قال الناقد الأدبي مجدى نصار، إن الكاتبة دينا الحمامي فى روايتها «الفراودة - سيرة الفقد والإلهاء» تشيِّد عالمها الروائى الخاص «المُمكِن» فى قرية مصرية، تحفظ لهذا العالم خصوصيته الريفية- جغرافيته ومفرداته الثقافية الخاصة من طبائع وألفاظ وأغنيات وملابس وأطعمة.. إلخ، كما تجعله منفتحًا على الموضوعات العالمية بابتكارها شخصيتى أميرة وفخر؛ فالأولى عاشت بالعاصمة عيشة منفتحة وتعرف الكثير عن الفلسفة وفن الباليه، والثانى عاش بباريس ويعمل رسامًا؛ بذلك تتمكن الشخصيتان من مقارنة الواقع العالمى بالحاصل فى قرية الفراودة، ومن ثم تفتح المسارات السردية أمام المتلقى وتشحذ ذهنه.
وأوضح "نصار" خلال كلمته فى ندوة مناقشة رواية" الفرادوة" فى ضيافة "الدستور" منذ قليل، أن الرواية يتجاور فيها العديد من العناصر مثل الشرف الذى يعد رمزا، كما أن دينا نجحت فى تفريغ على المستوى العام والمستوى السردي فى السرديات الصغرى، كما أننا أمام مستويين من التفريغ عام، وتفريغ جزئي.
وأوضح أن الرواية بها بعض المشهديات فى قرية تساير التطور التكنولوجى لكن روحها تتسم بالرجعية، وأن السرد يتحرك فى مسارين: الماضى التأسيسى والحاضر الذى يندفع للأمام إثر لعنة أصابت «الفراودة».
وتابع "نصار"، قائلا: "تؤسس الحمَّامى بنية شاقة- خاصة فى العمل الأول- إذ تلجأ لتقنية الأصوات المتعددة، فتقسِّم الرواية إلى سرديات صغرى- متجاورة ومتتابعة- تسهم جميعها فى تشييد السردية الكلية. كل صوت يضع بصمته فى الحكاية «يستعرض خلفيته الماضوية عبر الفلاشباك ويمنحنا صورًا من العام الحاصل بالقرية»، أحيانًا يتوقف الصوت فى منتصف حدث فارق، ويتركنا متشوقين لبقيته التى تأتى على لسان صوت آخر، أى أن كل حكاية تحيلنا لأخرى، فتصبح البنية الزمانية ذات وجهين: واحد متطور دراميًا يتناول اللعنة وأصداءها، وآخر يتعمق فى ماضى المكان وشخوصه ويقارب بين الواقعين المحلى والخارجى".
وأكد "نصار"، أن دينا الحمامي تجيد لعبة التصعيد الدرامى، تُقطِّر الحبكة فى جرعات بينها مسافات محسوبة، تولِّد اللعنات تباعًا: تنتشر العنوسة وفق إرادة غير مرئية، يتيبس البلح على النخل، يشتد القيظ، تكتسى القرية بالجراد والأفاعى، ويواجه الناس مجاعة موحشة.. يتخلل هذا التطور العام تطور فى وعى الشخصيات وأفعالها: أميرة تراود نائل بينما أخوه فخر يضمر لها حبًا كبيرًا ولا يصرح به، لتتزوج فى النهاية من ميسر بك، المستثمر الأجنبى.
عناية ومنصف يهزمان الشبق واللعنة والتقاليد فى لقاء خفي.. تتجلى الصراعات فى مستويات متعددة: صراع الأجيال ورغبة الأبناء فى «قتل الأب»، صراع الواقع مع الخرافة «الشيخ عبدالقادر»، صراع الفقر مع رأس المال «نائل وميسر بك»، صراع الناس مع السلطة «نائل»، اتحاد السلطات السياسية والدينية والمالية متمثلة فى نائل الذى يحكم القرية ويتحكم فى اقتصادها ويخطب فى الناس فى بيته وفى المسجد. تعرِّج الرواية على مضامين كالدجل والنميمة والاستسلام الجمعى، كما تناقش قضايا شائكة كالمساكنة وجرائم الشرف.
ينتعش السرد داخل البنى الصغرى بالتفاتات فى الخطاب، فعناية مثلًا تتحدث إلى نورا الميتة ثم تغير وجهة الحديث لتخاطب الليل. لكن الفراغات النصية نادرًا ما تظهر فى تلك السرديات الصغرى، فالشخصية الواحدة تقوم بالكشف أولًا بأول وتنتقد تصرفات بقية الشخصيات وبالكاد تترك للمتلقى فراغات يملؤها بنفسه. على أن هناك فراغات على مستوى البنية الكلية- بين صوت وآخر- فالكاتبة تقفز زمنيًا على الأحداث العادية وتتناول الحاسم والفارق فى أحوال الفراودة، بقصد تطوير الحبكة دراميًا.
0 تعليق