العَدُّ التنازلي لـ 27 يناير يتسارع... انسحاب إسرائيل من لبنان أو عودة الحرب!

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بقي 28 يوماً فقط على الموعد النهائي لانسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية التي احتلّتها إبان «حرب لبنان الثالثة»، التزاماً بمندرجات اتفاق وقف النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701، ما يجعل الأسابيعَ الأربعة المقبلة بالغة الأهمية في تحديد اتجاهات الريح في جنوب لبنان الذي يقف على مَشارف منعطف حرج.

وتساءلت مصادر مراقبة عما إذا كانت المقاومة في نيّتها استئناف العمليات العسكرية ضد المواقع الإسرائيلية بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً، إذا لم تنسحب تل أبيب من الأراضي المحتلة.

23 ديسمبر 2024

22 ديسمبر 2024

وفي مثل هذا السيناريو، سيزعم «حزب الله» أن لديه المشروعية الكاملة لشنّ هجمات داخل الأراضي اللبنانية، كمُدافِع عن السيادة الوطنية.

وما يزيد الوضع المتقلب بالفعل، التقاريرُ التي تفيد بوقوع أكثر من 1000 انتهاك إسرائيلي للهدنة، وقد وثّقها لبنان بدقة وقدّمها إلى لجنة الرقابة المكوّنة من خمسة أعضاء، والتي تضم ممثلين (ضباط) من الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل والأمم المتحدة.

وخلال فترة وقف النار، انخرطت إسرائيل في أعمال غير مبرَّرة، بما في ذلك تدمير قرى والتقدّم إلى مناطق إستراتيجية واستهداف مواقع رمزية مثل وادي الحجير. ولم تؤد هذه الأعمال إلى تفاقم التوترات فحسب، بل أيضاً إلى تقويض احتمالات التوصّل إلى هدنة مستدامة على طول الحدود بشكل كبير.

القرار 1701 والمواجهة الحالية

في 26 نوفمبر 2024، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداد حكومته للدخول في اتفاق لوقف النار مع لبنان، بعد شهرين ونيف من الصراع المكثّف مع «حزب الله». وأكد أن إنهاء الأعمال العدائية في لبنان من شأنه أن يُمكّن إسرائيل من تركيز جهودها على التهديدات الإقليمية الأخرى، لاسيما «حماس» في قطاع غزة، وجماعة «أنصارالله» في اليمن، وإيران.

وحذّر نتنياهو من أن مدة وقف النار ستَعتمد على التطورات في لبنان، قائلاً إن إسرائيل ستردّ «بالقوة على أي انتهاكٍ».

وقد واجهت لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق والقرار 1701 انتقادات بسبب عدم فعاليتها. ورغم تلقيها تقارير مفصّلة عن انتهاكات إسرائيل، إلا أنها فشلت في اتخاذ إجراءات ذات مغزى، ما أدى إلى تقويض الثقة بالآليات الدولية.

وحضّ الناطق باسم قوات «اليونيفيل» أندريا تيننتي أخيراً على ضبْط النفس، قائلاً إن «على جميع الأطراف احترام التزاماتها بموجب القرار 1701 لتجنب التصعيد غير الضروري».

وقد صُمم وقف الأعمال العدائية الحالي لإيجاد مساحةٍ للمفاوضات والحل السلمي وإنشاء آلية لتنفيذه. ومع ذلك، اتّهم لبنان و«حزب الله»، إسرائيل بأنها عوض أن تستخدم هذه الفترة للحديث عن حلّ الخلاف، عمدت إلى تعزيز موقفها ميدانياً، ودمّرت قرى وطرقاً، وحصّنت احتلالها على طول الحدود في القرى المحتلة حديثاً.

خسائر غير مسبوقة

لقد وجّهت حرب 2024 ضربةً مدمّرة لـ«حزب الله»، ما يمثل انحرافاً كبيرًا عن مرونته خلال صراع 2006. ففي الحرب التي اندلعت قبل 18 عاماً، لم يُقتل أو يُصَب أي من قادة الحزب من الصف الثاني. ومع ذلك، فإن حجم خسائر القيادة في 2024 يروي قصة مختلفة تماماً.

في أعلى التسلسل الهرمي للحزب، قُتلت أو أصيبت شخصيات رئيسية، بينها الأمين العام السيد حسن نصرالله، وهو رمز للتوجه الأيديولوجي والاستراتيجي. ويمثّل فقدانُه ضربةً هائلةً لقيادة المنظمة وقدرتها على إظهار القوة والتماسك وطمأنة بيئتها.

ومن الشخصيات البارزة الأخرى، هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي، وفؤاد شكر، رئيس غرفة العمليات والحرب، والشيخ نبيل قاووق، رئيس الأمن الوقائي.

وقد تم واقعياً القضاء على أكثر من نصف المجلس الجهادي، أعلى قيادة عسكرية للحزب، مع إصابة العديد من الأعضاء الآخَرين بجروح متفاوتة.

كما جرى القضاء على قيادة «قوات الرضوان» الخاصة ووحدات الصواريخ والمسيرات، ووُجّهت أيضاً ضربة قوية لمَرافق تخزين الأسلحة.

ودمرت الضربات مخزونات الحزب الإستراتيجية من الصواريخ في سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد وبعده. وهذا يؤكد التحديات التي يواجهها الحزب في إعادة بناء قدراته العسكرية في أعقاب الحرب، بدءاً من منع الاختراق الخطير لوحداته السرية، وإعادة بناء التسلسل القيادي، وصولاً إلى الحفاظ على الفعالية والعملياتية لمواجهة التحديات المستقبلية.

ومع ذلك، فإن القادة المستهدَفين لا يُعتبرون غير قابلين للاستبدال، حيث أظهر الحزب تاريخياً قدرته على التكيف وإعادة هيكلة آلياته الداخلية.

وما يبدو واضحاً أن الحزب قد لا يعمل بعد الآن بنفس الأهداف الإقليمية التوسعية التي حددت إستراتيجيته السابقة، ليحوّل تركيزه إلى الداخل ويتموْضع كحركة مقاومة محلية تركّز على إعادة بناء القدرات الرادعة. وتأتي هذه المعايرة الاستراتيجية مع تحديات كبيرة، خصوصاً في ضوء سقوط نظام الأسد ما عطّل شبكات الحزب اللوجستية والمالية التي كانت ذات يوم حاسمة لعملياته.

ليس مبالغة القول إن الحزب يصارع مشهداً متحوّلاً من الدعم، خصوصاً داخل لبنان وخارجه. وفي حين يظلّ كثيرون ثابتين على أيديولوجية المقاومة ويؤمنون بضرورة وجودها، إلا أن هناك شعوراً متزايداً بأن الثمن المدفوع لدعم غزة كان مرتفعاً بشكل مفرط.

ويقول المنتقدون داخل المجتمع المؤيّد للحزب، إن إسناد غزة ورغم أنه يتماشى أخلاقياً مع نصرة القضية الفلسطينية، فقد تَسَبَّبَ بتصاعد توترات مناهضة للحزب.

وانتقد العديد من الفلسطينيين الحزب لموافقته على الهدنة مع إسرائيل، واعتبروها خيانةً لغزة والقضية الفلسطينية، رغم التضحيات التي تحمّلها لبنان. وأدى الردُّ الاسرائيلي العنيف على إسناد «حزب الله» لغزة إلى تعميق الانقسامات داخل لبنان، حيث أعادت أجزاء من المجتمع الشيعي النظرَ في موقفها من الدعم الثابت للشعب الفلسطيني المَظلوم. ويتماشى هذا الشعور مع وجهاتِ نظرٍ إقليمية أوسع ترى ضرورة التعامل مع فلسطين باعتبارها قضية شرق أوسطية جَماعية، وليست مسؤولية لبنان أو اليمن أو إيران وحدها.

تمديد وقف النار

تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن حكومة نتنياهو تدرس تمديد وقف النار لمدة 20 أو 30 أو حتى 60 يوماً إضافياً. لكن من المتوقّع أن يرفض الحزب هذه الفكرة بشكل قاطع.

فخلال وقف النار، نفّذت إسرائيل تدميراً واسع النطاق للقرى والبنية التحتية، وسوّت المنازل بالأرض في المناطق الخاضعة لاحتلالها. وفي خطوةٍ استفزازية، تقدمت إلى مناطق لم تتمكن من الوصول إليها أثناء الحرب، مع التركيز في شكل خاص على وادي الحجير، على بعد نحو 8 كيلومترات شمال «الخط الأزرق» الذي رسمتْه الأمم المتحدة، والذي انسحبت منه في غضون ساعات.

وفي الوقت نفسه، تَكشف الصور المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي عن تطور جديد مثير للقلق: مستوطنون إسرائيليون يزرعون أرضاً لبنانية محتلة حديثاً في الجنوب، ويقيمون الخيام، ويؤدون طقوساً دينية.

وبحسب ما وَرَدَ، يزعم هؤلاء المستوطنون بأن الأرض جزء من «إسرائيل الكبرى»، ما يثير تساؤلات حول نيات تل أبيب والعواقب الأوسع نطاقاً على الاستقرار الإقليمي.

وبالنسبة للحزب، يُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها استمرار للعدوان تحت ستار هدنة. كما ينظر إلى التدمير والتقدم الإسرائيلي على أنه استفزازات متعمّدة لا تهدف فقط إلى تقويض السيادة اللبنانية، ولكنها رسالة ثقة موجّهة إلى سكان الشمال لطمأنتهم بشأن هيمنة تل أبيب واستعدادها لردع التهديدات، ليعودوا مُطْمَئنين إلى مستوطناتهم.

ويرى الحزب أن نية إسرائيل المزعومة لتمديد وقف النار هي تكتيك تأخير، مصمَّم للالتفاف على التزاماتها بموجب القرار 1701.

مع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب إسرائيل في 27 يناير 2025 بسرعة، فإن السؤال هل سيستأنف «حزب الله» العمليات العسكرية إذا لم تفِ إسرائيل بالانسحاب الكامل بحلول الموعد النهائي؟

وفي حين يظل التزامه بالمقاومة قوياً، فإن إستراتيجيته تَتَشكّل الآن من خلال الحاجة إلى الحفاظ على المشروعية المحلية.

ويعتقد الحزب إذا تجدّدت الحرب ورفضت إسرائيل الانسحاب، أنه سيحتفظ بدعم محلي أوسع لعمله العسكري، سواء من خلال الدبلوماسية أو المواجهة، وتالياً فإن الأسابيع المقبلة ستُحدّد إذا كان لبنان قادراً على استعادة أراضيه المحتلّة أم أن المنطقة ستنزلق إلى صراعٍ متجدّد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق