كيف يصنع الاعلام الغربي روايات متناقضه
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تحولات سياسية متسارعة أثرت بشكل جذري على المشهد الإقليمي والدولي.
كان من أبرز هذه التحولات إعادة صياغة المواقف تجاه بعض الشخصيات التي كانت حتى وقت قريب تعتبر رموزًا للإرهاب.
لعل أبرز مثال على ذلك هو أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام في سوريا، الذي صنفته الولايات المتحدة ضمن قوائم الإرهاب وخصصت مكافأة بقيمة عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
ولكن، بشكل مفاجئ، تغير الخطاب الغربي ليقدم الجولاني بصورة جديدة، محاولًا تصويره كجزء من مشروع ديمقراطي محتمل، وهو تحول يطرح العديد من التساؤلات حول التلاعب بالمفاهيم والتناقضات الصارخة في السياسات الدولية.
لم يكن هذا التغيير في النظرة إلى الجولاني حالة منفصلة، بل جاء ضمن سياق أوسع لإعادة ترتيب المصالح الدولية في سوريا.
تزامن ذلك مع زيارات مكثفة لمسؤولين من دول المنطقة إلى دمشق، بعضها أعلن أنها تهدف إلى تعزيز التعاون وإعادة العلاقات الدبلوماسية، بينما تشير تحليلات أخرى إلى أن هذه التحركات تتجاوز مجرد الدعم السياسي لتدخل في إطار محاولات إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
هذه الزيارات لم تكن معزولة عن الاستراتيجية الغربية الأوسع التي تسعى إلى إعادة توزيع الأدوار بين القوى الإقليمية والجماعات المسلحة.
ما يثير القلق هو أن هذا التحول في السياسات الغربية ترافق مع محاولات مستمرة لمحو الماضي القريب وإعادة كتابته وفق رؤية جديدة.
لم يعد الحديث يدور حول سجل الجولاني في الإرهاب وارتباطاته السابقة بتنظيم القاعدة، بل بات يروج له باعتباره جزءًا من مرحلة انتقالية نحو مستقبل أكثر ديمقراطية لسوريا.
هذه المحاولات لإعادة رسم صورة الماضي تعكس ضعفًا في الالتزام بالمبادئ الأخلاقية التي تدعي الدول الغربية تبنيها، وتثير الشكوك حول مدى صدقية الأهداف الحقيقية لهذه السياسات.
بالتوازي مع هذه التحركات، يتزايد الحديث عن دور الإعلام في توجيه الرأي العام وقبول هذه التحولات المفاجئة.
وسائل الإعلام الغربية، التي ما دام قدمت خطابًا واحدًا بشأن الملف السوري، باتت الآن تقدم روايات جديدة تدعم إعادة تأهيل شخصيات كانت مدانة في السابق.
يحدث هذا بينما تفتقر المنطقة إلى صوت إعلامي مستقل قادر على تقديم صورة متوازنة للأحداث وتحدي الهيمنة الغربية على السرديات السياسية.
الأسئلة حول مغزى هذه التحولات عديدة ومعقدة. هل الهدف الحقيقي هو دفع المنطقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا، أم أن الأمر يتعلق بتفكيك ما تبقى من الدول المنطقة وحل جيوشها؟ هل نحن أمام استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة هندسة الشرق الأوسط، أم أن هذه التحولات مجرد تكتيكات مؤقتة لخدمة مصالح آنية؟ الإجابات ستتكشف في المستقبل القريب مع استمرار الأحداث في التطور.
لكن ما هو مؤكد الآن هو أن الحقيقة في عالم السياسة الدولية تتغير بتغير المصالح، وأن الحذر مطلوب تجاه الروايات التي تُقدم على أنها حقائق لا تقبل الجدل.
0 تعليق