مختصر مفيد
يضرب لنا نيلسون مانديلا دروساً في التفاوض السياسي البارع، لمنع انحدار البلد نحو مخاطر مجهولة، لننظر الى أسلوبه، ففي العام 1952 قاد حملة عصيان مدني ضد الطبقة البيضاء الحاكمة التي تمارس سياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.
وفي العام 1964 حكمت عليه الأقلية البيضاء بالسجن 27 عاماً، وعند محاكمته قال: "أحببت فكرة ان يعيش الجميع في المجتمع متساوون وفي انسجامٍ معاً، حتى لو تطلب الأمر أن أضحي بنفسي في سبيلها".
وفي السجن أبرم اتفاقاً مع الطبقة الحاكمة بحيث يحفظ الاتفاق حقوق الأقلية البيضاء في أراضيها، ووظائفها، وثرواتها، الأمر الذي قلل من فرصة هروب رؤوس أموال البيض، وخبراتهم، وطلب من المواطنين السود "الصبر"، وذلك لمنع سفك الدماء.
ومن سماته الإنسانية أنه رجل يحس بمشاعر الآخرين، كان شديد البراعة في التفاوض، فمن رأيه ان المفاوضات تنجح عندما تحدث "تنازلات"، وان يعتقد كل طرف أنه ربح أكثر مما خسر، وأن نصف المعركة هي في إقناع الطرف الآخر بأن التنازلات هي في الواقع نصر أو مكسب له.
يري مانديلا أنه في التفاوض لابد ان تضحي كل فئات المجتمع ببعض مطالبها، و"أن تنتهي عملية التفاوض بحيث لا يكون هناك غالب ومهزوم"، تفاوض من شأنه ان تقول فئة ما لقد تنازلنا عن "أ" و"ب" و"ج"، لكن حصلنا على "ص" و"ك" و"ع"، عملية التنازلات هذه تؤلم جميع الأطراف بالطبع، لكن التفاوض يجب ان يقوم على قاعدة "إعط وخـذ".
قال الرئيس الأبيض الأسبق لجنوب أفريقيا دي كليرك، بعد وفاة مانديلا في ديسمبر العام 2013: "أود أن أُبين بعض الدروس التي تعلمناها في جنوب أفريقيا، حتى لاتنزلق دول العالم نحو الصراع الداخلي، أحد هذه الدروس هو اقتناع طبقة البيض الحاكمة بأن سياسة التمييز العنصري خطأ، فلا بد من رؤية جديدة وتغيير المواقف 180 درجة، وان على مانديلا وأتباعه ان يعلموا أنهم لن يكسبوا حرباً بالثورة على النظام القائم، وإنما على الجميع ان يتوصلوا الى تسوية سياسية".
اضاف: "إن هذه الدروس يمكن تطبيقها اليوم على مصر وتونس وليبيا، وفي الكونغو والسودان، وفي بورما وسورية، وفي إسرائيل وفلسطين"(انتهى كلامه).
ليت بعض الزعماء العرب يتخذون من مانديلا مثالاً للتسوية السياسية، فلما خرج من السجن لم ينتقم من البيض، بل استعمل التفاوض المحُنك لمنع سفك الدماء بين السود والبيض، لذلك فاز بانتخابات الرئاسة في بلاده، ونال جائزة نوبل للسلام فتقدمت بلاده، فنتمنى من القادة العرب والجماعات الإسلامية أن يتخذوا من مانديلا مثالاً للتفاوض السياسي لمنع سفك الدماء، وتدمير الدول.
إن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) كان مفاوضاً بارعاً في صلح الحديبية، فانتشر الإسلام، في العراق لم تقدم أي من الطائفتين السّنية أو الشيعية تنازلات للطائفة الأخرى، وفي سورية لم تتنازل المعارضة السورية، أو تنازل النظام السوري، والنتيجة أدت الى تدمير البلدين ومات الكثيرون، أو فقدوا ممتلكاتهم فطال أمد الصراع.
وفي منطقتنا العربية لا احد يريد ان يجلس الى طاولة المفاوضات، بل يريد كل طرف تمثيل الفارس المغوار، هو الصواب والآخرون على خطأ.
0 تعليق