«الاستطيقا».. علم قراءة الفن

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ليس من شك في أن تعلق الإنسان بالجمال قديم جدًا، واستمتاعه به وافتتانه بمظاهر الطبيعة قديم قدم الإنسانية، وما تركه لنا من آثار منذ العصر الحجري الأول حتى عصور الحضارات القديمة المعروفة يشهد على صحة هذا الرأي. كما أن الشعور بالجمال الطبيعي كان سابقًا على النشاط الفني، فلقد أحس الإنسان أولًا بجمال الظهيرة أو غياب الشمس قبل أن يكون هناك لوحات جميلة أو منحوتات رائعة. هناك إذًا جمال طبيعي مستقل وسابق على الجمال الفني.

والسؤال الآن، ما هو مقياس الجمال الطبيعي؟ لماذا يثير فينا الشعور بالارتياح واللذة والسعادة؟ ما هي العوامل التي تؤثر في عملية تقديرنا للجمال؟ هل الذوق الشخصي أم الثقافة، أم البيئة، أم المجتمع؟ ما هو الجمال الطبيعي؟ أليس هو الذي نشعر أننا نؤلف معه وحدة ويمنحنا الشعور بالسعادة؟ وهل هناك دور أو هدف أو طريقة معينة للتعبير عن هذا الجمال؟ كل هذه المواضيع والأسئلة وتفسير الظواهر الجمالية وتصنيفها كانت موضوعًا للبحث، مما دعا إلى قيام علم الجمال أو فلسفة الجمال «الاستطيقا». والسؤال الذي يفرض نفسه علينا الآن، هل هناك علاقة بين الفن والجمال؟ 

عزيزي القارئ يُعدُّ الفن واحدًا من المجالات التي يسيطر الجمال عليها، ويظهر من خلالها، ولكن الفن ليس هو الجمال، إذ قد يوجد الفن ولا يوجد الجمال فيه، إما لطبيعة ذلك العمل الفني الذي ربما كان تصويرًا للقبح، وإما لأن الفنان قد غلب عليه الجانب الفني، فلم يأبه لمراعاة الجمال. وقد خلط كثير من الكُتَّاب بين الكلمتين، حتى ما يكاد القارئ يلحظ فرقًا في استعمالهما، إن كُتُبًا كثيرة وضعت «الجمال» عنوانًا لها، ولكنك لا تجد فيها غير الحديث عن الفن، وكأنه هو الجمال. وأعتقد أن السبب في هذا، هو ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من اعتبار الفنِّ الميدان الوحيد للجمال، وأن «علم الجمال» قاصر على الفن.

وإنه ما من شك في أن الصلة وثيقة بين «الفن» و«الجمال» فمن غاية الفن تحقيق الجمال، ولكنه تارة يدرك هذه الغاية وتارة تفوته. والجمال لا يستغني عن الفن كميدان من ميادينه الفسيحة، ولكن لا يستطيع أن يتخلى عن مجالاته الأخرى التي منها الطبيعة والإنسان. وما هو مفهوم «فلسفة الفن»؟

صديقي القارئ «فلسفة الفن» هي التي تتولى توضيح المعاني والمفاهيم بمصطلحات، مثل: المعنى، الصورة، التجريد، الشكل، التعبير، والرمز. وعمل الفيلسوف في فلسفة الفن هو شرح متى يكون العمل الفني جميلًا، وما هي ضوابط ومزايا ذلك الجمال...؟ أما «علم الجمال» يبحث في شروط الجمال وضوابطه وفي أحكام القيم المتعلقة بالآثار الفنية وهو من أبواب الفلسفة وله بابان نظري وعملي خاص، والأول هو علم قاعدي أو معياري، والثاني يمثل النقد الفني. 

وختامًا، نجد أن «الاستطيقا» هو ذلك الفرع من الفلسفة الذي يتعامل مع الفنون، ومع مواقف أخرى تتضمن خبرة جمالية وقيمة جمالية، هذا يعني أن فلسفة الفن مجرد جزء من الاستطيقا.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق