السياسات النقدية والائتمانية في مصر.. استراتيجيات لمواجهة التحديات الاقتصادية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شهدت السياسات النقدية والائتمانية في مصر عام 2024 تنفيذ عدد من الإصلاحات الرئيسية التي تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها البلاد في سياق الأزمات العالمية والتضخم المحلي. من أبرز هذه الإصلاحات، قرار البنك المركزي المصري بالسماح بتحديد سعر الصرف وفقًا لآليات السوق، مما أسهم في استقرار سوق الصرف الأجنبي، بالإضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى السيطرة على التضخم وتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.

وقال الدكتور عبد المنعم السيد الخبير الاقتصادي، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إن السياسات النقدية والائتمانية التي اتبعتها مصر في عام 2024 تُظهر توجهًا حاسمًا نحو الاستقرار الاقتصادي الكلي، بالرغم من الظروف الصعبة التي تواجهها البلاد. من خلال رفع أسعار الفائدة، توحيد سعر الصرف، وإطلاق المبادرات البنكية لدعم احتياطي النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الدعم الكبير للقطاعات الإنتاجية، تسعى الحكومة المصرية لتحقيق التوازن بين مواجهة التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي.

 1-توحيد سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة

وتابع الخبير الاقتصادي في تصريحات خاصة لـ “الدستور” أن التغيرات الحادة في سوق الصرف الأجنبي خلال العام 2024 أدت إلى عقد اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية في 6 مارس 2024، حيث قرر البنك المركزي السماح لسعر الصرف بأن يتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب في السوق. هذا القرار جاء في وقت كان فيه الطلب على الدولار الأمريكي في الأسواق المصرية قد تراكم بشكل كبير، ما أثر سلبًا على عمليات الاستيراد وعلى الاستقرار المالي. وبالتوازي مع قرار توحيد سعر الصرف، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار الفائدة بواقع 600 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإيداع لليلة واحدة إلى 27.25%، وسعر عائد الإقراض إلى 28.25%، بينما وصل سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى 27.75%. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم إلى 27.75%.

كما ساهم تشديد السياسة النقدية بشكل كبير في احتواء الضغوط التضخمية التي أرهقت الاقتصاد المصري نتيجة لارتفاع الأسعار عالميًا والمحلي، كما ساعدت هذه الإجراءات في تعزيز قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، رغم التحديات المستمرة.

2. المبادرات البنكية لتخفيف الضغط على النقد الأجنبي

في إطار مساعي البنك المركزي لمواجهة آثار هذه القرارات الصارمة على الاقتصاد المصري، اشار الخبير الاقتصادي، تم إطلاق عدد من المبادرات التي تهدف إلى تقليل الطلب على النقد الأجنبي. أبرز هذه المبادرات كانت شهادات الادخار الدولارية التي أطلقها بنك الأهلي وبنك مصر، والتي توفر عوائد سنوية تصل إلى 7% و9%، ويصرف العائد مقدمًا لمدة ثلاث سنوات، مما يجعلها من أعلى العوائد الدولارية في البنوك المصرية. هذه المبادرة لاقت إقبالًا كبيرًا من المواطنين والمستثمرين المحليين، ما ساعد في تعزيز الاحتياطيات النقدية بالعملة الصعبة.

بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مبادرة تيسير استيراد السيارات للمصريين المقيمين في الخارج، التي تضمنت إعفاء السيارات المستوردة من 70% من الرسوم الجمركية مقابل وديعة بالعملة الأجنبية يتم استيرادها بعد خمس سنوات بالجنيه المصري. كما شملت المبادرات الأخرى إعفاء استيراد الذهب من الضرائب والرسوم، وذلك في محاولة لضبط أسواق الذهب التي شهدت ارتفاعات قياسية في الأسعار، وبالتالي ساهمت هذه الإجراءات في تقليل الضغوط على سوق الصرف.

كذلك، أطلقت وزارة الإسكان مبادرة لطرح أراضٍ جديدة للمصريين المقيمين بالخارج، مع السماح لهم بالسداد بالدولار الأمريكي، وتقديم إعفاءات تصل إلى 10% من قيمة الأرض إذا تم السداد دفعة واحدة. هذا الإجراء جذب تحويلات مالية من الخارج، مما أسهم في تحسين الوضع النقدي في البلاد.

3. دعم القطاعات الإنتاجية وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار

بجانب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي، قال السيد، إن الدولة عملت على توفير دعم كبير للقطاعات الإنتاجية التي تأثرت بشكل مباشر من جراء رفع أسعار الفائدة. فقد تم تخصيص 17.5 مليار جنيه لمبادرة دعم سعر الفائدة في التسهيلات الائتمانية لأصحاب الأنشطة الإنتاجية، سواء كانت صناعية أو زراعية. الهدف من هذه المبادرة هو تخفيف أعباء التمويل على المستثمرين، وتهيئة بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمار المحلي والدولي، وتحفيز النشاط الإنتاجي الذي يعد من الركائز الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

كما تضمنت الموازنة العامة لعام 2024/2025 تخصيص 23 مليار جنيه لدعم الصادرات وتحفيز المستثمرين على توسيع أنشطتهم التصديرية، بما في ذلك توفير السيولة النقدية اللازمة للمصدرين، وتشجيع الشركات على التوسع في أسواق جديدة. كما تم تخصيص 1.5 مليار جنيه كحوافز للشركات المنضمة للبرنامج الوطني لصناعة السيارات، لدعم هذا القطاع الحيوي، بالإضافة إلى تخصيص 50 مليار جنيه لدعم قطاع السياحة، وزيادة الطاقة الفندقية، مما سيوفر المزيد من فرص العمل في هذا القطاع الحيوي.

4. تحقيق نمو في الاحتياطيات الدولية

من جانب آخر، أوضح الخبير الاقتصادي أن الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي شهدت نموًا ملحوظًا خلال عام 2024. وقد تمكنت الاحتياطيات من الارتفاع بشكل تدريجي ليصل صافي الاحتياطيات الدولية إلى حوالي 46.94 مليار دولار أمريكي بنهاية أكتوبر 2024، ثم إلى 46.95 مليار دولار بنهاية نوفمبر من نفس العام. جاء هذا النمو مدعومًا بشكل رئيسي باتفاق الحكومة المصرية مع شركائها الدوليين على صفقة رأس الحكمة، مما ساهم في تعزيز وضع الاحتياطيات الأجنبية وتقوية القدرة على مواجهة الضغوط الخارجية.

5. التوجهات المستقبلية للسياسات النقدية

تستمر الحكومة والبنك المركزي المصري في تعديل وتطوير سياساتها النقدية والائتمانية في ضوء المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية. وتعمل الحكومة على تعزيز الاستقرار النقدي من خلال اتخاذ مزيد من الخطوات لزيادة المرونة في التعامل مع تقلبات سوق الصرف وتوفير آليات فعالة للحفاظ على مستويات مناسبة من الاحتياطيات الأجنبية. كما ستستمر في تحسين بيئة الأعمال من خلال تسهيل الحصول على الائتمان ورفع كفاءة النظام المصرفي بشكل عام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق