الجماعة.. الوجه الآخر للعلاقات الإنسانية!

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في طابورٍ بأحد متاجر التجزئة، وقف خمسة أشخاص، بلا أي تفاعل لفظي يُذكر سوى نظرات عابرة، منتظرين دورهم لدفع قيمة مشترياتهم. يبدو لديك عزيز القارئ أن هذا المشهد مألوف. ولكن، ماذا لو قلنا إن هناك خمسة أعضاء بمجلس إدارة في إحدى المنظمات؟ فجأةً، يتحول السياق، وتبدأ الديناميكيات البشرية المُعقدة في الظهور والعلاقات الإنسانية المُتشابكة في الحضور. رغم أن الأشخاص الذين يقفون متقاربين في الطابور، وجماعة الأشخاص الذين يجلسون متقاربين في اجتماع مجلس الإدارة، متشابهون ظاهريًا؛ إلا أن بينهم اختلافات جوهريًا. فدعونا نعيد التفكير في مفهوم الجماعة من منظور آخر لنفهمه بشكل علمي وعملي صحيح.

تُعرَّف كُتب علم الإدارة الجماعة بأنها: تَجَمُّع من اثنين أو أكثر من الأشخاص يتفاعلون مع بعضهم، ويتشاركون أهدافًا محددة، ويمتلكون هيكلاً تنظيميًا واضحًا، ويعتبرون أنفسهم جماعة واحدة. من هذا التعريف يمكننا النظر إلى الجماعة من عدسة غير تقليدية، ونستنتج منه خصائص الجماعة، والتي منها: 1. أن الحد الأدنى لتكوين الجماعة هو اثنين (مثل: شريكا عمل، والزوجان). 2. أن يكون بين أعضاء الجماعة تفاعل اجتماعي سواء بالكلمات (مثل: مناقشة الأهداف) أو بالإيماءات (مثل: تبادل الابتسامات)، وهذا التفاعل يُؤثر في الأعضاء ويجعلهم يؤثرون بدورهم على الآخرين؛ كما يكون بينهم ترابط، أي تكاتف لتحقيق أهداف مشتركة. 3. يسعون إلى تحقيق أهداف محددة أو اهتمامات مشتركة أو طموحات موحّدة، ويعملون بشكل منسق لتحقيقها. 4. أن تكون الجماعة مستقرة نسبيًا عن طريق هيكل تنظيمي وعلاقات واضحة تربط بين أعضاء الجماعة، بحيث يعرف كل عضو في الجماعة مكانته ودوره وعلاقته بالآخرين، فلا تتغير أدوار الأعضاء بشكل متكرر ولا يتغير الأعضاء أنفسهم بشكل مستمر. 5. أن ينظر أعضاء الجماعة إلى أنفسهم باعتبارهم جزءًا من كيان كبير (أي المنظمة)، ويميزون أنفسهم عن الآخرين.

ربما الآن قد اتضح لديك مفهوم الجماعة بشكل دقيق، دعونا نتأمل بعمق في تلك الخصائص ونطرح هذا التساؤل على أنفسنا: هل أنت فعلًا ضمن جماعة حقيقية أم أنت كأنك في «وهم الجماعة»، كحال «طابور الدفع»؟ يجيب علماء الإدارة ورجال الأعمال الممارسون بأنه ليس كل تَجَمّع لعدد قليل أو كثير من الأشخاص يُسمى جماعة، بل إن من أهم وأصعب خصائص الجماعة التي يجب أن تكون في الجماعة لتحقق فاعليتها هي: توحيد الأهداف التي يسعون لتحقيقها، والتفاعل الاجتماعي بين الأعضاء، والإدراك الذاتي للانتماء للجماعة؛ ومن أشهر الأمثلة الواقعية التي من المفترض أنها تُطبق هذه الخصائص الهامة، هي: مجالس إدارة، والفرق الرياضية، والأعمال التطوعية. فإذا كان هناك اختلاف في تحديد أهداف المنظمة بين أعضاء مجلس إدارة لمنظمة ما، مثل أن منهم من يُقدّم مصلحة المنظمة والجماعة على مصلحته الشخصية أو مصلحة الفرد، ومنهم من يقوم بعكس ذلك، فإن هذا الاختلاف يؤدي إلى وجود «وهم الجماعة»، ويُصبح مجلس الإدارة شكلًا ودوره يصبح قليل الفاعلية.

تلخيصًا لما سبق، الجماعة ليست مجرد تجمع أفراد، بل هي كيان حيّ يتفاعل أعضاؤه بشكل مُؤثر ومترابط، لديهم أهداف مشتركة، ومُشكّلين هوية جماعية تُعزز لديهم الشعور بالانتماء. ومن أكثر خصائص الجماعة صعوبة في تحقيقها: توحيد الأهداف، والتفاعل الاجتماعي، والانتماء للجماعة. أخيرًا، لنبدأ في إعادة النظر في مفهوم بناء الجماعات واضعين تلك الخصائص في الاعتبار، لتتم الاستفادة القصوى من دور الجماعة الحقيقي. فتحقيق رؤية المملكة 2030 يتم من خلال تشكيل جماعات عمل حقيقية تعرف أهدافها المحددة وتدرك مسؤولياتها المشتركة. فلنعمل في منظماتنا على بناء جماعات فعّالة، تُحقق للمنظمة أهدافها، وتكوّن نموذجًا عالميًا لتشكيل الجماعات تقتدي به المنظمات في دول العالم.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق