لم تكن هذه المقطوعات الموسيقية الرائعة؛ سوى اختبار شديد لقوة التحمل. فى الحقيقة لم تكن شيرى بحاجة مادية فعلية لأن تذهب وراء هذه الرسالة التى جاءتها، وهى تتصفّح أحد مواقع الإنترنت بأنها اليوم هى «الفائز بجهاز الآيفون الأحدث مجانًا».
جهاز الآيفون الأحدث المكتوب أمام صورته: «ألف ومائتان وستون دولارًا أمريكيًا»، ليس رقمًا مغريًا بالنسبة لها للذهاب وراء هذه الرسالة، ولكن ربما عندما حوّلت الرقم إلى عملتها المحلية اكتشفت أن الرقم أصبح كبيرًا جدًا، فعملتها المحلية أخذت فى التهاوى، ولكن، هل حقًا كان هذا هو السبب الحقيقى لأن تتبع الخطوات التى أملتها الشروط للفوز بالجهاز؟
الغريب فى الأمر أن «شيرى» ليست من محبى الآيفون، ولم تحلم يومًا باقتنائه.
وربما بنفس سعره، فضّلت عشرات المرات شراء ملابس أو حجز رحلة على أحد الشواطئ للاستجمام.
لم تكن، أيضًا، هذه هى المرة الأولى التى تُفاجئها شاشة الإنترنت أو رسائل التليفون بأنها الفائز المحتمل، ولكنها أبدًا لم تفكر بالاستجابة.
اليوم عيد ميلادها الخمسون، ضحكت عندما رأت الرسالة، ولأول مرة تقرر أن تتبع الخطوات.. الاتصال برقم دولى المفروض أنها دولة أستراليا، أما الرسالة المسجلة التى أجابتها فكانت بصوت عربى واضح، أخذت تقول لنفسها: «يجب ألا تكونى قوية الملاحظة هكذا...!».
كانت الرسالة المسجلة تطالب المتصل بالإجابة عن خمسة أسئلة حتى يكون هو الفائز.
ضحكت من سذاجة الأسئلة التى يجب أن يكون المتصل شديد الجهل حتى لا يستطيع الإجابة؛ كانت الأسئلة من نوعية جون كنيدى هل هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أم رئيس أوغندا؟، هل بغداد عاصمة العراق أم عاصمة إسكتلندا؟، أدركت على الفور أن هذه الطريقة هى طريقة لجعل المتصل يُكمل فى المكالمة، وبعد كل إجابة تقول الرسالة المسجلة: «مبرووووك، إجابتك صحيحة». ضحكت كثيرًا عندما كان السؤال: هل الآيفون يتبع شركه آبل أم سامسونج؟، ولكنها بالخطأ ضغطت على الزر الذى يعنى شركة سامسونج، ولكن الرسالة المسجلة أجابت بنفس الطريقة: «مبرووووك، إجابتك صحيحة».
فوجئت بأنه بعد انتهاء الخمسة أسئلة، بدأت دورة أسئلة جديدة، أيضًا مكونة من خمسة.. إنهم يكذبون! يقولون: خمسة، ثم تلتها ثلاث خمسات أخرى.
لا تعرف شيرى لماذا استمرت، وقد بدا لها واضحًا أن الأمر كله خُدعة؟!، ولكنها استمرت.. كان سؤال داخلها، ماذا سوف أخسر من الاستمرار؟
أخيرًا انتهت الأسئلة بكل إجاباتها الصحيحة والخطأ؛ وأعلنت الرسالة المسجلة عن أن كل الإجابات صحيحة، وأن المتصل من حقة الفوز بالجهاز.. ولكن ابق معنا.
كانت مجموعة مثيرة من المقطوعات الموسيقية الرائعة واحدة تلو الأخرى، اختفى الصوت المطمئن الواعد بالفوز؛ مرت دقيقة، اثنتان، خمس، عشر، و«شيرى» لا تغلق الخط، لم تكن هذه المقطوعات الموسيقية الرائعة سوى اختبار شديد لقوة التحمل، وإذا جاز التعبير: لحظات اختيار قاسية بين التسليم بأنها خدعت أو التمسك بـ... التمسك بماذا؟
هى أصلًا ليست بحاجة إلى هذا الجهاز، شعرت لوهلة بأنها تجلس على طاولة قمار، لا شىء يدعو إلى التمسك، ولكن الشعور بالهزيمة يدفعها إلى المزيد من المقامرة والانتظار.
قالت لنفسها: «لن أنتظر أكثر من دقيقتين؛ ثم قالت: لن أنتظر أكثر من خمس، لن أنتظر أكثر من ثمانٍ، ثم قالت هذه الدقائق الدولية أحصل عليها مجانًا؛ لأننى عميل مميز، سوف أنتظر حتى تنتهى الدقائق المجانية، أنا أصلًا لم أعد بحاجة إليها، انتهت قصة الحب الكبيرة ليس لشىء سوى أننى سئمتُ انتظاره وهو لا يعود، مرت سنوات العمر، وفقدت الشعف وربما هو أيضًا فقده، إذن لا بأس من التضحية بتلك الدقائق المجانية، ولكن كل تضحية لها سبب، ولا يوجد أى أسباب لهذه التضحية، أنا حقًا لا أريد جهاز الآيفون. إذن لمَ لا أقوى على غلق الخط؟».
تساءلت لوهلة: لماذا أقدمت أصلًا على هذه الخطوة؟
تذكرت أنها قالت لنفسها: «لم أجرب يومًا ما سمعت عنه، هذا الذى يُدعى الحظ، عشتُ عُمرى كله مؤمنة بأنَ هذه الحيل هى مجرد استغلال لنقاط ضعف الناس واحتياجاتهم، لم أعترف يومًا بأننى ضعيفة أو بأن هناك احتياجًا لشىء يدفعنى للهاث وراء هذه الخدع، ولكننى ربما أردت فى عمر الخمسين أن أستمتع بشعور أن أحصل على أى شىء دون جهد، وأن أعيش مثل كثيرين دون حسابات، ودون مشقة، وربما أردت أن أبدأ مرحلة جديدة فى حياتى».
ولكن المقطوعات الموسيقية المتتالية دون توقف واختفاء هذا الصوت الذى يَعِدُ بالفوز، أصابها بالإحباط، قالت لنفسها بعصيبة: «لن أُضحى بأربعين دقيقة دولية مجانية، أصلًا، لن أُضحى بأربعين دقيقة من عُمرى فى انتظار عبث».
حسمت «شيرى» قرارها.. وقررت أن تخرج من صالة القمار مكتفية بخسارتها، وبكل صعوبة أغلقت الخط بعد الدقيقة الثانية والعشرين.
ظلت «شيرى» لعدة أيام قلقة أن يكون هذا الرقم «هكر» اخترق تليفونها وصفحاتها على السوشيال ميديا حتى اطمأنت، ولكنها ظلت لعدة أشهر تجرى مسرعة للرد على أى رقم غريب بلهفة فى انتظار مكالمة الفوز بالآيفون.
من مجموعة: حلق صينى لا ترتديه ماجى
0 تعليق