الروسية والصينية التي ستُهدد الولايات المتحدة وحلفائها؟.. هل تريد الليثيوم الأوكراني والأتربة النادرة، التي تعمل على تشغيل الإليكترونيات والسيارات الكهربائية الأمريكية الصنع، أم الصينية؟.
لقد تعهد ترامب (بجلب الطاقة والكهرباء الأقل تكلفة للأمريكيين على وجه الأرض)، بالإضافة إلى توسيع الذكاء الاصطناعي وتعدين العملات المُشفرة، والتي تتطلب مراكز بيانات تستهلك كميات هائلة من الكهرباء.. والطريقة الوحيدة التي أثبتت جدواها لخفض تكاليف الكهرباء، مع زيادة الطلب على الكهرباء في نفس الوقت، هي زيادة إمدادات واشنطن من الطاقة النووية النظيفة بشكل كبير.. وتعهد ترامب بالموافقة على بناء محطات نووية تعمل بمفاعلات صغيرة مبتكرة.. وهذا من شأنه، أن يزيد بشكل كبير من الطلب الأمريكي على اليورانيوم.. والولايات المتحدة هي بالفعل أكبر مشتر لليورانيوم المخصب في روسيا، وتعتمد على موسكو في ما يقرب من ربع إمداداتها.. ليس من مصلحة واشنطن الاستراتيجية، السماح لبوتين بالسيطرة على أكبر احتياطيات اليورانيوم في أوروبا.. تحتاج الولايات المتحدة إلى هذا اليورانيوم الأوكراني، لخفض تكاليف الطاقة للأمريكيين، وتغذية ابتكار الذكاء الاصطناعي والتشفير.
كما حدد ترامب أولوية للحد من اعتماد الولايات المتحدة الاقتصادي على الصين.. فبكين هي أكبر مصدر لأكثر من نصف المعادن الحيوية التي تستوردها الولايات المتحدة، بما في ذلك 72 في المائة من واردات الأرض النادرة.. وتحاول الصين محاصرة السوق العالمية على الليثيوم، وشراء المناجم بنشاط في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى مناجم المعادن الهامة الأخرى، مثل الكوبالت والنيكل.. وأظهرت قوتها المتنامية على الاقتصاد الأمريكي، فشددت بكين مؤخرًا ضوابط التصدير على المعادن الحيوية، مثل الألومنيوم والتيتانيوم، وحظرت تصدير الجاليوم، وقيَّدت بشدة تصدير الجرافيت إلى الولايات المتحدة.. وأوكرانيا لديها كل هذه المعادن بكثرة.
إذا سقطت ثروة أوكرانيا المعدنية في أيدي روسيا، فستكون نعمة استراتيجية واقتصادية للصين، التي أقامت شراكة (بلا حدود) مع روسيا.. وفي الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى مصادر صديقة وموثوقة لهذه المعادن الهامة.. (إذا ساعدنا أوكرانيا في تأمين مواردها الطبيعية وتطويرها) ـ تقول الواشنطن بوست ـ فيمكننا أيضا توجيه ضربة استراتيجية لبكين وموسكو، مع إعادة الفوائد المالية الهائلة للشعب الأمريكي.. ولكن للقيام بذلك، تحتاج أوكرانيا إلى مساعدة ترامب لتأمين سلام عادل ودائم.
بعد الغزو الروسي الواسع النطاق، انخفض إنتاج المعادن في أوكرانيا بنسبة تقدر بنحو 80 في المائة، من عشرين مليون طن عام 2021 إلى 2.5 مليون طن فقط، بحلول منتصف 2023.. فمن الصعب التنقيب عن المعادن أثناء إطلاق الصواريخ على البنية التحتية الحيوية الخاصة بأوكرانيا.. من المستحيل تطوير النفط والغاز الطبيعي البحري، في المياه التي تسيطر عليها أوكرانيا في حوض شمال القرم في ظل القوات الروسية في ميدان إطلاق النار.. يمكن للشركات الأمريكية تطوير هذه الموارد لصالح الشعبين الأمريكي والأوكراني، ولكن فقط إذا انتهى القتال، بشروط تمنح المستثمرين الثقة في أن الهجوم الروسي لن يُستأنف.
والحقيقة، هي أن بوتين لن يتخلى عن طيب خاطر، عن سعيه لغزو أوكرانيا وثرواتها المعدنية.. وسوف يرفض أي اتفاق دولي يمكن أن توقعه روسيا، لتحقيق هدفه.. الطريقة الوحيدة لإيقافه، هي جعل هدفه مستحيلًا.. لا شك أن بوتين يأمل في استخدام أي وقف للأعمال العدائية للتوقف مؤقتًا، وإعادة تشكيل قواته واستئناف غزوه في غضون بضع سنوات، تمامًا كما فعل بعد غزوه عام 2014 وضمه شبه جزيرة القرم.. لذا، يحتاج ترامب اليوم، إلى القيام بأكثر من مجرد وقف حرب في أوكرانيا.. يجب عليه أن يخلق الظروف التي تجعل استئناف الحرب مستحيلًا.. كما ترى الصحيفة.
سيتطلب ذلك إنشاء حدود يمكن الدفاع عنها.. خلال المناظرة الرئاسية لشبكة CNN هذا العام، سألت دانا باش، الرئيس المُرشح وقتها، دونالد ترامب، عما إذا كانت مطالب بوتين بأن روسيا تحتفظ بالأراضي الأوكرانية التي تطالب بها بالفعل، وأن تتخلى أوكرانيا عن محاولتها للانضمام إلى الناتو) مقبولة بالنسبة له.. أجاب ترامب، (لا، إنها غير مقبولة).. الأمر يتطلب صفقة جيدة تؤمن أوكرانيا ومواردها حقًا، أن تستعيد كييف المناطق الحيوية في خيرسون وزابوريجيا.. ستحتاج أيضا إلى ضمانات أمنية مدعومة بقوة عسكرية غربية، سواء من خلال عضوية الناتو لأوكرانيا، أو التزامات أمنية ثنائية جادة، أو منطقة منزوعة السلاح، تفرضها قوة حفظ سلام دولية مكونة من قوات أوروبية وليست أمريكية، و(سيكون لدى بولندا قريبًا، ثالث أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي، ويمكن أن تقود عملية حفظ سلام أوروبية).
لكن هناك مفتاح آخر للسلام الدائم ـ هكذا ترى الواشنطن بوست ـ يتلخص في أوكرانيا المدججة جيدًا بالسلاح، بحيث تمتلك كييف جيشًا قويًا بما يكفي لردع روسيا.. ستحتاج الولايات المتحدة إلى تسليح أوكرانيا، بغض النظر عما سيحدث على طاولة المفاوضات، إما لمنع روسيا من استئناف الحرب بمجرد مغادرة ترامب لمنصبه، أو لإجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذا رفض الموافقة على السلام.. لذلك يجب أن تجد واشنطن آليات لزيادة تدفق الأسلحة الأمريكية إلى كييف، لا تتطلب من دافعي الضرائب الأمريكيين تحمل التكلفة.. طريقة واحدة للقيام بذلك؟.. القروض المدعومة بموارد أوكرانيا المعدنية والوقود الأحفوري كضمان.. من خلال خلق الثقة التي تجذب الاستثمار الخاص، سيساعد اتفاق السلام بوساطة ترامب، الولايات المتحدة وأوكرانيا على تطوير موارد أوكرانيا المعدنية والهيدروكربونية بشكل مشترك، مما يسمح لها بتوفير الدفاع عن نفسها، تمامًا كما تفعل بولندا ودول البلطيق اليوم.. ساعتها، ستكون أوكرانيا المستقرة والسيادية والمزدهرة، شريكًا أساسيًا لأمريكا، في استخراج ثروة الموارد الطبيعية هذه.. وستؤدي أوكرانيا غير المستقرة تحت تهديد مستمر من روسيا، إلى استئناف الحرب عندما يغادر ترامب منصبه، وتسمح في النهاية لبوتين بالاستيلاء على تلك الثروة لصالح روسيا والصين.. من سيستفيد من ثروة أوكرانيا النفطية والغازية والمعدنية؟.. الخيار يعود إلى ترامب.. هذا ما انتهت إليه الواشنطن بوست.. ولكن.
●●●
مع بقاء شهر على تنصيب ترامب، رئيسًا للولايات المتحدة، لدورة ثانية، تتدافع كل من كييف وموسكو لتحسين مواقفهما التفاوضية على أفضل وجه، قبل ما من المرجح أن يكون شتاءً ديناميكيًا، سواء في ساحة المعركة أو على الساحة الجيوسياسية.. وباستثناء التطورات التي ترتكز على التمني أكثر من الواقع، مثل قيام المؤسسة العسكرية الأوكرانية المُنهكة بشن هجمات مضادة كبرى، أو معاناة الاقتصاد الروسي من انهيار مفاجئ، فإن نقاط النهاية الواقعية للحرب الروسية ضد أوكرانيا، من الممكن أن تبدأ في التبلور.. ومن خلال هذا المنظور، تنقسم السيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب بسرعة إلى أربعة خيارات واسعة.
السيناريو الأول، وهو الأكثر إيجابية لإنهاء الحرب في كييف ـ كما يرى فرانسيس فاريل، في مقاله بصحيفة Kyiv Independent ـ هو تحقيق السلام المبني على ضمانات راسخة ضد تكرار الغزو، حتى لو لم يشمل كل أراضيها، في الوقت الحالي.. وفي خطته للنصر التي قدمها لزعماء العالم في أكتوبر، تحدث زيلينسكي عن دعوة لحلف شمال الأطلسي ونشر صواريخ بعيدة المدى في أوكرانيا، كوسيلة للردع.. ويكاد يكون من المؤكد أن الدول الأوروبية سوف يكون لزامًا عليها أن تقود الطريق، على الأرجح من خلال إرسال قوات غير قتالية إلى الأرض بمبادرة منها، ودمج أوكرانيا الحرة عمومًا في البنية الأمنية الأوروبية.. والسؤال الرئيسي هو: لماذا توافق روسيا على التوقف في ساحة المعركة بهذه الشروط؟.
السيناريو الثاني: وقف إطلاق النار مع تجميد الخطوط، وعدم تأمين أوكرانيا، يتضمن إنهاء الأعمال العدائية النشطة، مع عدم وجود أحكام جدية، توفر رادعًا قويًا لغزو روسي متكرر لأوكرانيا.. إنها نتيجة لرغبة الغرب المُشتت والمنقسم ببساطة في وقف القتال دون خسارة الكثير من ماء الوجه، وقيادة الكرملين التي يمكن أن تكون مستعدة للامتثال.. وقد تحمل المتغيرات المختلفة لخطة السلام هذه أوجه تشابه مع اتفاقيات (مينسك)، مع وجود مراقبين دوليين غير مسلحين وقواعد خاصة بالأسلحة الثقيلة، ومن الممكن أن تشمل أيضًا تخلي أوكرانيا عن طموحاتها في حلف شمال الأطلسي، لحفظ ماء وجه الكرملين في الأمد القريب.. على العكس من ذلك، مع تصلب المواقف وقلق كل من زيلينسكي وبوتين، من أن توقيع أي اتفاق سلام سيؤدي إلى الضعف، فإن السيناريو الثاني لا يمكن أن يذهب أبعد من وقف إطلاق النار الهش.. وفي نهاية المطاف، سيكون من المتوقع تكرار الغزو؛ وسيتعين على كييف وأوروبا أن تتسابقا للاستعداد.
السيناريو الثالث: السلام اليائس والمُهدَّد بالتسوية.. وتجد أوكرانيا نفسها في موقف يتدهور بسرعة في ساحة المعركة، في ظل عدم وجود القدر الكافي من الدعم القوي من جانب الولايات المتحدة أو أوروبا، حتى لتأمين تجميد الخطوط الأمامية.. وفي محاولة يائسة لتفادي الهزيمة الكاملة، تسعى كييف إلى السلام.. وبامتلاكها كل السلطة، تستطيع موسكو أن تضع تقريبًا أي وجميع الشروط التي تراها مناسبة، كثمن لوقف تقدمها في ساحة المعركة.. وقد يشمل ذلك فرض قيود على الحجم العسكري والأسلحة، ومنح اللغة الروسية وضعًا رسميًا مشتركًا، أو تغييرات دستورية أخرى، تهدف إلى تقويض السيادة والديمقراطية الأوكرانية بشكل دائم.. وإذا قررت موسكو الذهاب إلى أبعد من ذلك، فقد تطالب باستسلام أكثر صرامة في شكل الاعتراف بالأراضي المتبقية التي تسيطر عليها أوكرانيا، والتعامل معها في المناطق الأربع التي ضمتها روسيا حديثًا، بما في ذلك زابورجيا وخيرسون.. إن مثل هذه التنازلات الإقليمية لا يمكن تصورها على الإطلاق بالنسبة لأوكرانيا، ولكنها قد تلوح في الأفق، إذا لم يكن هناك أي حاجز قوي آخر أو نفوذ، لمنع روسيا من الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أوكرانيا.
السيناريو الرابع: لا سلام، وروسيا لن تتوقف.. لقد فشلت كل من الولايات المتحدة وأوروبا في التوصل إلى إجابة مقنعة لسؤال (لماذا يتعين على روسيا أن تتوقف؟).. فالمساعدات غير كافية لوقف موسكو في ساحة المعركة، كما تفتح أزمة القوى البشرية ثغرات أوسع في الدفاع عن أوكرانيا، والتي لا تزال القوات الروسية تستغلها.. وتطرح إدارة ترامب خطط سلام مختلفة على بوتين، باستخدام كل من العصا والجزرة، لكن موسكو تقرر ببساطة الاستمرار، دون أن تشعر بأي مقاومة شديدة.. لقد فشلت أوروبا في حشد رد فعل شجاع خارج حدود اتفاق ترامب ـ بوتين ـ زيلينسكي.. إما أن ترفض كييف السعي من أجل السلام الذي قد يؤدي إلى السيناريو الثالث، أو تحاول القيام بذلك، لكن موسكو ترفضه.. احتمال فتح جبهات جديدة على طول الحدود الشمالية.. موجة جديدة من ملايين اللاجئين تتجه نحو أوروبا.. أصبحت كييف ضعيفة وغير مستقرة على شفا الهزيمة العسكرية.. وتعتمد النتيجة النهائية للحرب على الأهداف الإقليمية القصوى لروسيا في أوكرانيا.
ويبدو أن موقفي كييف وموسكو غير قابلين للتوفيق، والمهمة التي تواجه ترامب لتغيير ذلك، مهمة شاقة.. وغالبًا ما يتم التغاضي عن السؤال الأكثر أهمية: تحت أي ظروف ستشعر موسكو بالاقتناع أو التوقف لاحقًا عن التقدم، والاستيلاء على المزيد من الأراضي التي تعتبرها تابعة لها.. وعندما سُئل بوتين عن مفاوضات السلام، قال إن أي اتفاق يجب أن يستند إلى (الحقائق في ساحة المعركة )، بينما استبعد متحدث باسم الكرملين (تجميد الصراع) بالكامل، مضيفًا أنه من المهم بالنسبة لموسكو (تحقيق أهدافها).. إن الرؤى الخاصة بنهاية واقعية للحرب، يجب أن تُبحر في هذه الصدامات عالية المخاطر، ليس فقط حول المصالح الوطنية، بل أيضًا حول الحسابات الشخصية للغاية لكل جهة فاعلة.. فكزعيم لأوكرانيا، يحتفظ الرئيس زيلينسكي دائمًا بالحق في مواصلة القتال.. وباعتبارها البادئة بالحرب والقائد الذي يحمل المبادرة بلا منازع في ساحة المعركة، فإن سؤال (لماذا تتوقف روسيا؟)، يبدأ وينتهي مع بوتين نفسه!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق