أكدت سفيرة رومانيا لدى القاهرة أوليفيا تودرين، على أهمية الدبلوماسية المصرية في إحلال السلام في غزة ودعم إدخال المساعدات الغذائية والطبية إلى القطاع.
وشدد تودرين في حوار خاص مع "الدستور"، أن مصر تهدف أيضًا إلى إرساء الأساس لسلام أكثر استدامة، مؤكدة أن مصر واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لرومانيا في المنطقة، وإلى نص الحوار..
ما حجم المساعدات الإنسانية التي قدمتها رومانيا لقطاع غزة منذ بداية الحرب، وكيف يتم التنسيق مع الحكومة المصرية بشأن هذا الأمر؟
منذ بداية الصراع الأخير في غزة، شاركت رومانيا بشكل فعال في تقديم المساعدات الإنسانية لمن هم في حاجة إليها.
وشملت مساهمات رومانيا الإمدادات الطبية الحيوية والأغذية وغيرها من المواد الأساسية: 80 ألف دولار من المعدات والمنتجات الطبية المقدمة للمستشفى الميداني الأردني من قطاع غزة و230 طنًا من مختلف أنواع المنتجات والأغذية، بقيمة حوالي 1.5 مليون دولار، المقدمة للفلسطينيين في غزة.
وكيف يتم التنسيق مع مصر لإدخال المساعدات إلى غزة؟
في كل حالة، كان التنسيق مع مصر فعالًا، حيث لا تدير مصر اللوجستيات فحسب، بل تسهل أيضًا مرور المساعدات عبر أراضيها، وتضمن وصولها إلى من هم في أمس الحاجة إليها داخل غزة.
كما كانت الجهود الدبلوماسية المصرية حاسمة في التخفيف من جميع التحديات المتعلقة بعملية تقديم المساعدات الإنسانية. واسمحوا لي أن أؤكد لكم أن رومانيا تعترف وتقدر بشدة جهود مصر. وتعكس هذه الإجراءات التزامًا مشتركًا بالسلام والاستقرار وتخفيف المعاناة الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، نظل ملتزمين بمواصلة دعمنا والعمل بشكل وثيق مع مصر والشركاء الدوليين الآخرين من أجل توفير الإغاثة اللازمة للسكان المتضررين. وكما تعلمون، فإننا نؤيد بقوة في جميع المحافل الدولية وفي الاجتماعات الثنائية ذات الصلة وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن والوصول دون عوائق للمساعدات الإنسانية.
وأود أيضًا أن أذكر أن رومانيا نقلت 8 أطفال فلسطينيين، جميعهم حالات طبية، للعلاج في بلدي. كما نستضيف أفراد الأسرة المرافقين من أجل دعم عملية علاجهم وشفائهم.
كيف ترين الدور المصري في التوسط لإرساء الهدنة والتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة؟
تلعب مصر دورًا دبلوماسيًا أساسيًا في الشرق الأوسط، حيث تتمتع بمنظور فريد ومعرفة عميقة بالوضع. إن هذا يرجع إلى حد كبير إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي، والعلاقات التاريخية، ونهجها المتوازن في التعامل مع القضايا الإقليمية.
منذ اندلاع الصراع الحالي، رأينا مصر في طليعة الجهود الدولية للتفاوض على وقف إطلاق النار. وباستغلال علاقاتكم الدبلوماسية الطويلة الأمد مع جميع الأطراف المعنية، تمكنتم من التوسط في مناقشات معقدة وحساسة. وكانت المبادرات الدبلوماسية المصرية مفيدة في التوسط في الهدنة المؤقتة وتسهيل فترات التوقف الإنسانية، والتي سمحت بتسليم المساعدات التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة.
وعلاوة على ذلك، فإن جهود مصر لا تقتصر على حل الصراع على الفور، بل إنها تهدف أيضًا إلى إرساء الأساس لسلام أكثر استدامة. وتهدف الدبلوماسية المصرية إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع، والدعوة إلى سلام شامل ودائم في المنطقة على أساس حل الدولتين.
تقدر رومانيا بشدة مساهمات مصر في الاستقرار والسلام الإقليميين. إن جهود الوساطة المصرية ليست حاسمة فقط لوقف الأعمال العدائية على الفور، وإنقاذ أرواح المدنيين في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، بل وأيضًا من أجل السلام والأمن في المنطقة على المدى الطويل. إننا نعلم جميعًا أننا بحاجة إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، وكانت رومانيا ولا تزال مناصرة قوية لحل الدولتين، مع توفير كافة الضمانات اللازمة لكلا الجانبين.
إننا على استعداد لدعم مصر في هذه المساعي ونظل ملتزمين بالعمل معًا لتعزيز السلام والاستقرار ورفاهية جميع شعوب المنطقة.
هل من الممكن أن تحدثينا عن طبيعة العلاقات المصرية الرومانية؟
كانت العلاقات المصرية الرومانية قوية وديناميكية على الدوام. لقد مثلت التقارب الثقافي والصداقة بين بلدينا وشعبينا أساسًا قويًا لمشاركتنا الدبلوماسية. وأنا سعيد برؤية كل هذه الديناميكية الإيجابية في العمل خلال زيارتي لبلدكم الجميل.
بالعودة إلى علاقاتنا، فقد نظمنا مؤخرًا في بوخارست الدورة الرابعة للجنة الاقتصادية المشتركة، وكانت النتائج مشجعة للغاية. وتضمنت الوثائق التنفيذية الأربع التي تم توقيعها وفرص الأعمال التجارية في منتدى الأعمال صفقات جديدة في مجالات مثل الزراعة والنفط والغاز، ولكن أيضًا فرصًا جديدة مثل السياحة الطبية والبحث والابتكار والاتصال والبنية الأساسية. وحضر منتدى الأعمال على جانب اللجنة المشتركة حوالي 130 شركة. ومن بينها بعض الشركات المصرية الأكثر صلة مثل أوراسكوم والسويدي وإيجاس وتاون جاس. وقد شهدت تجارتنا الثنائية نموًا ثابتًا في السنوات الأخيرة، مما يعكس التعمق.
وماذا عن التعاون الاقتصادي بين البلدين؟
العلاقات الاقتصادية بين بلدينا تشهد تطورًا ملحوظًا. فقد بلغ حجم التجارة بين رومانيا ومصر إنجازًا كبيرًا، حيث تجاوز المليار دولار سنويًا، مما يجعل مصر واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لرومانيا في المنطقة.
تصدر رومانيا مجموعة واسعة من المنتجات إلى مصر، بما في ذلك الآلات والمعدات والسلع الصناعية، إلى جانب المنتجات الزراعية مثل القمح، الذي يظل سلعة تصديرية رئيسية ذات أهمية استراتيجية للحكومة المصرية. وفي المقابل، تصدر مصر سلعًا مثل الخضار والفواكه والمنسوجات والمواد الكيميائية، مما يساهم في إقامة علاقة تجارية متوازنة.
وتشمل القطاعات الرئيسية التي تقود شراكتنا الاقتصادية قطاع الطاقة، حيث شاركت الشركات الرومانية في العديد من المشاريع في مصر، وخاصة في مجال النفط والغاز. كما يظهر قطاعا البنية التحتية والبناء إمكانات لمزيد من التعاون، حيث تكمل الخبرة الرومانية في هذه المجالات مشاريع التنمية الجارية في مصر.
كما تجدر الإشارة إلى تدفقات الاستثمار بين البلدين. فقد أبدت الشركات الرومانية اهتمامها بالسوق المصرية، وخاصة في قطاعي الطاقة والبناء، في حين استكشف المستثمرون المصريون الفرص في رومانيا، وخاصة في مجال الزراعة والسياحة.
وعلى الصعيد الثقافي، تواصل علاقاتنا النمو، مع زيادة التبادلات في التعليم والعلوم والفنون، وهو ما يكمل شراكتنا الاقتصادية القوية. وأنا سعيد للغاية لأن برنامج زيارتي لمصر أعطاني الفرصة للقاء الدكتور هانو، وزير الثقافة.
وتتميز علاقاتنا الثنائية أيضًا بحوار سياسي قوي حيث يستمتع الجانبان بمناقشات معمقة حول الملفات السياسية الأكثر إلحاحًا في منطقتنا، ولكن أيضًا حول قضايا موضوعية مثل مكافحة الإرهاب والتنمية المستدامة.
باختصار، تشكل العلاقات المصرية الرومانية دليلًا على الصداقة الدائمة بين شعبينا والتزامنا المشترك بالتعاون عبر مجموعة واسعة من المجالات. وبينما نتطلع إلى المستقبل، تظل رومانيا ملتزمة بتعزيز هذه الشراكة، والبناء على علاقاتنا التاريخية لتحقيق المزيد من التعاون والمنفعة المتبادلة لكلا بلدينا.
اعترفت عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية. كيف سيؤثر الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية على مسار القضية بشكل عام؟
كانت رومانيا من بين أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية في عام 1988، كانت تدعو باستمرار إلى التوصل إلى تسوية سلمية تفاوضية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولكن في حين أن الاعتراف يشكل خطوة مهمة، فإنه ليس غاية في حد ذاته. بل لابد أن يكون مصحوبًا بجهود متضافرة لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات، بدعم من المجتمع الدولي. ويلعب الاتحاد الأوروبي، الذي تعد رومانيا عضوًا فيه، دورًا حاسمًا في هذه العملية من خلال تشجيع الحوار، وتقديم الوساطة، وتوفير الدعم الاقتصادي والسياسي لبناء الظروف اللازمة للسلام.
وبالتالي فإن الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية لديه القدرة على التأثير بشكل إيجابي على مسار القضية الفلسطينية من خلال تعزيز شرعية حقوق الشعب الفلسطيني وتشجيع الحل السلمي. وتظل رومانيا ملتزمة بتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وسنواصل دعم الجهود الرامية إلى تحقيق حل عادل ودائم يحترم حقوق وتطلعات الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
في رأيك.. ما الحل الأفضل لتحقيق السلام الدائم للشعب الفلسطيني؟
في رأيي، الحل الأفضل لتحقيق السلام الدائم للشعب الفلسطيني لا يزال يكمن في حل الدولتين المتفاوض عليه، والذي يستند إلى القانون الدولي ويدعمه المجتمع الدولي الأوسع. وفي هذه المعادلة، تلعب مصر دورًا حاسمًا لا غنى عنه. وباعتبارها زعيمة إقليمية تتمتع بروابط تاريخية قوية بالقضية الفلسطينية والعالم العربي الأوسع، عملت مصر باستمرار كوسيط في عملية السلام. والجهود الدبلوماسية التي تبذلها مصر، وخاصة قدرتها على تيسير الحوار بين الأطراف المتصارعة، تشكل أهمية حيوية في تهيئة الظروف اللازمة للمفاوضات الجادة. وقد أثبت دور مصر في التوسط في وقف إطلاق النار وبدء محادثات السلام مرارًا وتكرارًا التزامها بتحقيق حل عادل ودائم للصراع.
وتعتقد رومانيا أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار والتسوية والمشاركة النشطة من جانب المجتمع الدولي في دعم التسوية التفاوضية. وسوف نواصل الدعوة إلى حل عادل ودائم يضمن السلام والأمن والكرامة لجميع الأطراف المعنية.
0 تعليق