منذ عام 1613، كانت ولا تزال الكويت، دولة مبروكة، كما كان يُطلق عليها سكانها، وحكامها، وهي منذ ذلك الوقت موئل لكل راغب في العيش بسلام وهدوء، لهذا وفد إليه الناس من جهات الأرض الأربع.
كما أنها مرت طوال تلك القرون بأزمات ومشكلات، وأوبئة، إلا أنها كانت تتغلب عليها بفضل تعاضد أهلها، حتى حين كانت تعيش في الضنك، ومعتمدة على البحر وما يجود به، وقتها أن هذا الشعب المكافح، لم يكن يسأل عن الأصل والفصل، لأنه مؤمن أنه يعيش في بيئة متسامحة، الهم الأول لأهلها هو الأمان والاستقرار.
لذا، كل الذين وفدوا إلى هذه الأرض المباركة، إما جاؤوا على محمل أو سفينة، أو ناقة، ووجدوا حكاماً متسامحين، لا يظلمون أحداً، لهذا اجتاز أهلها المخاطر كافة بصلابة الوحدة التي صنعتها حنكة حكامها، وكذلك تآلف قلوب كل العائلات فيها.
لذا، يختزن تاريخ الكويت الكثير من الغزوات، والمشكلات، ومحاولات طمس هويتها، وكل ذلك لم يفتّ بعضد الكويتيين، حتى في الغزو العراقي، قاوموا بداية بأدوات بسيطة، وسجلوا ملاحم في هذا الشأن.
في كل هذا، لم يسأل أي مواطن عن أصله وفصله، وطائفته، وعائلته، أو مادة جنسيته، ولهذا تغلبوا على كل المصاعب، مستذكرين أنصارهم في الكويت، لأنهم على قناعة أن لا أحد يمكنه التفريق بين أهلها وحكامها، بل تراهم دائماً على قلب رجل واحد عند الملمات، لإيمانهم أن الكويت وطنهم النهائي.
في ظل هذا التاريخ، وبعد الوفرة المالية التي أنعم الله عليها، فإنها، ونسبة إلى مساحتها، يمكنها استيعاب ما يزيد على 15 مليون نسمة، وإذا كانت هناك إدارة حصيفة، مالية واقتصادية، يمكنها أن تحول كل هذا العدد قيمة مضافة في المشاريع والصناعة والاكتفاء الغذائي، وكذلك أن تزيد من قوة المجتمع عبر تنوعه الثقافي، كما كانت قبل الغزو، وحتى سنوات قليلة مضت، إذ تحولت رسالة ثقافية إلى العالم العربي، وقد تفوقت على حضارات عربية عدة.
لذلك، لن يضيرها إذا كان هناك مقيمون أكثر من أهلها، ولا متجنسون، فهنا علينا ملاحظة أن السعودية، وكذلك الإمارات وقطر، قد استفادت من ذلك بأن جعلت كل هؤلاء قيمة مضافة لاقتصادها ومجتمعها، ولم تُعِر الأمر أي اهتمام إذا كان عدد المقيمين أو المتجنسين أكثر من أهل البلاد الأصليين، لأنها تسعى إلى تعظيم ناتجها الوطني، وهذا ما تحتاج إليه الكويت، في هذه المرحلة التي تتنافس فيها الدول على بناء قوة ناعمة، اقتصادية وثقافية توظفها في سبيل رفاهية أهلها.
دائماً كان حكام الكويت، ونخبها، يقولون إن البركة تعمّ، فيما العزلة والشقاق المجتمعي يخصان، يهدمان أقوى الدول، لذا فإن في الكثير من الدول لا يُسأل المرء عن أصله، بل عمّا يقدمه للمجتمع، فمن حصل على الجنسية يصبح مواطناً، ويخدم الدولة، لذا ليست هناك تفرقة بين جنسية مادة أو أخرى، إنما المهم التزام القانون.
لم نرَ ذلك إلا في الكويت، ولا شك أن ذلك يؤثر على الاستقرار المجتمعي، أولاً، وثانياً على الاقتصاد، والأهم من ذلك على الولاء الوطني، الذي هو أساس وجود المجتمعات والدول القوية.
رغم ذلك، فإن هذا لا يمنع من محاسبة المزور، أو المزدوج، فهذا أمر ينافي القانون، ومن لا يلتزم به يُحاسب، كي لا تختلط الأمور، فأصبح الأمر فوضى.
لكن يبقى الأهم، وهو القناعة بما يمكن أن يجعل الكويت قادرة على تجاوز المأزق الاقتصادي والاجتماعي، وأن تبقى مبروكة، وفعّالة في محيطها، وبيئتها العربية.
كل هذا لا يمكن أن يتوافر إلا عبر إدارة اقتصادية واجتماعية سليمة، وحصيفة مدركة ماذا يفيد سكانها، ويرفع من القيم المضافة التي لديها فلا تفرط بها.
- أحمد الجارالله
0 تعليق