أكدت الدكتورة منى أبو طالب، أستاذ مساعد بمعهد التخطيط القومي، في تصريحات لها حول التغيرات المناخية أن "التحديات الناجمة عن تغير المناخ أصبحت أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة، حيث تزايدت تأثيرات الظواهر المناخية السلبية مثل التصحر وغرق الشواطئ، وهو ما يهدد الأرواح والممتلكات والبيئة الطبيعية".
وأضافت أبو طالب: "في مصر، تقدر الخسائر والأضرار البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية حتى عام 2100 بنحو 482.3 مليار دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات دراسة أجرتها في 2023"، وتابعت: "هذا بالإضافة إلى أن الكوارث المناخية غالبًا ما تؤثر على أقل المساهمين في انبعاثات الغازات الدفيئة والأقل قدرة مالية على التكيف".
سوق الكربون فى مصر
جاء ذلك فى إطار مناقشة معهد التخطيط القومي، دراسة تحليلية تناولت إطار عمل سوق الكربون في مصر، والتي أكدت على ضرورة إيجاد آليات عمل فعّالة للسوق المحلي، وأضافت أبو طالب: "تستهدف هذه الدراسة تقديم إطار ديناميكي لتفعيل السوق، يشمل الأطراف الرئيسية الفاعلة وكيفية تكاملها بما يعزز من استمرارية السوق وفاعليته".
وأشارت الدكتورة منى إلى أن الدول بدأت في السعي إلى إيجاد بدائل تمويلية لبرامج التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من الانبعاثات، وفي هذا السياق، "زادت تعهدات الشركات والمنظمات بين عامي 2020 و2022 للمساعدة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بهدف الوصول إلى الحياد الكربوني"، وأوضحت أبو طالب: "لكن هذه التعهدات تحتاج إلى آليات محفزة لإسراع الوصول إلى هذا الهدف، والتغلب على المعوقات التي تواجه المنظمات التي تهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية، خاصة وأن عدد الشركات التي لديها تعهدات صافية صفرية قد تضاعف من 500 شركة في عام 2019 إلى أكثر من 1000 شركة في عام 2020.
آليات تفعيل سوق الكربون
وفي سياق مقارن مع الأسواق العالمية، قالت أبو طالب: "شهدت أسواق الكربون تطورًا ملحوظًا، حيث تم إصدار 353 طنا متريا من أرصدة الكربون في عام 2021، بزيادة كبيرة مقارنة بالعام 2020، كما تجاوزت قيمة إصدارات أسواق الكربون الطوعية مليار دولار في نفس العام"، وأكدت أن "الطلب على أرصدة الكربون قد يزداد بعامل 15 بحلول عام 2030، وقد يصل إلى 100 بحلول عام 2050 ، وبشكل عام يمكن أن تزيد قيمة سوق ائتمانات الكربون عن 50 مليار دولار فى عام 2030.
حجم السوق المصري المتوقع
وحول حجم السوق المحلي، أشارت الدكتورة منى إلى أنه "تقدر الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ المساهمات المحددة وطنيا لمصر حتى عام 2030 بحد أدنى 246 مليار دولار أمريكي، منها 196 مليار دولار لتدخلات التخفيف و50 مليار دولار لتدخلات التكيف، وهي حاجة ملحة تمثل تحديًا رئيسيًا لمصر في سبيل تنفيذ برامج التكيف والحد من الانبعاثات".
وأوضحت أن سوق الكربون في مصر يمكن أن يسهم بشكل كبير في سد جزء من هذه الفجوة التمويلية عبر تشجيع القطاع الخاص والشركات على المشاركة الطوعية في تمويل مشروعات الحد من الانبعاثات، كما سيتم تداول أرصدة الكربون من خلال شهادات تمثل طنًا متريًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون الذي يتم تجنب انبعاثه أو إزالته من الغلاف الجوي.
أول معيار مصري لشهادات خفض الكربون
كما ناقش معهد التخطيط القومي في دراسته تجربة مصر في إصدار أول معيار مصري لشهادات خفض الكربون، حيث تعد هذه الخطوة من بين المبادرات الأولى من نوعها في المنطقة، وقالت أبو طالب: "تعمل مصر على إنشاء أول سوق للكربون في البورصة المصرية، وهو ما يجعلها أول دولة أفريقية تطلق هذا النوع من السوق، وذلك ضمن استعداداتها لمؤتمر المناخ COP27 الذي عقد في نوفمبر 2022 بشرم الشيخ".
التحديات والفرص في السوق المحلي
تطرقت الدراسة أيضًا إلى الفرص والتحديات التي قد تواجه سوق الكربون المصري، حيث يُتوقع أن يسهم السوق في تمويل مشروعات إزالة الكربون وتحقيق انبعاثات سلبية، وهو ما سيكون ضروريًا في حالات مثل صناعة الأسمنت وغيرها من الصناعات التي تشهد انبعاثات كبيرة، كما أن السوق سيمكن الشركات من دعم إزالة انبعاثات الكربون بما يتجاوز بصمتها الكربونية، وبالتالي تسريع الانتقال نحو مستقبل منخفض الكربون.
وأكدت الدكتورة منى أبو طالب على ضرورة الإسراع في تفعيل سوق الكربون في مصر، بما يساهم في تحقيق الأهداف الوطنية لمكافحة التغير المناخي ويجذب الاستثمارات اللازمة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وقالت: "من خلال العمل الجاد على تفعيل هذا السوق، يمكن لمصر أن تلعب دورًا رياديًا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في مجال التمويل الأخضر".
0 تعليق