مع إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل يوم 27 نوفمبر الماضي، ظهر الاتفاق كخطوة نحو تهدئة الأوضاع في منطقة ملتهبة، لكنه لم يكن خاليًا من التحديات والانتهاكات. ورغم الضغوط الدولية التي قادت إلى التوصل لهذا الاتفاق، فقد سجلت انتهاكات عديدة من الجانب الإسرائيلي، حيث رصدت جهات دولية ومحلية أكثر من 70 خرقًا للهدنة، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى صلابة هذا الاتفاق وقدرته على الصمود.
مصطفى علوش: اتفاق هش وخطوات طويلة لتحقيق الاستقرار
في هذا السياق، قال مصطفى علوش، القيادي في تيار المستقبل، إن لبنان نجح بعد جهود مكثفة في الوصول إلى وقف لإطلاق النار يستند إلى القرار 1701، والذي تضمن شروطًا أكثر صرامة على حزب الله. لكنه أشار إلى أن الخروقات المتبادلة بين الطرفين جعلت من الاتفاق مجرد هدنة مؤقتة قد تصمد لبعض الوقت بناءً على التطورات أو تنهار بسرعة.
وأضاف علوش في تصريحات لـ"الدستور": “حتى إذا صمد هذا الاتفاق، فإن لبنان لا يزال أمامه طريق طويل لتحقيق الاستقرار. البداية تكون بانتخابات الرئاسة، مرورًا بتشكيل حكومة جديدة، ثم العمل على إعادة الإعمار والتعويضات”.
وأردف: "ولا يمكن إطلاق عجلة الاقتصاد وإصلاح البنية التحتية المتهالكة دون إصلاحات جوهرية شاملة، وكل ذلك يتطلب تفاهمات محلية وإقليمية واسعة".
أحمد حسن: وقف إطلاق النار هو "شبه اتفاق"
من جانبه اعتبر أحمد حسن، عضو القيادة وأمين الشؤون العربية في المؤتمر الشعبي اللبناني، إن ما نشهده ليس اتفاقًا كاملًا بل أقرب إلى "شبه اتفاق" لوقف الأعمال العدائية بشكل مؤقت. وأكد أن الحديث عن اتفاق وقف إطلاق نار مكتمل الأركان ليس دقيقًا، حيث تغيب الآليات الصلبة لتنفيذه.
وأشار إلى أن القرار الأممي رقم 1701 الصادر في عام 2006، والذي يجري الاعتماد عليه اليوم، لم يكن يتحدث عن وقف دائم لإطلاق النار.
وأوضح حسن في تصريحات خاصة، أن الوضع الحالي يشبه "هدنة هشة"، تعتمد على سلوك الأطراف، مشيرًا إلى أن إسرائيل أجبرت على قبول هذا التوقف المؤقت دون تحقيق أهدافها المعلنة، مثل القضاء على المقاومة أو التقدم البري إلى نهر الليطاني. وأضاف أن المقاومة اللبنانية نجحت في ردع التقدم الإسرائيلي وإفشال أهدافه العسكرية.
حسن أشار إلى وجود ضغوط دولية مكثفة على الأطراف لمنع انزلاق الأوضاع إلى حالة من الفوضى، مؤكدًا أن الفوضى لا تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة مع اقتراب تسلم إدارة الرئيس ترامب الجديدة.
كما أوضح أن المقاومة اللبنانية أرسلت رسائل واضحة عبر عملياتها الأخيرة، خاصة بعد تسجيل إسرائيل 52 خرقًا للاتفاق المؤقت. وأكد أن المقاومة رغم التزامها، ردّت على تلك الانتهاكات بعد تحذيرها للوسطاء الدوليين.
التحديات المقبلة ومعادلات الردع
وأضاف أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن حرية حركة إسرائيل فوق الأراضي اللبنانية تتناقض مع مواقف الحكومة اللبنانية والوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين. وأكد أن المقاومة أوضحت بشكل صارم أن أي تصعيد إسرائيلي سيقابل بمعادلات ردع صارمة، مشيرًا إلى احتمال استهداف المستوطنات الإسرائيلية مستقبلًا إذا لزم الأمر.
الوضع الإقليمي وتأثيراته
وختم تصريحه بالتأكيد على ترابط الساحات في المنطقة، موضحًا أن أي تطور في لبنان أو غزة أو سوريا سيؤثر بشكل مباشر على المشهد الإقليمي ككل. وحذر من هشاشة الوضع الراهن، مشيرًا إلى إمكانية اندلاع الحرب مجددًا في أي لحظة إذا استمرت الانتهاكات.
فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني جورج شاهين أن الإعلان عن وقف إطلاق النار في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، 27 نوفمبر الماضي، يمثل أكثر من مجرد هدنة، موضحًا أن المفاوضات التي سبقت هذا الإعلان تشير إلى تفاهم أوسع نطاقًا يهدف إلى تثبيت الأوضاع على الأرض.
الهدنة ليست هشة ولكنها محكومة بتوازنات دقيقة
أكد شاهين في تصريحات لـ"الدستور"، أن هذه الهدنة على الرغم من بعض الخروقات الإسرائيلية والردود المحدودة التي قام بها حزب الله، ليست معرضة لخطر كبير. فالقرار السياسي يبدو محسومًا لصالح الخيارات الدبلوماسية والسياسية، وهو ما ظهر من جهود الموفد الأمريكي في بيروت وتل أبيب لتحديد الموعد وتثبيت الهدنة.
وأشار إلى أن الوضع في لبنان مرتبط بشكل وثيق بما يحدث في سوريا، حيث تواجه إيران وحلفاؤها تحديات كبيرة على جبهتين: الأولى من الجانب الإسرائيلي في لبنان، والثانية من الجانب التركي في شمال سوريا.
وأوضح أن العمليات العسكرية التي تنفذها الفصائل المسلحة المدعومة بطائرات "بيرقدار" التركية تأتي بقرار تركي واضح، وتُظهر تنسيقًا غير مباشر مع المساعي الإسرائيلية ضد محور المقاومة.
وأضاف شاهين، أن الهدف الأساسي من العملية الإسرائيلية في لبنان كان القضاء على وجود حزب الله كأحد أهم أذرع إيران في المنطقة، مشيرًا إلى أن عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات الحزب كانت جزءًا من خطة أوسع.
ضبط الحدود اللبنانية السورية
وأكد شاهين، أن التحركات الحالية تُمهّد لحل يشمل ضبط الحدود اللبنانية السورية، خاصة مع الضغوط الإسرائيلية على النظام السوري لقطع الإمدادات عن حزب الله ومنع نقل الأسلحة المخزنة في سوريا.
ورأى أن هذا السيناريو يحظى بموافقة ضمنية من تركيا وروسيا على حد سواء، مع تركيز الجهود الدولية على تقليص النفوذ الإيراني إلى الحد الأدنى.
توازن هش ومستقبل غير محسوم
واختتم شاهين تصريحاته بالتأكيد على أن المشهد الحالي يحمل الكثير من التعقيدات، حيث تُدير القوى الإقليمية والدولية توازنات دقيقة، مشيرًا إلى أن أي تغيير في ديناميكيات هذه التوازنات قد يؤدي إلى مشهد مختلف تمامًا في المستقبل القريب.
خالد المعلم: فشل نتنياهو ومأزق الكيان الصهيوني
من جانبه، أكد خالد المعلم، أمين الإعلام في حزب الاتحاد اللبناني، أن الأصوات داخل الكيان الصهيوني تتزايد معتبرةً اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان هزيمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأضاف المعلم في تصريحات لـ"الدستور"، أن نتنياهو، الذي يعتمد سياسة "الهروب إلى الأمام"، رفض التوصل إلى هدنة مع حركة حماس في غزة، خشيةً من نتائج قد تؤدي إلى عودة المحتجزين أو فرض إملاءات عليه من قبل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
ضغوط أمريكية وإرهاق إسرائيلي
وأوضح المعلم أن الهدنة بين لبنان وإسرائيل جاءت نتيجة ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وإرهاق جيش الاحتلال، بالإضافة إلى اعتراضات مستوطني شمال إسرائيل. كما أشار إلى أن إسرائيل تدرك أنها فشلت في تحقيق أهدافها في لبنان، ما عزز القناعة الإسرائيلية بأن الحرب استُنزفت دون جدوى، وأن المقاومة اللبنانية لا تزال تمتلك اليد العليا على الأرض.
تحديات تطبيق الاتفاق
ورأى المعلم أن التحدي الأساسي يكمن في قدرة إسرائيل على تطبيق الاتفاق وتجنب حرب استنزاف طويلة. وأوضح أن المقاومة اللبنانية أبدت انضباطًا في عدم خرق الاتفاق، إلا أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تصعيد إسرائيلي.
خشية نتنياهو من انهيار حكومته
وأشار المعلم إلى أن نتنياهو يخشى انهيار حكومته الهشة وفقدان الدعم في معسكر اليمين، خاصةً مع اقتراب استئناف محاكمته بتهم فساد. وأضاف أن هذه المخاوف دفعت نتنياهو للترويج لانتصار وهمي على حزب الله، على الرغم من اعتراف الصحافة الإسرائيلية بعدم قدرة إسرائيل العسكرية والسياسية على القضاء على المقاومة اللبنانية.
مأزق سياسي وعسكري
اختتم المعلم بالإشارة إلى أن إسرائيل تعاني من مأزق سياسي وعسكري. فالاتفاق مع لبنان أظهر محدودية قدراتها العسكرية على القضاء على حزب الله، بينما التحديات على الجبهة الجنوبية مع غزة تجعل فكرة النصر المطلق أو الحلول العسكرية الشاملة غير واقعية، مؤكدًا أن المقاومة اللبنانية تراقب التطورات وتستعد لمواجهة أي خروقات إسرائيلية في المستقبل.
0 تعليق