أكد خبراء اقتصاديون ومختصون في القطاع السياحي أن تأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) في دولة قطر حتى الآن يُعد قراراً إيجابياً للقطاع الخاص ويعزز نمو قطاع السياحة، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية العالمية من ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة والآثار السلبية التي خلفتها أزمة جائحة «كوفيد - 19» وهو ما ساهم في تهيئة بيئة مواتية للأعمال تسهم في تعزيز النمو والابتكار في البلاد، مشيرين إلى أنها استراتيجية ذكية لتعزيز جاذبية الاستثمار ودعم القطاع السياحي في الوقت الحالي.
وقالوا في تصريحات لـ «العرب» إن قرار التأجيل خطوة إيجابية وضرورية في نفس الوقت لمساعدة القطاعات الاقتصادية في الدولة وكذا الشركات الصغيرة والمتوسطة على التكيف مع الظروف الصعبة، وبالتالي تمكينها من الاستمرار في نشاطاتها التجارية دون العبء المالي الإضافي الذي قد تسببه الضريبة. كما أن تأجيل تطبيق الضريبة يساهم في تعزيز ثقة المستثمرين ويساعد في الحفاظ على استقرار السوق المحلي في الفترة الحالية ويعزز رؤية الدولة في دعم نمو القطاع السياحي.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور هاشم السيد إن دولة قطر تعمل على تعزيز بيئة الأعمال، من خلال التشريعات والمحفزات كما تقوم بتسهيل إجراءات الاستثمار، وتوفير خدمات متنوعة للمستثمرين، وتهيئة بيئة مواتية للأعمال تسهم في تعزيز النمو والابتكار. ومن شأن هذه الجهود أن تقوم بدور محوري في أن تتبوأ دولة قطر مكانة متقدمة كبيئة جاذبة للاستثمار وتلبية أهداف الاستثمار الأجنبي، وفتح مزيد من المجالات امام المستثمرين.
وأكد د. هاشم السيد أن عدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دولة قطر مقارنة بدول الجوار يعزز من جهود الدولة في توفير بيئة محفزة للاستثمار ويدعم استراتيجية جذب الاستثمارات وانتعاش الأسواق، كما أن عدم تطبيق الضريبة حتى الآن يمنح دولة قطر ميزة تنافسية لاستقطاب مزيد من الزوار والسياح وهو ما يتماشى مع أهداف الدولة في تنويع مصادر الدخل والنهوض بقطاع السياحة كمورد أساسي للاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
تحقيق التنمية الاقتصادية
وأوضح د. هاشم السيد أنه بالنظر إلى طبيعة ضريبة القيمة المضافة وأنها ضريبة غير مباشرة تُفرض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من قبل المنشآت ويتم فرض هذه الضريبة في كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد، بدءًا من الاستيراد أو الإنتاج ومرورًا بالتوزيع وحتى مرحلة البيع النهائي للسلعة أو الخدمة لافتا إلى أن ضريبة القيمة المضافة تطبق في أكثر من 160 دولة حول العالم وبالرغم أنها تُعد مصدرًا أساسيًا لتعزيز ميزانيات الدول وتُساهم في تمويل الخدمات العامة والبنية التحتية وتحقيق التنمية الاقتصادية للدولة، إلا أنها تتهم غالبا بكونها ضريبة عمياء وغير عادلة؛ نظرا لكونها لا تأخذ تفاوتات الدخل بين المستهلكين بعين الاعتبار. حيث يتم تحميل الضريبة على القيمة المضافة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع، مما يزيد من تكلفة السلع والخدمات للمستهلك النهائي، وبسبب زيادة الضرائب على السلع والخدمات، ترتفع الأسعار عادة، مما يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمستهلكين وذلك قد يؤدي إلى تقليص الطلب على بعض السلع والخدمات، وبالتالي يحدث تأثير سلبي على الاقتصاد العام.
جذب الاستثمارات
من جانبه قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحيم الهور إن ضريبة القيمة المضافة تعتبر إحدى الأدوات المالية التي تستخدمها العديد من الدول لتحقيق إيرادات حكومية إضافية وتحقيق استقرار اقتصادي ومع ذلك فإن عدم تطبيق هذه الضريبة في قطر مقارنة بدول الجوار مثل الإمارات والسعودية قد يمنح الدوحة ميزة تنافسية في جذب الاستثمارات، فالمستثمرون يبحثون دائمًا عن بيئات استثمارية توفر لهم تكاليف تشغيل أقل، وبالتالي فإن غياب الضريبة يمكن أن يكون عنصر جذب قويا للشركات الأجنبية، واستقطاب مزيد من الاستثمارات في قطاعات مختلفة ومن ضمنها القطاع الفندقي والبنية التحتية السياحية.
انتعاش القطاع السياحي
وأضاف د. الهور أن عدم تطبيق الضريبة أيضا يعد ميزة تنافسية للقطاع السياحي، وعدم فرضها يمكن أن يجعل قطر وجهة أكثر جاذبية للزوار والسياح. قائلا: «السياح عادة ما يبحثون عن وجهات تكون فيها التكاليف معقولة، وغياب الضريبة يمكن أن يؤدي إلى تقليل التكاليف الإجمالية للسفر والإقامة، وهو ما يمكن أن يساهم في زيادة أعداد السياح ويعزز من انتعاش القطاع السياحي».
وتابع: «أما بالنسبة للوضع الاقتصادي العالمي الحالي، فإن ارتفاع معدلات الفائدة وارتفاع التضخم يجعل من المهم للحكومات النظر في تبعات فرض ضرائب إضافية على الاقتصاد المحلي. في حالة قطر، قد يكون من الحكمة تأجيل فرض ضريبة القيمة المضافة في ظل الظروف الحالية للحفاظ على ميزة تنافسية وجذب المزيد من الاستثمارات والسياح. وفي نفس الوقت، يجب أن توازن الحكومة بين الحاجة إلى إيرادات إضافية وتبعات فرض الضرائب على النمو الاقتصادي».
وأكد د. عبدالرحيم الهور أن عدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في قطر يمكن أن يكون استراتيجية ذكية لتعزيز جاذبية الاستثمار ودعم القطاع السياحي في الوقت الحالي. ومع ذلك، يجب على الحكومة مراقبة الوضع الاقتصادي العالمي والمحلي واتخاذ القرارات التي تضمن استدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
تعزيز النمو الاقتصادي
وفي السياق أكد الخبير السياحي السيد أيمن القدوة أن تأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دولة قطر مقارنة بدول الجوار يدعم استراتيجية جذب الاستثمارات وانتعاش الأسواق بشكل إيجابي، وله تأثيرات متعددة على الاقتصاد القطري. وقال القدوة إن غياب ضريبة القيمة المضافة قد يجعل قطر وجهة أكثر جاذبية للمستثمرين، حيث يمكن أن تؤدي التكاليف المنخفضة إلى تحقيق عوائد أفضل على الاستثمار وبالتالي تحفيز الأعمال حيث لا تواجه الشركات عبئا ضريبيا إضافيا ما يعزز فرص توسيع عملياتها أو البدء في مشاريع جديدة، والذي بدوره يعزز من النشاط والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
كما أشار إلى أن ذلك يساهم أيضا في تحسين بيئة الأعمال، ويشجع على الاستهلاك المحلي وزيادة الطلب على السلع والخدمات، كما يعزز قدرة قطر التنافسية مقارنة بدول الجوار مما يسهم في جذب السياح والمستثمرين.
تأثيرات متعددة
كما تطرق القدوة إلى أن عدم تطبيق الضريبة حتى الآن يمكن أن يمنح قطر ميزة تنافسية معينة لاستقطاب المزيد من الزوار والسياح، ولها تأثيرات متعددة على القطاع السياحي في الجوانب التالية: جذب السياح حيث ان غياب ضريبة القيمة المضافة يمكن أن يجعل أسعار الخدمات والمنتجات السياحية أكثر جاذبية مقارنة بالدول الأخرى التي تفرض هذه الضريبة، ما يزيد من أعداد السياح القادمين.
ولفت إلى أن السياح قد يكونون أكثر ميلاً لإنفاق المزيد في وجهة لا تفرض ضرائب إضافية، مما يعزز الإيرادات للقطاع السياحي، ويحسن من تنافسية السوق والذي يدعم بدوره نمو السياحة الترفيهية والأعمال وتوفير فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة للقطاع.
تطوير الأعمال
وحول استفادة قطاع السياحة والضيافة القطري من هذه الميزة في تطوير الأعمال قال القدوة إنه يمكن الاستفادة من ذلك بطرق متعددة من بينها: تعزيز التسويق والترويج لجعل قطر وجهة مفضلة للسياح، كما يمكن للمؤسسات السياحية جذب عدد أكبر من الزوار المحليين والدوليين، مما يسهل المنافسة مع الوجهات الأخرى، بالإضافة إلى تحفيز الإنفاق السياحي حيث يؤدي عدم وجود ضريبة إلى تحسين تجربة الزوار، مما يجعلهم أكثر ميلاً لإنفاق المزيد على الأنشطة والخدمات، مثل الفنادق والمطاعم والفعاليات الثقافية. كما يمكن للمنشآت السياحية تقديم حزم سفر مغرية تشمل الإقامة والأنشطة بأسعار تنافسية، مما يجذب السياح الذين يبحثون عن قيمة جيدة.
وتابع: «عدم فرض ضرائب إضافية يمكن أن يكون دافعاً لاستضافة مؤتمرات وفعاليات دولية، مما يساهم في تعزيز النشاط الاقتصادي، والاستدامة من خلال تشغيل الأعمال بتكلفة أقل، يمكن للقطاع أيضاً استثمار المزيد في مبادرات الاستدامة التي تساهم في تحسين صورة قطر كوجهة سياحية مسؤولة».
جذب المزيد من السياح
وعن توقعات الموسم السياحي 2025/2024 في دولة قطر خاصة مع تجاوز عدد الزوار 4 ملايين زائر بنهاية أكتوبر 2024 قال القدوة هي توقعات أقرب إلى كونها طموحات، فهناك عدة عوامل ومؤشرات إيجابية قد تعجل من الوصول إلى 6 ملايين زائر في العام المقبل وعلى رأسها البنية التحتية السياحية، مثل الفنادق والمراكز الترفيهية والمطار، والتي تسهم في جذب المزيد من السياح وتقديم تجارب أفضل إلى جانب استضافة الفعاليات الكبيرة، مثل المؤتمرات والمعارض والمهرجانات، يمكن أن تعزز من أعداد الزوار.
وبالنظر إلى هذه العوامل، فإنه من الممكن جداً أن تصل قطر إلى هدف 6 ملايين زائر في عام 2025 وليس في عام 2030. ومع ذلك، فإن النجاح في تحقيق هذا الهدف يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة، والاتجاهات العالمية في السفر والسياحة.
«القيمة المضافة» في سطور
تعتبر ضريبة القيمة المضافة (VAT) من الأدوات الضريبية الحديثة التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال توسيع قاعدة الإيرادات الحكومية، دون التأثير الكبير على القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين.
وتعد هذه الخطوة جزءاً من إستراتيجية قطر الرامية إلى تنويع مصادر الإيرادات الحكومية بعيداً عن النفط والغاز، وهو ما يعكس التزامها بتطوير اقتصاد مستدام وقوي في مواجهة التحديات المستقبلية.
ويرى بعض المحللين أن تأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة يساهم في الحفاظ على الأسعار مستقرة في السوق، مما يخفف من الأعباء المعيشية على السكان في الوقت الحالي. فمع التأجيل، ستظل الأسعار في القطاعات المختلفة كما هي، وهو ما يساهم في الحفاظ على القوة الشرائية للمستهلكين في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة.
وفي ذات السياق يؤكد العديد من الخبراء أن التوقيت هو العامل الأساسي في نجاح تطبيق ضريبة القيمة المضافة. ويرون أن تأجيل التطبيق إلى وقت لاحق قد يمنح الحكومة الفرصة لتقييم الوضع الاقتصادي بشكل أفضل، وبالتالي اتخاذ قرارات أفضل بشأن كيفية تطبيق الضريبة بشكل يتناسب مع الظروف الحالية. كما أن التأجيل يسمح بتوفير الوقت الكافي لتأهيل الشركات وتعريفها بكيفية التعامل مع النظام الضريبي الجديد، مما يسهم في تقليل أي صعوبات قد تنشأ بعد التطبيق.
وبناءً على الآراء المختلفة، يمكن القول إن تأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة في قطر كان قراراً ضرورياً في ظل الظروف الاستثنائية التي يشهدها الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في إيجاد التوازن بين تحقيق الاستدامة المالية من خلال التنوع في مصادر الإيرادات الحكومية وبين دعم النمو الاقتصادي المحلي وحماية القدرة الشرائية للمستهلكين.
0 تعليق