فجع الوسط الثقافي في الجزائر، برحيل الكاتب المترجم، بوداود عمير ، والذي رحل أمس الإثنين، ببلدته العين الصفراء، إثر أزمة قلبية.
ونعي الكتاب والمثقفون الجزائريون، بوداود عمير، عبر حساباتهم الشخصية بالفيس بوك، وقال الكاتب سعيد خطيبي: "لست أتذكّر متى تعرّفت إلى بوداود. عام 2006 أو 2007، هناك أشخاص نشعر أننا نعرفهم منذ الأزل. فبعدما نشرت مقالًا عن إيزابيل إيبرهارت، اتّصل بي وحدّثني عن نيّته في ترجمة قصصها. كان مواظبًا في إرسال مقالاته إلى ملحق «الأثر»، واتّفقنا أن نلتقي في العين الصّفراء ونزور مقام إيبرهارت.
وتابع: صلت إلى العين الصّفراء في يوم بارد، من أيّام الشّتاء، كنا نتحايل على قسوة الطّقس بطبق (سبيسيال)، وأكواب الشّاي. في تلك الأيّام جمعتنا لقاءات مع مثقّفي البلدة، طالت ساعات: م. بوزرواطة، ع. ضيف الله، ب. لعرج، ومع فنّانين تشكيليين. زرنا مقام إيبرهارت وكذلك مرقد صافية كتّو. ثم زرنا خليفة بن عمارة في مكتبته. وخليفة بن عمارة كان مثقفا من طينة نادرة، موسوعيّ المعرفة، كتب في الأدب وفي التّاريخ.
وأضاف: بوداود كان في غاية البهجة عندما توصّلت إلى صور من أرشيف صافية كتّو وأرسلتها له. فقد أسّس مع أصدقائه جمعية تحمل اسمها. ثمّ رافقني في مجلة «نفحة»، التي كانت حلمًا لكننا من بلد لا يؤمن بالأحلام.
واختتم: كنّا نختلف في قضايا ونتّفق في أخرى، لكن الصّداقة أقوى من الخلافات، والصّداقة باتت نادرة في دنيا الثّقافة. حقّق بوداود بعضًا مما طمح إليه، في الكتابة والنّشر، وخاب ظنّه في أشياء أخرى وذلك حال الجميع. لكن من يعيش في بلدة نائية، مثل العين الصّفراء، فعليه أن يتحلّى بصبر أيوب. لأن الثّقافة في الجزائر يحتكرها المركز والمركز لا يلتفت إلى الأطراف. كنّا نتناقش في شؤون الكتب وأحداث الأفلام. والتقيت به آخر مرّة، جنب كاتدرائية Sacré-Cœur، طال الحديث كالعادة وضحكنا. وداعًا بوداود، أنت الذي خدمت الثّقافة في زمن الإحباط.
تجاوز القشور فاحتضنه الجوهر
من جانبها قالت الروائية ربيعة جلطي: "أبكاني رحيلُك المفاجئُ الصاعقُ صديقي العزيز المبدع بوداود عمير. وأنت المثقف الرصين حميد الأخلاق، دون تبجح ولا إدعاء، لم تكن طعّانا ولا لعّانا ولم تكتب أبدا ما تسبّ به أحدا، ولم تنبز بلقب ساخرا، ولم تشتم.وأنت المثقف الرصين، لم نقرأ لك شكوى، أو تذمرا، أو أسفا.
وتابعت: أنت المعلّم كريم العقل، والعارف بسحر الترجمة وأسرارها، بتواضع الشجر المحمَّل بالثمار، ترصد أهم ما يصدر في العالم من مواد أدبية وثقافية وعلميّة، تترجمها بحنكة ثم تنشرها -هكذا- بكرم حاتميّ خدمة لقرائك. نم هانئ الروح أيها المثقف العظيم، الهادئ، الرصين في زمن البهلوانيات والجوائز والتكريمات. رحمة الله على روحك الطيبة صديقي العزيز بوداود عميّر.
وقال الباحث “بشير خليفي”: خبر فجائعي وصَادم لا يخفف وطأته سوى الإيمان بقضاء الله وقدره؛ تمثل في رحيل مُفاجئ للصديق العزيز والأخ الحبيب والقريب بوداود عميّر؛ الكاتب، الباحث، القاص، المترجم والإنسان الشهم المهتم بعوالم الكتابة والإبداع في محليتها وعالميتها.
واستطرد: لم يَكُن بوداود يُعاني من أي مرض يُذكر، كان مُحبا للابتسامة ونشر الفرح حيثما حل وارتحل، نشيط ومُبهج ومُحب استثنائي لعوالم الثقافة في شقها الوطني والإنساني.
وأضاف: لقد دأب صديقي بوداود على مُمارسة الرياضة، كان مُحبا للمشي عارفا بقيمته على صعيد الجسد وبوصفه فرصة للتأمل... كان بحق مدرسة في المحبة والتسامح والنبل، ومدرسة في العلم أيضا الذي اكتسب مُجمله بعصامية مُنقطعة النظير.
من جهته، كتب الروائي أمين الزاوي، ناعيا بوداود عمير: وداعا أيها الصديق الصدوق.وداعا عمير أيها المثقف الهادئ، الصادق، العميق، الأصيل. كنت تحفر بإتقان نصوصك وبمثل ذلك كنت تزرع وتسقي أزهار بساتين علاقاتك الإنسانية مع المثقفين والكتاب بعيدا عن حسابات اللغة أو الجيل أو الجغرافيا.كنت المتعدد في وحدتك والصلب في هشاشتك الإبداعية. وداعا عمير وداعا صديقي.
خسارة فادحة للثقافة الجزائرية
وبدوره كتب المترجم السوري معاوية عبد المجيد: رحم الله الكاتب والمترجم الجزائري الكبير بوداود عمير. إنسان نبيل، ومثقف مطلع، وقارئ نهم، وشخص محترم. فقدت الجزائر، والعالم العربي كله، رجلا بكل هذه الصفات. رحمه الله وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
كما نعاه المترجم محمد بوطغان، لافتا إلي: بوداود عمير يرحل عن دنيانا الفانية..فاجعة مؤلمة وفقد موجع وخسارة فادحة للثقافة الجزائرية رحمك الله أيها النقي.
بينما نعاه الروائي الجزائري بشير مفتي متسائلا: لماذا يرحل الطيبون بسرعة؟ كأنهم متعجلون على الذهاب نحو الأبدية بينما يعيش الأوغاد بيننا لعمر طويل؟ خبر حزين حقا رحيل بوداود عمير الذي كانت صفحته الفايسبوكية أوكسجين ثقافي يومي لمن يحب القراءة ويعشق بإدمان الكتب...رحمك الله برحمته الواسعة.
وكتب الروائي عبد الرزاق بوكبة: بوداود عمير. الفنان الذي تجاوز القشور؛ فاحتضنه الجوهر لقد أعطانا دروسا حضارية، وانتقل إلى رحمة الله وعفوه وغفرانه.
وتابع: في ظلّ سلبية صارخة باتت تميّز حضور قطاع واسع من الكتّاب والمثقفين الجزائريّين، إذ يمكن أن يمرّ عام على أحدهم، فلا تجد له أثرا لا في الواقع ولا في المواقع، وإن وجد فهو أثر محدود أو مسموم أو منقول أو سطحي، التزم الكاتب والمترجم بوداود عمير، منذ سنوات، بحضور فيسبوكي يومي ودائم وثري، من غير أن يملّ أو يكلّ؛ بما حوّل حسابه إلى مدوّنة "مغذّية" أدبيا وثقافيا وفكريا وفنيا.
واستطرد: لقد ترجم مقالات وحوارات مهمة من المشهد الفرنكفوني. وقدم ملخصات لأهم ما يصدر فيه من كتب ومجلات. وأحال على ما كُتب وقيل عن الأحداث الثقافية الكبرى في العالم. ومنح معلوماتٍ ثرية عن صنّاعها وفاعليها.
واختتم: نأى بوداود عمير بنفسه وقلمه عن التشنجات بين اللغات والثقافات والمثقفين، فحضوره أدبي وإنساني صرف. بعيدا عن ذلك الحياد السلبي الذي يميز البعض. فقد كان يعطي رأيه في اتزان، ويعبر عن مواقفه من متغيرات السياسة والثقافة والفن والإعلام والاجتماع بحكمة وشفافية، بما يمنحك انطباعا بأن الرجل حر ونبيل ولا يرتبط بأجندة ما، غير أجندة المثقف الحر والنبيل.
0 تعليق