عبدالله عبيد لـ «عكاظ»: عشرات الشعراء يتناسخون النصّ ذاته !

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تقاذفت أمواج الكتابة الشاعر والروائي والمترجم اليمني عبدالله عبيد، المولود في مدينة جيزان؛ التي غادرها إلى صنعاء عام 2008 وعاد إليها في 2011، ذهب إلى صنعاء -كما قال- وهو يضع خطواته الأولى في تجربته الشعرية، وعاد منها بديوانه الأول «كطير... ما»؛ الذي فاز بجائزة المقالح في الشعر عام 2011م.

لعبدالله عبيد دواوين شعرية وكتب عمل على ترجمتها، ورواية يتيمة وحضور في مناسبات ثقافية مختلفة داخل السعودية وخارجها، يجد نفسه في الشعر أكثر.

في هذا الحوار ندخل إلى عالم عبدالله عبيد في الكتابة والثقافة، نحاوره في شعراء اليمن اليوم، وفي ذكرياته في مسقط رأسه جازان، وعن المشهد الثقافي في اليمن، وعن المبدعين اليمنيين الذين يعيشون في الخارج، وعن تجارب كثيرة في حياة ضيفنا.. فإلى نصّ الحوار:

• رحلتك مع الأدب.. كيف بدأت؟

•• في الحقيقة، يصعب علي القبض على اللحظة الأولى التي تورطتُ بها في فعل الكتابة، لكنني أتذكر أنني سحرتُ بكتاب (نوادر أشعب) ولعلي أدركتُ بطريقة ما، ما يمكن أن تحويه كتب الأدب من سحر وفي نفس الفترة تعثرتُ بالـ(شوقيات) المعدة للأطفال وسحرتني تلك الأبيات أو سحرتْ ذلك الطفل الذي كنتهُ، وفي المرحلة المتوسطة إلى بداية الثانوية كنتُ مفتوناً بنزار قباني وأحاول تقليده على استحياء شديد، ولعلي أتذكر أنني فتنت بتلك الأبيات التي يمكن قراءتها من الجهتين ذماً ومدحاً، ومن حينها تقاذفتني أمواج الكتابة.

• المكتبة في حياة عبدالله عبيد، حدثنا عن علاقتك بها.

•• أذكر أنني نشأت على مكتبة العائلة؛ وهي مكتبة بسيطة جدّاً تحوي عدداً من المتون الدينية والكتب التي لا يكاد يخلو منها بيت آنذاك، وورثتُ تلك المكتبة فيما بعد، لكنني وفي لحظة سفري إلى صنعاء شكّلت مكتبة لا بأس بها، وكانت تحوي كتباً نادرة فقدتها بطريقة تراجيدية جعلتني أحاول تعويض ذلك بالقراءة الإلكترونية، وحالياً لي مكتبة صغيرة في منزلي بمدينة جدة حيث أقيم، ألوذ بها من عتمة هذا العالم.

• ما بين ولادتك في السعودية وعودتك لليمن بعد إتمام الدراسة الثانوية وعودتك للسعودية مستقرّاً فيها إلى اليوم.. كيف تصف لنا هذه الرحلة؟

•• ذهبت لصنعاء عام 2008 وعدت منها في 2011، ذهبتُ إليها وأنا أضع خطواتي الأولى في تجربتي الشعرية، وعدتُ منها بديواني الأول «كطير.. ما» الذي حاز على جائزة المقالح فرع الشعر عام 2011.

كانت تلك السنوات في صنعاء بمثابة ميلاد جديد لي ككاتب، إذ تعلمت أن أستمع لصوتي الداخلي وأتفاعل مع إرث ثقافي غني لا مثيل له.

أزعم أنني ولدتُ ثقافياً في تلك الأعوام التي قضيتها في تلك المدينة التي لم تعد موجودة اليوم.

• الشعر اليمني الذي أنجب البردوني والمقالح.. هل يعيش اليوم في مأزق؟

•• أزعم أن المشهد الثقافي اليمني ككل يعيش في مأزق كبير، وهذا ينعكس على الشعر؛ فبعد جيل البردوني والمقالح، نجد أسماء مهمة مثل عبدالودود سيف، ومحمد حسين هيثم، وعبداللطيف الربيع، وأحمد العواضي وغيرهم كانوا نتاجاً بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر لتلك الاختراقات التي قام بها كلٌّ من المقالح والبردوني لينتج بعدهم أيضاً جيل آخر هو ما يعرف بموجة شعراء التسعينيات الذين انفتحوا على (القصيدة الأجد) وكتبوا نصوصاً بلا ذاكرة، نصوصاً استجابوا فيها لمعطيات واقعهم المعاش وشكلوا تجارب هائلة اكتشفتها فيما بعد أثناء إقامتي في صنعاء. لكن المشهد اليوم لا نجد فيه ما يحيل إلى هذا الكلام الذي يقارب التصور المثالي، فإننا نجد العشرات من الشعراء يتناسخون النص ذاته، ويقدمون لنا تصوراً مقيتاً للقصيدة اليمنية. ويندر مؤخراً أن تقرأ شعراً يمنياً مدهشاً، فلا شعرهم يقدم تجربة مختلفة ولا هو يضيف لما قيل على الأقل على مستوى الشعر اليمني، وأعتقد أن المشهد اليمني اليوم يعاني من غياب الأصالة والتجديد، مما جعل الكثير من النصوص تفتقر إلى الروح والوهج. يحتاج هذا المشهد إلى حركة نقدية وإبداعية تعيد للشعر فيه مكانته.

• المبدعون اليمنيون الذين يعيشون اليوم في الخارج... كيف يُنْظر إلى إبداعهم في الداخل اليمني؟

•• المشهد اليمني مشهد متنكر بطبيعة الحال لمبدعيه وكل ما حققه المبدعون اليمنيون هو نتاج عملهم على أنفسهم، هناك تفاوت في الحديث عن المبدعين اليمنيين الذين يقيمون في الخارج. من ولد ويقيم في الخارج فهذا لا يعترف به تقريباً، ولا يُعد له أي اعتبار، أما من كان يقيم في اليمن واضطرته الحياة ليعيش في الخارج فإنه من النادر أن يسلم من سهام بني جلدته. أنا على سبيل المثال لا أذكر لا بالسلب ولا بالإيجاب، وليست هذه دعوى لذكري، ولكن هذا هو واقع الحال، وغيري الكثير ممن يشاركونني الأمر ذاته.

• مجلة غيمان.. حدثنا عن تأثيرها في حياتك الأدبية.

•• أعتقد أن هذه المجلة واحدة من أهم المجلات العربية الثقافية في العقدين الأخيرين، هذه التي كان يرأس تحريرها الدكتور همدان زيد دماج ويشرف عليها الدكتور المقالح؛ كان كل عدد منها متناً أدبياً وثقافياً هائلاً نقرأ فيه لأدونيس وكمال أبو ديب وسعدي يوسف وعدنان الصائغ وحاتم الصكر وجودت فخر الدين وغيرهم من أعلام الكتابة الشعرية العربية المعاصرة، ومع ذلك كانت منفتحة على الجميع، فنقرأ فيها لصديقنا الشاعر علي الحازمي، ونجد نصوصاً لصديقنا الشاعر علي الأمير، كما أنها كانت تحوي ترجمات مهمة وملفات ثقافية في غاية الأهمية، كانت (غيمان) بمثابة جسر وصلني بأسماء أدبية كبيرة، وأثرتني فكرياً وإبداعياً. كل عدد منها كان يشكل مصدر إلهام لي، ولا تزال أرشيفاتها ثروة ثقافية لا تُقدر بثمن.

• كيف تقرأ الكتابة والصمت ولقمة العيش في حياة المبدع اليوم؟

•• كان يرى جان بول سارتر الصمت حالة من حالات الكلام، وعليه يمكننا أن نقوم بتأويل أي صمت بطريقة لا تخدش هذا الصمت، الحياة صعبة ولعينة، ولقمة العيش لم تعد سهلة، فأتفهم أن تتوارى الموهبة وأن تنزوي في مكان ما؛ لأن الحياة أصعب. علينا أن نراجع تلك المقولات الصنمية التي ترى الإبداع نتاجاً للمعاناة، لا أحد يختار واقعاً تراجيدياً كي ينتج إبداعاً، لكن يمكن لنا أن نتتبع جدوى الكتابة والدافع الحقيقي للكتابة عن المبدعين عندما لا يصمتون مهما ساءت حياتهم. وعلينا كذلك أن نلتفت للمبدعين الذين ابتلعتهم قسوة الحياة.

• ما رأيك في الجوائز والمسابقات الأدبية؟

•• الجوائز والمسابقات الأدبية مهمة؛ وهي رافد مهم يجعلنا نلتفت في كثير من الأحيان لأسماء لم يسمح لهم هذا السيل الإلكتروني وهذا الازدحام في أن نتعرف عليهم، وأجدها تتويجاً جميلاً ولطيفاً لهذا المبدع الذي يكدّ على منجزه الأدبي، ولكنها لا تصنع لنا مبدعاً.

• ماذا عن علاقة المبدعين اليمنيين ببعضهم اليوم؟

•• علاقات المبدعين اليوم تعكس حالة من التشتت الثقافي الذي يعيشه اليمن. هناك محاولات للتواصل والإبداع الجماعي، لكنها ما زالت بحاجة إلى بيئة حاضنة وداعمة.

• عشتَ سنوات من حياتك في مدينة جازان.. حدثنا عن الأثر الذي تركته هذه المدينة ومبدعوها في حياتك؟

•• هي المدينة التي ولدتُ بها وعشتُ فيها كل حياتي، المدينة التي شكّلتُ فيها قناعاتي الأولى وذاكرتي القديمة، المدينة التي اختلط ملحها بعرقي عشقت بحرها وجبالها وسباخها، وهي التي تبقى في الروح مهما ذهبت بي الحياة بعيداً عنها، وكثيراً ما أعرف نفسي أنني من جازان، ولعلي أستعيد ما قلتهُ مرة عنها أو لها:

خذني إليها ودع قلبي بشاطيها قد مرّ عمْرٌ تناديني أناديها

دنوتُ منها وكان القلبُ محضَ دمٍ

يسيلُ من رأسها حتى أقاصيها

ولا أقول لها شيئاً لأتبعها

ولا أقول لها شيئاً لأبقيها

بها أسمي الحياة الآن أغنيةً

خضراءً جداً.. وأنسى أنْ أسمِّيها.

• عملتَ محرراً في مجلة صنعاء.. لماذا توقفت المجلة؟ وكيف كانت تجربتك فيها؟

•• في الحقيقة كانت تجربة لطيفة وجميلة مع الصديقة الصحفية المشهورة أفراح ناصر؛ التي دعتني لأساعدها في تحرير المجلة التي كانت محاولة لتسليط الضوء على كل جميل ثقافي في اليمن، وكانت عبارة عن جهود فردية، وتوقفت لعدم وجود دعم.

• ما جدوى الكتابة اليوم؟

•• هذا السؤال هو فخ لأي كاتب، ولو تتبعتُ ما يقوله الأدباء خلال امتداد تجاربهم ستجد أن دوافع الكتابة لديهم تتغير بعمر التجربة. فهمنغواي مثلاً كان يرى أن الكتابة يجب أن تكون ضرورة، وأن لا نكتب إلا إذا كانت كذلك، بينما مايا أنجلو كانت تكتب لأنه «ما من عذاب أكبر من أن تحمل قصة غير مروية داخلك»، وهذا ما سيدفع تود هنري لينادي بأن نموت فارغين، وأن نذهب إلى سرير النوم وليس بداخلنا شيء لم نقله؛ لأنه لا أحد يعرف مصير الكلام الذي لم نقله، لا أحد يعرف مصير النصوص التي تقبع بداخلنا ولم نكتبها. أما عني فإنني أكتب كي لا أختبر اختناق الماء في النبع، أكتب لأنني بحاجة لأن أشعر بأنني لست وحدي، وأن هنالك من يصغي لي. إن جدوى الكتابة بالنسبة لي تكمن في كونها أداة للبقاء، ووسيلة لخلق المعنى في حياتنا مهما كان واقعنا قاسياً. هي فعل مقاومة ضد النسيان.

• كتبت المقالة والقصيدة والرواية.. فأين تجد نفسك أكثر؟ ولماذا؟

•• أنا قارئ وفي للرواية وكتبتها مرة، ولدي مشاريع لكتابتها مرة أخرى وسأفعلها مستقبلاً، وأجد في الكتابة المقالية الحرة نفسي كثيراً للتعبير عما لا يطيقه الشعر وما لا تتسع له الرواية، ولكن أزعم أنني حين ألوذ بالشعر فإنني أعبر فيه عمّا لا يحتمله الكلام العادي، ومن هنا تكمن حاجتي للكتابة الشعرية أكثر من كل الأجناس التي ذكرتها.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق