التزييف العميق

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وددت فى الساعات الأولى للعام الجديد أن أتوقف عند مسألة أراها مهمة من وجهة نظرى لما تمثله من شاغل كبير لقطاع عريض من البشر حول العالم, وهى مواقع التواصل الاجتماعى أو ما اصطلح على تسميتها بالإعلام الجديد وما لها من مزايا ومخاطر, فلا أحد يختلف حول ما أحدثته التكنولوجيا الجديدة فى مجال تداول ونقل المعلومات من طفرة نوعية فى مجال الإعلام ككل, ولا أحد يختلف أيضا على أن الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعى وما يقدم فيها بات ضرورة ملحة لصناع السياسات والقرارات لكونها أداة جديدة وواسعة الاستخدام، ونوعًا من الصحافة المتجددة, ومهما اختلفنا حول وسائل التواصل الاجتماعى يظل لها فوائد مثل سرعة تداول المعلومات والحصول عليها، والتفاعل المباشر مع الجمهور العريض فى الفضاء الإلكترونى الفسيح، وما لهذا من فوائد عظيمة إذا أُحسن استخدامها, لكن ورغم كل هذه الفوائد هناك مخاطر جسيمة لهذه التقنيات إذا لم نتعامل معها بوعى ويقظة وتدقيق, حيث بات الإعلام فى أشكاله المستحدثة أحد أبرز وأهم وأخطر الأسلحة المستخدمة فى الصراعات السياسية بين الدول, وثبت بالأدلة القاطعة استخدامها لاستهداف المجتمعات والدول من الداخل، من خلال بث السموم وزرع الفتن وزعزعة الثقة ونشر الشائعات المغرضة وصولا إلى مخطط الفوضى الذى يستهدف تآكل المجتمعات من الداخل, فالجماعات المتطرفة حول العالم نجحت خلال العشريتين الأولى والثانية من القرن الحادى والعشرين فى استخدام هذه المنصات بكثرة، حيث أصبحت واجهتها الإعلامية، وخصصت أجهزة مستقلة لإدارتها وترويج أفكارها، كانت بلا شك منفتحة على غرف الاستخبارات فى العالم, وليس خافيا أيضا أن التنظيمات المتطرفة والفاعلين السياسيين من دون الدول فى العالم استخدمت وسائل التواصل الاجتماعى فى تجنيد عناصر جدد وفى التجييش لأفكار معينة وفى الترهيب, ليس ببعيد ما كان يطرح قبل عشر سنوات مثلا من فيديوهات لقطع رؤوس وحرق وجلد, وكانت هذه الفيديوهات مصورة بتقنيات عالية وبأسلوب احترافى قبل أن تبث على مواقع بعينها وتتلقفها أيادى المتعاونين مع تلك التنظيمات على مواقع التواصل الاجتماعى لبث الرعب فى نفوس الناس, وكان هذا المحتوى ينشر على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعى، مع توفير إمكانية الحصول عليه مجانًا من مواقع عديدة، مما يجعل من الصعب على الرقابة منعه, بل إن محاولات المنع قد تُستخدم أحيانًا كوسيلة للترويج لتلك الأفكار القاتلة.

< ما زاد من خطورة هذه المنصات الآن هو مواكبتها لأحدث التقنيات فى مجال الذكاء الاصطناعى والتزييف الاحترافى المتقن لدرجة يصعب معها كشف هذا التزييف والذى يعرف ب» التزييف العميق», وتجاوز الأمر مجرد تقليد صوت أو تركيب صورة بالطرق البدائية, فالآن من الممكن أن يتم تحرير فيديو كامل صوتا وصورة لشخص غير موجود فى الواقع أو هو الآن فى عداد الأموات! أو تحرير فيديو لشخص موجود بالفعل بهدف توريطه فى جريمة أو إدخاله فى قصة مفبركة لا أساس لها من الصحة!, فبضغطة ذر واحدة الآن تستطيع مشاهدة فيديوهات لأشخاص معروفين أو غير معروفين يعترفون بجرائم لم يرتكبونها فى الواقع! وهؤلاء بالقطع ليسوا هم الأشخاص الحقيقيين ولكنهم نسخا صنعها الذكاء الاصطناعى بتقنية «الديب فيك»!, ولا تستعجب مثلا أن يعلن الزعيم الفلانى «رحمه الله»! أوالقائد العلانى الذى توفى أو قتل فى حادثة شهيرة أنه لا يزال على قيد الحياة فى مكان مجهول وسيظهر للعلن فى القريب وينتفم. 

< الشاهد، أننا الآن بين يدى التكنولوجيا بكل جبروتها وهذا ليس اختيارنا ولكننا وجدنا أنفسنا موجودين فى هذا العالم بفعل التطور الذى يحدث فى المجتمعات, السؤال الآن وما الحل؟ فى رأيى أنه بجانب ضرورة التحلى بالوعى والتدقيق وتوخى الحذر ومراجعة أكثر من مصدر للمعلومة الواحدة التى نحصل عليها من مواقع التواصل الاجتماعى مع مراعاة اختلاف توجهات هذه المصادر وتنوعها, يستوجب على الجهات الرسمية التى يتم استهدافها بالقصص المفبركة والشائغات عبر مواقع التواصل الاجتماعى أن تتعامل هى الأخرى باحترافية مع هذه المواقع وتطور من مواقعها الإلكترونية باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى، بهدف مواكبة التقدم فى هذا المجال المهم, مع إعداد محتوى جيد ومناسب يجيب عن تساؤلات الناس فى مختلف المجالات,على أن تتضافر الجهود من أجل محاربة الكذب المتقن عبر «السوشيال ميديا», خاصة وأن الكذب بات صناعة رائجة فى هذا المجال.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق