تأكيدًا لدورها المحورى فى جهود بناء السلام على المستويين الإقليمى والدولى، أعيد انتخاب مصر لسنتين جديدتين، عضوًا فى لجنة الأمم المتحدة لبناء السلام، تلك الهيئة الاستشارية الحكومية الدولية، التى تم تشكيلها فى ٢٠ ديسمبر ٢٠٠٥ لدعم جهود السلام فى الدول الخارجة من النزاعات والمتأثرة بها، والتى سبق أن ترأستها مصر سنة ٢٠٢١، ونالت إشادة بالغة ومستحقة، بحرفيتها فى إدارة أعمال دورتها الخامسة عشرة، ونجاحها فى بناء التوافقات، وتنفيذ أجندتها الطموحة.
إعادة انتخاب مصر أو استمرار عضويتها فى هذه اللجنة يأتى فى مرحلة مفصلية يمرّ بها مستقبل هيكل الأمم المتحدة لبناء السلام، الذى سيخضع لمراجعة شاملة، خلال السنة المقبلة، وهو المسار الذى تنخرط فيه الدولة المصرية بفاعلية، عبر التنسيق مع كل الأطراف المعنية، لدعم جهود تعزيز بناء السلام وتوفير التمويل المستدام، مع إيلاء أهمية خاصة للأوضاع فى القارة الإفريقية، حفاظًا على مكتسبات السلام بها ومنع انزلاق دولها مجددًا فى الصراعات. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن مصر، التى تستضيف مقر مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد النزاعات، سعت إلى بلورة موقف إفريقى موحد بشأن هذه المراجعة، بالشراكة مع مفوضية الاتحاد الإفريقى ومكتب الأمم المتحدة لدعم بناء السلام، خلال فعاليات النسخة الرابعة من «أسبوع الاتحاد الإفريقى للتوعية بملف إعادة الإعمار والتنمية فى مرحلة ما بعد النزاعات»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ١٨ نوفمبر الماضى.
من منطلق ريادته لهذا الملف، أكد الرئيس السيسى، فى بيان إطلاق ذلك الأسبوع، التزامه الشخصى بالاستمرار فى بذل قصارى جهده، بالتنسيق مع أشقائه القادة الأفارقة ومفوضية الاتحاد الإفريقى وأصحاب المصلحة الإقليميين والشركاء الدوليين، لتنفيذ «أجندة إفريقيا ٢٠٦٣»، وتحقيق التطلعات المشروعة لأبناء القارة السمراء، لافتًا إلى أن التحديات الأمنية والتنموية المتعددة والمتزامنة التى تواجهها قارتنا الإفريقية تحتم علينا معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، وبناء قدرات المؤسسات الوطنية والإقليمية والقارية التى تعزز قدراتها على الصمود ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية المعقدة، والسعى للتوصل إلى حلول سلمية مستدامة للأزمات القائمة، وتعزيز وتفعيل الرابط بين السلام والأمن والتنمية.
استنادًا إلى قوة المنطق لا إلى منطق القوة، تواصل الدولة المصرية إسهامها الفاعل فى تعزيز وتفعيل هيكل الأمم المتحدة لبناء السلام، وحشد الدعم والاهتمام الدوليين للدول والمناطق الخارجة من النزاعات، أو المتأثرة بها. كما لا تزال تقوم بدورها الريادى لتحقيق السلام المنشود، سواء بجهود الوساطة، لإنهاء العدوان على قطاع غزة، والضفة الغربية، أو بتحذيراتها المتكررة من عواقب تصعيد الصراع وتوسعة نطاقه، وتأكيدها الدائم أن المسار الوحيد لتحقيق السلام والأمن فى المنطقة، هو تلبية حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
الدور المصرى الريادى فى جهود إحلال السلام امتد، أيضًا، إلى جميع أزمات دول الجوار، من خلال الحفاظ على المؤسسات الوطنية فى هذه الدول الشقيقة وتمكينها من أداء المسئولية المنوطة بها لخدمة شعوبها وتحقيقًا لتطلعاتها، كما كانت مصر أول المطالبين بوضع مقاربة شاملة لبنية السلم والأمن الأممية، بمكونات صنع وحفظ واستدامة السلام، خلال عضويتها فى مجلس الأمن، عامى ٢٠١٦ و٢٠١٧، ليتجاوز تعامل المجتمع الدولى التناول الجزئى الضيق للأزمات الدولية. كما قامت، خلال رئاستها المجلس سنة ٢٠١٦، بعقد أول اجتماع مشترك مع مجلس جامعة الدول العربية بمقرها فى القاهرة، وعملت كذلك على تكامل المنظومة الأممية والإفريقية لصيانة السلم والأمن الدوليين.
.. وأخيرًا، نرى أن استمرار عضوية مصر فى لجنة الأمم المتحدة لبناء السلام سيمكنها من حشد الدعم والاهتمام الدوليين للدول والمناطق الخارجة من النزاعات، أو المتأثرة بها، خاصة فى دول منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، التى تحتل، بكل أسف، النصيب الأكبر من النزاعات والصراعات، وتشهد منافسة شرسة بين قوى دولية وإقليمية تريد السيطرة عليها، ونهب ثروات شعوبها.
0 تعليق