مع عودة حزب العمال البريطانى إلى الحكم، عاد جوناثان باول، فى نوفمبر الماضى، إلى «١٠ داونينج ستريت»، الذى كان رئيسًا لهيئة موظفيه، بين ١٩٩٧ و٢٠٠٧، ليصبح مستشار الأمن القومى لرئيس وزراء بريطانيًا، كير ستارمر. وأكد الأخير، فى حسابه على شبكة «إكس»، أن خبرة «باول» فى مفاوضات اتفاق بلفاست، وبعض أعقد النزاعات الدولية، تؤهله لتقديم المشورة بشأن التحديات المقبلة، والتفاعل مع نظرائه فى جميع أنحاء العالم، لحماية وتعزيز مصالح المملكة المتحدة.
هذا هو رجل بريطانيا المهم، الذى زار القاهرة، أمس الأول، الخميس، واستقبله الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، وتناول معه سبل تعزيز العلاقات المصرية البريطانية، فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية. كما تبادل الطرفان الرؤى ووجهات النظر بشأن عدد من الموضوعات الإقليمية والدولية، ذات الاهتمام المشترك، على رأسها التطورات المتسارعة فى منطقة الشرق الأوسط.
تخرّج «باول»، Jonathan Powell، فى جامعتى أكسفورد وبنسلفانيا، وعمل فى «هيئة الإذاعة البريطانية»، بى بى سى، قبل أن ينضم إلى وزارة الخارجية، سنة ١٩٧٩، مسئول مكتب للمفاوضات الخاصة بإعادة هونج كونج إلى الصين بين ١٩٨٣ و١٩٨٥، وشارك فى محادثات توحيد ألمانيا منذ ١٩٨٩ إلى ١٩٩٠، وكان كبير المفاوضين البريطانيين فى المفاوضات، التى قادت إلى اتفاق بلفاست، المعروف باسم اتفاق «الجمعة العظيمة»، الذى عقدته الحكومة البريطانية، سنة ١٩٩٨، مع حكومة وأحزاب أيرلندا الشمالية، وحقق استقرارًا نسبيًا فى المقاطعة، وأسكت بنادق الجيش الجمهورى الأيرلندى.
قبل عودته إلى «١٠ داونينج ستريت»، عمل «باول» رئيسًا تنفيذيًا لمنظمة «إنتر ميديت»، Inter Mediate، التى أسسها سنة ٢٠١١، وجاب تحت لافتتها العديد من دول العالم لتسوية الصراعات، إلى أن اختاره ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء الأسبق، مبعوثًا خاصًا إلى ليبيا، سنة ٢٠١٤، للمساهمة فى فض النزاع المتفاقم فيها، وفى السنة نفسها، تحديدًا فى نوفمبر ٢٠١٤، صدر كتابه «التحدث إلى الإرهابيين: كيفية إنهاء النزاعات المسلحة»، الذى أكد فيه أن «الحوار مع الجماعات الإرهابية يكون صعبًا، دائمًا، من الناحية العملية، ومحفوفًا بالمخاطر، على المستوى الأخلاقى، لكنه السبيل الوحيد لإنهاء الصراعات»!
المهم، هو أن وزير خارجيتنا استعرض، خلال لقائه مستشار الأمن القومى لرئيس وزراء بريطانيا، الجهود التى تبذلها مصر للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، مشددًا على ضرورة إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ووقف الانتهاكات الممنهجة، التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، والتى تتنافى مع جميع المواثيق الدولية. كما شدّد على ضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
بحث الطرفان، أيضًا، التطورات المتلاحقة فى سوريا، واستعرض وزير الخارجية محددات الموقف المصرى من تلك التطورات، مؤكدًا وقوف مصر بشكل كامل مع الشعب السورى ودعم استقرار الدولة والحفاظ على مؤسساتها الوطنية واحترام وحدة وسلامة أراضيها، مشددًا على ضرورة أن تتسم عملية الانتقال السياسى فى سوريا بالشمولية عبر ملكية وطنية سورية دون تدخلات خارجية، وبما يدعم وحدة واستقرار سوريا بكل مكوناتها وأطيافها. كما شهد اللقاء، كذلك، نقاشًا حول آخر مستجدات الأزمة السودانية، أكد خلاله الدكتور عبدالعاطى الموقف المصرى الداعى إلى الوقف الفورى لإطلاق النار، وضرورة الإسراع بوتيرة إنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم وتمكين مؤسسات السودان الوطنية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن وكالة أنباء «تاس» الروسية وصفت جوناثان باول بأنه «ممثل عن جهاز الاستخبارات السرية البريطانى»، حين نشرت، فى ٣١ مايو ٢٠٢١، تقريرًا عن اجتماعه مع أبومحمد الجولانى، أو أحمد الشرع، قائد «هيئة تحرير الشام»، فى منطقة إدلب، لخفض التصعيد على الحدود السورية التركية. وذكرت الوكالة الروسية أن المحادثات تناولت إمكانية شطب الهيئة من قائمة التنظيمات الإرهابية، واقترح خلالها «باول» على الجولانى إعلان «التخلى عن استهداف الدول الغربية وإقامة تعاون وثيق معها»، ونصحه بإجراء حوار مع أحد الصحفيين الأمريكيين لتبييض سمعته وسمعة الهيئة!
0 تعليق