منذ عام 1967 وحتى ما بعد حرب أكتوبر 1973 كانت هناك العديد من السفن التي علقت في قناة السويس لمدة عشرة أعوام كاملة، حتى عادت القناة للملاحة، وأصدرت الكاتبة البريطانية كاث سينكر، كتابها حول هذا الأمر واسمه "العالقون في حرب الستة أيام"، وفيه تتطرق سينكر للسفن التي توقفت وكانت تحمل على متنها آلاف الركاب وطواقم البواخر..
احتاج كاتب مصري للبحث في هذه المسألة وعرف بالكتاب، لكنه عرف أيضًا أن الكاتبة أصدرت عددا من الكتب عن الحروب في مختلف دول العالم، والوحيدة التي كتبت عن البواخر التي توقفت واغلق عليها المجرى الملاحي في الحرب، لكنه عرف أيضًا أن الكاتبة أوقفت كل طبعاتها في أدب الحرب بعد أن اتجهت للكاتبة للطفل، ولم يتبق هناك أي كتاب سوى نسخة واحدة فقط من كتاب العالقون في حرب الأيام الستة، والذي عرض في مزاد وبيعت النسخة منه بما يقدر بـ 600 ألف جنيه مصري، وهنا تواصل الكاتب مع المؤلفة مباشرة فأرسلت إليه نسخة أصلية ووحيدة في الشرق الأوسط عن الكتاب.
العالقون في حرب الأيام الستة
يقول الكاتب والمؤلف أحمد جبريل: "علقت السفينة إيفر جيفن في قناة السويس في 13 مارس 2023، ما تسبب في اضطراب حركة التجاربة العالمية، وأصبحت السفينة العالقة حديث العالم بأسره في غضون ساعات، وأعاد هذا الحدث للأذهان حادثة تاريخية أخرى قلما يسلط عليها الضوء، وهي "الأسطول الأصفر".
تلك المجموعة من أربع عشرة سفينة حوصرت في البحيرة المرة الكبرى بقناة السويس لمدة ثماني سنوات كاملة بين عامي 1967 و1975، كنتيجة مباشرة لحرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل.
الأسطول الأصفر
ويضيف في تصريح خاص لـ"الدستور": "في محاولة لمعرفة المزيد عن تلك الحادثة المثيرة، بدأت رحلتي في البحث، وجدت معلومات سطحية، عدد السفن، جنسياتها، والقليل من التفاصيل الأخرى.
لكن هذا لم يشبع فضولي. كررت البحث مرات ومرات، حتى قادني الطريق الى الكاتبة البريطانية Cath Senker، كانت قد الفت كتابا بعنوان *Stranded in the Six-Day War*، والذي تناول القصة بتفاصيلها الدقيقة. المثير أن الكاتبة كشفت أنها اعتمدت في كتابتها على معلومات استقتها من جهات مخابراتية بريطانية وفرنسية، بحكم أن الدولتين كان لهما سفن عالقة في القناة.
كاث سينكر
ويتابع: "معرفتي بوجود الكتاب أشعلت لدي الرغبة في الحصول عليه، لكن رحلتي للحصول على نسخة منه لم تكن سهلة.. بدأ الأمر وكأن الكتاب اختفى من العالم.. النسخة الورقية الوحيدة التي وجدتها كانت تباع في مزاد علني بالسويد بقيمة خيالية بلغت 10 آلاف يورو، ما يعادل حوالي 600 ألف جنيه مصري.. شعرت بخيبة أمل كبيرة، كان الكتاب بعيد المنال".
ويكمل أحمد جبريل: "بعد مرور أربع سنوات من البحث، قررت التفكير بشكل مختلف.. بدلا من ملاحقة الكتاب، قررت ملاحقة الكاتبة نفسها، وعبر موقعها الشخصي، وجدت وسيلة للتواصل معها وأرسلت لها بريدا الكترونيا.. كتبت ببساطة "مرحبا، أنا مصري، قرأت عن كتابك الذي أثار اهتمامي.. بحثت عنه لسنوات دون جدوى.. أتمنى إذا كانت هناك طريقة للحصول على نسخة".
أحمد جبريل
يستطرد: "لم أفصح عن سعر النسخة الورقية، معتقدا انها ربما تعرف ذلك بالفعل.. المفاجأة الكبرى جاءت بعد ثماني دقائق فقط، عندما وصلني ردها.. أرفقت في رسالتها نسخة أصلية من الكتاب بصيغة PDF، مع طلب بسيط: "رجاء، إذا كان بإمكانك، تبرع لفلسطين".
ويتابع: "قرأت الكتاب بشغف، وذهلت من كمية التفاصيل التي ألقت الضوء على واحدة من أكثر الحوادث التاريخية غموضا، ومع كل صفحة قرأتها، كنت أفكر في وعدي لها. اليوم، قررت أن أوفي بوعدي بأسلوبي الخاص.. سأقيم مزادا لبيع النسخة التي بحوزتي، والتبرع بقيمتها لدعم فلسطين، تنفيذا لطلب الكاتبة النبيل.
واختتم: "هذه التجربة كانت أكثر من مجرد رحلة بحث عن كتاب؛ كانت درسا في الإنسانية والعطاء. الكاتبة لم تكن مضطرة لمساعدتي، لكنها فعلت. لم تطلب شيئا لنفسها، بل أرادت أن توجه هذا الفعل لخدمة قضية إنسانية. هكذا تكون المروءة، وهكذا تخلد الأفعال الصادقة.
0 تعليق