القطن المصرى والقطاع الخاص

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من بين المعلومات والأخبار العديدة التى أطلقها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، خلال متابعته الموقف التنفيذى للمشروع القومى لتطوير الغزل والنسيج، توقفت عند تأكيده أن كل ما نزرعه من القطن المصرى سنحتاجه لتطوير المصانع الجديدة.

مدبولى زار المحلة الكبرى قبل أيام بصحبة مجموعة من الوزراء والبرلمانيين، وافتتح المرحلة الأولى من «أكبر مصنع للغزل فى العالم»، وتحدث عن جدول زمنى لتوسعات أخرى فى المدينة وفى قلاع صناعية أخرى لإعادة صناعات الغزل والنسيج فى مصر إلى مجدها القديم.. وأن المشروع القومى لتطوير القطاع سينتهى فى ٢٠٢٦ ويتكلف ٥٦ مليار جنيه.

مجهود حكومى لا بد أن نشجعه وندعمه، ولكن ينبغى هنا أن نركز على عدة نقاط مهمة، أبرزها أن المساحات المزروعة بالقطن المصرى تتراجع بشكل ثابت.. زرعنا نحو ٢٦٠ ألف فدان قطن العام الماضى، بعد أن كنا نزرع مليون فدان أو أكثر من ذلك قبل ثلاثة عقود فقط.. هناك أزمات معروفة تواجه الفلاح المصرى بوجه عام، وفى زراعة القطن بشكل خاص. تكلفة زراعة القطن وتسميده ومقاومة الآفات، وصولًا لجَنْيِه، مكلفة جدًا. والحكومة ممثلة فى وزارة الزراعة شبه غائبة عن المشهد. كان هناك دعم ومساندة أفضل فى عهود سابقة، لكن اختفت هذه الممارسات الرسمية. لا وجود حقيقيًا للكيانات الإرشادية وعلى رأسها الجمعيات الزراعية، فيما انتشرت فروع البنوك الزراعية التى توسعت فى إقراض الفلاحين بنسب فائدة مرتفعة. ورغمًا عن ذلك فإن محصول القطن عاد للازدهار مؤخرًا. 

الأرقام شبه الرسمية تؤكد أن مصر أنتجت ١٫٨ مليار قنطار العام الماضى، بينها ٢٠٪ من الأصناف طويلة التيلة. وفى الأعوام الأخيرة ظهرت مشكلة أخرى تمثلت فى تراجع أسعار القطن فى البورصات العالمية، وتأثر القطن المصرى بذلك.. ولم يجد المزارعون من يشترى محصولهم بالأسعار العادلة، ثم باعوه بثمن أقل من المتوقع ولا يجازى ما أنفقوه.. «أعلى سعر للقنطار بلغ ١٠ آلاف جنيه وجه قبلى، و١٢ ألف جنيه وجه بحرى». 

تصريحات الدكتور مدبولى حول تصنيعنا كل إنتاجنا العام المقبل، وعدم لجوئنا لتصدير القطن بشكل خام، هو أول تفاعل حكومى عملى مع أزمة المحصول العام الماضى. أى أن المصانع الجديدة تحتاج كل الإنتاج المحلى. ونحن ننتظر تنفيذ هذا الوعد بشكل دقيق.

ومعلوم أن نسبة من المصانع المحلية تلجأ لاستيراد أصناف رخيصة من القطن من دول إفريقية وآسيوية، وتفضله على القطن المصرى.. الأغلى ثمنًا.

ومع تقديرى لكل جهد رسمى لإعادة الاعتبار لمدينة المحلة الكبرى ومجدها فى الغزل والنسيج، ينبغى أن تهتم الدولة أيضًا بدعم القطاع الخاص فى نفس القطاع. هو يعانى كثيرًا، بل إن بعض أصحاب المصانع يتوقعون تضييقًا أكثر وتغييبًا للتنافسية مع الانحياز الرسمى للمصانع العملاقة على شاكلة المصانع العملاقة فى المحلة.

عندى عشرات النماذج والقصص عن تعثر مصانع من القطاع الخاص لأسباب صغيرة جدًا غالبها كان يمكن علاجها.. لكننى أركز هنا على قصة موثقة سمعتها من أصحابها بشكل مباشر.. وهى عن وريث عائلة صناعية عريقة، شجعه جده، وكذلك أمه، على افتتاح مصنع كبير للغزل يعمل فى القطن المصرى طويل التيلة فقط. كان هذا الشاب يحرص على اختيار قناطير القطن الجيدة بنفسه من الفلاحين فى مزارعهم، واستورد معدات حديثة، ودرّب المهندسين والفنيين على أعمالهم مستعينًا بخبراء متميزين. ودارت العجلة فى المصنع الذى جرى بناؤه داخل منطقة صناعية كبرى. دعمته القيادة العليا حينها وكذلك باقى الجهات الحكومية.. وكان عند حسن ظن الجميع. توسع فى أعماله، واستعان بعمالة جديدة، وقام بالتصدير للخارج. كان هناك تهافت على ما ينتجه هذا المستثمر الشاب. فى ذهنه أنه يعيد الاعتبار للقطن المصرى طويل التيلة الذى كانت له سمعة عظيمة.. وليس مجرد استفادة مادية له ولعائلته.

وفجأة، ظهر وحش صناعى عملاق إلى جواره، تخصص فى نفس مجاله.. وهو إنتاج الغزول من القطن طويل التيلة.. وغابت التنافسية، بل تم التضييق على المستثمر الناجح حتى أفلس وأغلق مصنعه.. وترك مصر ليعيش فى الخارج! 

دعم أى صناعة، وفى مقدمتها الغزل والنسيج، ينطلق من تهيئة الأجواء لمصانع القطاع الخاص أو التابعة لقطاع الأعمال، وغيرهما من الجهات، بنفس الأسلوب لكى يعمل الجميع فى نفس الظروف. الحكومة تفعل العكس حاليًا بالانحياز للمصانع والكيانات المملوكة لها وللجهات الرسمية!

دعم أى صناعة وفى مقدمتها الغزل والنسيج ينطلق من تهيئة الأجواء لمصانع القطاع الخاص أو التابعة لقطاع الأعمال

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق