فى محبة أحمد عدوية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

برحيل أحمد عدوية فقدت الأغنية الشعبية صوتًا جميلًا شجيًا أحبه المصريون بعيدًا عن الغناء الرسمى الذى تبثه الإذاعة. نجح لأنه اختار لغة الأحياء الشعبية وإيقاعاتها وبداهتها، هو سليل مدرسة عظيمة تخرج فيها «محمد عبدالمطلب وعبدالعزيز محمود ومحمد رشدى، ومحمد العزبى وشفيق جلال ومحمد طه وعبده الإسكندرانى وفايد محمد فايد» وعشرات غيرهم، ولكنه لم يكن يشبه أحدًا منهم. هو اختار منطقة كان زعيمها عبده الدمرداش الذى قال المؤرخون إنه المؤسس لهذه الطريقة فى الغناء، ومن أوائل الذين اعتمدوا الموال على الطريقة التى ألفناها، وقد استلهم مشروعه كثيرون بينهم الأستاذ عبدالوهاب، خصوصًا فى قالب الموال.

ظهر عدوية فى لحظة قاسية على البلد، بعد نكسة يونيو، ونجح فى خلق حالة وجدانية صادقة بين العامة الذين وجدوا من يعبر عنهم، ويحاول أن يأخذ بيدهم إلى البهجة التى كان ينشدها الجميع.

هاجمه قطاع كبير من المثقفين والمفكرين الذين اعتقدوا أنه جاء ليهدم فنًا بأكمله إرضاءً لطبقة جديدة فرضت ذوقها على المجتمع، ولكنّ عددًا غير قليل من العقلاء انتبهوا لهذا الكنز الشعبى الذى يغرف من منطقة غنية فى الوجدان ودافعوا عنه، على رأسهم كان الأستاذ نجيب محفوظ، الذى قال فى أحد البرامج: «أحمد عدوية كان المطرب الأول هل الشعب بينافقه؟! ده رجل من الشعب يستعمل أساليب شعبية وألفاظ وصوت خشن لا يخلو من حلاوة»، وأيضًا دافع عنه مأمون الشناوى وسيد مكاوى وبليغ حمدى وكمال الطويل وهانى شنودة وحسن أبوالسعود ودعموه بإنتاجهم ونجحوا معه. عادل إمام بعد الحادثة الشهيرة التى تعرض لها قدم بنفسه الحفل الذى أقيم ابتهاجًا بعودته، الأستاذ عبدالوهاب كان يستدعيه فى منزله ليستمع إليه.

عدوية حالة مصرية فريدة، ارتبط بالأفراح وعبّر عن هموم الناس البسيطة بتلقائية وعفوية وبصوت قريب إلى القلب، صوت له رائحة التوابل التى تهل عليك فى حوارى القاهرة الفاطمية والأحياء العريقة، صوت صديق تأنس له وأنت مرتبك أو حزين، صوت يأخذك إلى المناطق التى لم تزرها من قبل فى أزمنة سابقة.

عدوية المولود سنة ١٩٤٥ فى المنيا لأب يتاجر فى المواشى وله أربعة عشر ابنًا، نجح فى التقاط روح القاهرة، ولمَ لا؟، فهو تعلم أصول الكار فى شارع محمد على، وتدرب صوته فى الموالد مع الصييته والمنشدين والمداحين والمقرئين، وتعلم الارتجال فى شارع الهرم والأفراح فى كل ربوع مصر، ومع هذا تعامل معه المتحذلقون الذين لا يؤمنون بالتنوع والاختلاف على أنه أفسد الذوق العام. عندما سُئل فى أحد البرامج عن هؤلاء فأجاب بفطرته النقية وببساطة: «هذا اتهام باطل، أنا مصرى وأحب بلدى، وكنت أفعل كل ما فى وسعى من أجل خدمتها، وأغنياتى كلها كانت من أجل مصر والمستمعين المصريين».

وتحدث عن أغنية «سلامتها أم حسن» قائلًا: اتهمنى البعض بأنها تسىء للذوق العام، المقصود بـ«أم حسن» فى الأغنية هى مصر، وكنا نرمز لحسن بأنه سيعود مرة أخرى ويتشافى من الحسد والمرض الذى أصابه، وهنا نقصد فترة الحروب والأزمات السياسية بعد النكسة، وأضاف: أنا لم أقدم أعمالًا هابطة، ولو كانت كذلك ما حققت كل هذا النجاح، فكل أغنية من تلك الأغانى كان لها معنى ومغزى، «السح الدح إمبو»، هى أغنية للأطفال، وكلمة السح معناها البكاء، والدح تعنى المرض، وإمبو مرادفها هو المياه، ولكن كنا نقول الكلمات باللغة العامية الدارجة لنا، ونفس الأمر بالنسبة لأغنية «كركشنجى»، التى يقول مطلعها «كركشنجى دبح كبشه يا محلى مرقة لحم كبشه»، فكلمة كركشنجى تعنى الجزار وكبشه مرادفها الخروف، أى أن الجزار ذبح الخروف والناس فرحانة بطعم لحمه».

كانت فرقة عدوية الموسيقية تضم مجموعة من أهم العازفين فى مصر، مثل سيد أبوشفة «ناى» وعبده داغر أهم عازف كمان فى العالم، سمير سرور عازف الساكس الذى صاحب عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، حسن أبوالسعود واحد من أهم عازفى الأوكورديون، ولحن له عددًا كبيرًا من الأغانى، وحسن أنور «إيقاع» عضو الفرقة الماسية الكبير، وسامى البابلى عازف الترومبيت الشهير.

كان يعرف أقدار الناس، ويسعى إلى الموهوبين ليستفيد من خبراتهم، لم يكن مشغولًا بالمنافسة، ودعم الذين جاءوا بعده وانتهجوا طريقته مثل عبدالباسط حمودة. كان، رحمة الله عليه، رجلًا بسيطًا ودودوًا محبًا للفن وللناس.. وفقده يعد خسارة كبيرة، لأنه كان يشير إلى نبع صاف فى الوجدان المصرى الحزين، لأن صوته كما قال عنه محمد عبدالوهاب «صوت ملىء باليتم»، وقال محمد الموجى «صوت فيه شقاء».

كان يعرف أقدار الناس ويسعى إلى الموهوبين ليستفيد من خبراتهم ولم يكن مشغولًا بالمنافسة ودعم الذين جاءوا بعده وانتهجوا طريقته مثل عبدالباسط حمودة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق