في حديث عظيم يُبرز قيمة الذكر وتأثيره في حياة المسلم، روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن موقف مع أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها، يكشف لنا جمال البساطة في التعبد، وعمق المعاني في كلمات الذكر.
قصة الحديث
خرج النبي ﷺ ذات يوم من عند السيدة جويرية رضي الله عنها، وهي جالسة في مُصلاها تذكر الله تعالى. وعندما عاد إليها بعد فترة طويلة، وجدها في نفس المكان، منشغلة بالذكر. فسألها النبي ﷺ: «لَمْ تَزَالِي فِي مُصَلَّاكِ هَذَا؟» فأجابت: نعم.
فقال لها النبي ﷺ: «قَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» [أخرجه أبو داود].
كنوز من الذكر في أربع كلمات
هذا الحديث يُظهر قيمة الأذكار التي أوصى بها النبي ﷺ. ففي كلمات قليلة، تكمن معانٍ عظيمة:
- "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ": جمع بين التنزيه والحمد، فالتسبيح يرفع الله عن أي نقص، والحمد يثني عليه بالكمال والجمال.
- "عَدَدَ خَلْقِهِ": ذكر لا ينتهي بعدد المخلوقات التي خلقها الله، ما يعكس اتساع ملكوته وعظمته.
- "وَرِضَا نَفْسِهِ": تسبيح بحجم رضى الله تعالى، وهو غاية يسعى إليها كل عبد مؤمن.
- "وَزِنَةَ عَرْشِهِ": تعظيم لله بقدر وزن عرشه الذي لا يعلم قدره إلا هو.
- "وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ": ذكر لا نهاية له، بحجم ما يمكن أن يكتبه المداد من كلمات الله التي لا تنفد.
الدروس المستفادة
- الذكر لا يرتبط بطول الوقت فقط، بل بحجم المعاني وقوة الإخلاص فيه.
- النبي ﷺ علّمنا أن هناك أذكارًا يمكن أن توازن أعمالًا كثيرة، وتفتح أبواب الخير.
- الذكر القليل بأثر كبير يعكس رحمة الله بعباده، وتيسيره لطريق القرب منه.
دعوة للذكر الدائم
لنحرص في يومنا على أن نردد هذه الأذكار التي تحمل في طياتها معاني العبودية، ونجعل أوقاتنا عامرة بذكر الله. فكما قال النبي ﷺ: «لأن أقولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، أحبُّ إليَّ مِن أنْ أحمِلَ سيفًا في سبيلِ اللَّهِ» [رواه مسلم].
0 تعليق