صرخة غزاوي: فقدت ابني بسبب البرد القارص وأطفالنا تُستخدم دروع بشرية (خاص)

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خيمة صغيرة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار، يعيش يحيى محمد البطران، من سكان شمال غزة الذى نزح إلى دير البلح، مع زوجته وتسعة من أطفاله، بعد أن نزحوا قسرًا بسبب الحرب، ليجدوا أنفسهم يواجهون مأساة جديدة في منطقة دير البلح.

يروي البطران قصته لـ"الدستور" بألم عميق: خلال فترة الحرب زوجتي وضعت طفلين توأم بولادة مبكرة، وفقد طفله الذى لم يتجاوز الـ35 يوما نتيجة البرد القارس وغياب الظروف الإنسانية الأساسية، فيما يعاني الطفل الثاني في العناية الفائقة في مشهد يعكس القسوة التي يعانيها النازحون في قطاع غزة، وارتقاء أولاد شقيقه و3 من أسرة زوجته في قصف إسرائيلي.

وأوضح البطران أن محاولاته المتكررة للوصول إلى مسؤولين لتلقي المساعدة باءت بالفشل، لافتا إلى أنه حاول اللجوء إلى المحافظ مرتين، لكن الحراس منعوه من الدخول، قائلًا: "المحافظ رجل طيب، لكن اللي حواليه قرروا ألا يسمحوا لي بالدخول".

يحيى يعيش مع زوجته وأطفاله العشرة في خيمة مهترئة، حيث يعانون من نقص في كل مقومات الحياة، من غاز وكهرباء وحتى الدفء،  يروي أنه اضطر إلى نقل طفليه التوأم إلى المستشفى بسبب برودة الطقس الشديدة، لكن ما وفرته المستشفى كان جهاز تنفس واحد لا يكفي، واستخدم لمدة قصيرة فقط "كان علي أن أتنقل بين الطفلين، جمعة وعلي، لكن للأسف، جمعة تجمد أمام عيني واستشهد"، قال يحيى بحسرة وهو يستعيد اللحظات القاسية التي عاشها.

يحيى البطران
يحيى البطران

بسبب وضعه الصحي وعدم وجود مواصلات، اضطر يحيى إلى الركض في الشوارع بحثًا عن وسيلة نقل لإنقاذ طفله، قائلا: "كنت أجري كالمجنون في الشارع، أدعو الله أن ينقذ أحدهما على الأقل"، لكنه عندما وصل إلى مستشفى الأقصى، أخبره الأطباء أن طفله علي قد توفي نتيجة تجمد الدم في عروقه بسبب شدة البرد.

يصف يحيى لحظة وفاة طفله الأول، جمعة: "جهاز التنفس الذي وفرته المستشفى كان يعمل لمدة ثلاث ساعات فقط، ولم يكن كافيًا، جمعة تجمد أمام عينيّ، ولم أستطع فعل شيء لإنقاذه"، ويكمل حديثه عن طفله الثاني "ركضت به إلى المستشفى، لكنهم أخبروني أنه وصل متأخرا ويعاني من أمراض عديدة".

260.jfif

وروى البطران كيف حاول إنقاذ طفله الثاني الذي وُضع في حالة حرجة بالمستشفى، الأب قال إنه ناشد الطبيب للحصول على أمل ولو بنسبة 1% لإنقاذ طفله، لكن الطبيب أجاب بصراحة قائلًا: "لا أستطيع أن أعطيك قرارًا الوضع حرج، وكل الأمل بيد الله". وأضاف الطبيب أن الطفل يحتاج إلى رعاية متخصصة، وربما تدخل خارجي لنقله إلى بلد آخر لتلقي العلاج اللازم.

واضطر الأب للنزوح مع عائلته من شمال غزة إلى وسط القطاع بسبب القصف، ووصف كيف فقد منزله وممتلكاته وأصبح مُشردًا مع أطفاله بحثًا عن الأمان، ومع ذلك، لم تنتهِ مأساته عند النزوح، بل استمرت عندما شاهد أطفاله يصارعون الموت أمام عينيه، قائلا: "غادرت الشمال هربًا من القذائف، فقط لأجد أطفالي يموتون أمامي هنا بسبب البرد القارس وانعدام الظروف الأساسية للحياة".

الأوضاع داخل الخيام لا تحتمل

وأضاف الأب أن الأوضاع المعيشية داخل الخيام لا تحتمل، حيث يفتقر النازحون إلى التدفئة والكهرباء، مما يزيد من معاناتهم اليومية. "عندما يُسأل أحدنا عن حاله، نجيب بأننا على قيد الحياة فقط، بينما الحقيقة أننا نعيش في برد قارص وظروف قاهرة لا تطاق".

يحيى الذي حاول تسليط الضوء على معاناته من خلال نشر فيديوهات ومناشدات للحكومة والمسؤولين، يؤكد أن استغاثاته ذهبت أدراج الرياح: "كلهم خائفون على كراسيهم، ولم يلتفت أحد لمعاناتنا"، قال يحيى بغضب.

وتمكن الأطباء من إنقاذ طفله الآخر بعد أن ووضع في الحضانة، لكنه لا يزال يعاني من وضع صحي حرج، يحيى وصف الحال بقوله: "ما زلت أنتظر بين الحياة والموت لطفلي الباقي، بينما لا أحد يكترث بمأساتنا نحن نعيش في جحيم يومي، ولا مسؤول يحاسب". 

يعيش البطران مع أسرته في ظروف مأساوية، بلا كهرباء أو غاز، وسط شتاء شديد، قائلا: "ننام جميعًا في خيمة واحدة، وأنا أغطي أطفالي بالبطانيات القديمة، لكن ذلك لم يحفظ حياتهم"، وأكد يحيى أن ما يزيد من معاناته هو غياب الدعم، سواء من الحكومة أو المنظمات الإنسانية، حيث تُترك الأسر النازحة لمصيرها في مواجهة الموت.

ووجه البطران اتهامات حادة للجهات المسؤولة في القطاع، متحدثًا عن انفلات أمني وانتشار سرقات المعونات المخصصة للأسر المحتاجة، كما انتقد حماس بشكل مباشر، مؤكدًا أن الحركة غير قادرة على حماية الشعب من "حفنة من الحرامية"، على حد وصفه.

وأشار البطران إلى أن المعونات الغذائية والإنسانية، التي من المفترض أن تصل إلى الفقراء والمحتاجين، تُسرق في الطريق أو تُباع في الأسواق السوداء، دون أي رقابة أو محاسبة، قائلا: "إذا كانت حماس عاجزة عن السيطرة على الوضع الأمني وحماية المعونات، فكيف ستتمكن من حماية الوطن؟ كيف ستواجه الاحتلال الإسرائيلي وهي غير قادرة على حماية شعبها؟".

كما اتهم البطران الجهات المسؤولة بمعاملة السكان كدروع بشرية، قائلًا: "نحن لسنا سوى وسيلة للمساومة في هذا الصراع، أطفالنا يموتون أمام أعيننا، والمسؤولون يعيشون في مأمن عن هذه المعاناة". 

كما انتقد صعوبة الوصول إلى المسؤولين وغياب المحاسبة، مشيرًا إلى أن الحراس يمنعون أي محاولة لمقابلة المحافظ أو غيره من القيادات.

وتحدث عن وضع الخدمات السيئ في القطاع، بما في ذلك انعدام التدفئة، نقص الغاز، وغياب الأماكن الصالحة للسكن: "شردونا من بيوتنا وتركونا في أماكن لا تصلح للحياة. المجاري تطفح في الشوارع، والشتاء يقتل الأطفال بسبب البرد. لا أحد يهتم بنا، كل ما يفعلونه هو السيطرة علينا باسم الأمن"، قال بغضب.

كما ألقى باللوم على الحكومة الفلسطينية التي تدير غزة، قائلًا إنها أصبحت "أخطر من إسرائيل على الناس". واتهمها بالمشاركة في حرب ضد السكان من خلال الإهمال وسوء الإدارة. "ما تفعله إسرائيل جريمة حرب، لكن ما يحدث هنا أيضًا هو حرب ضدنا. إذا لم يكن هناك نظام حقيقي أو حكومة تحترم الإنسان، فكيف سنعيش؟".

في ختام حديثه، ناشد الأمة العربية والإسلامية للتحرك لإنقاذ سكان غزة، قائلًا: "إذا كان هناك من يعرف الله ويخافه، فعليه أن يمد يد العون الأطفال يموتون، والمعاناة تزداد يومًا بعد يوم، ولا أمل فيمن يديرون شؤوننا الآن".

يجدر الإشارة إلى أن قصة يحيى البطران هي واحدة من آلاف القصص التي تعكس حجم المأساة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يُترك الناس لمواجهة البرد والجوع والموت وسط غياب تام للمسؤولية والدعم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق