مذكرات تفاهم في العمران بين الدعاية والتلميع!!

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
كنت أتحاور مع صديق لي يعمل في إحدى المؤسسات ذات العلاقة بالتخطيط والعمران، وجّرنا الحديث حول أهداف المؤسسة وأبرز إنجازاتها. بدأ صديقي يعدد لي جملة من الأهداف التي تحققت ومن بينها توقيع مذكرات تفاهم مع عدة جهات ومكاتب هندسية واستشارية، بهدف التعاون وتبادل المعلومات. قال إن التحضير لتوقيع هذه المذكرات استغرق وقتا طويلا بداية من المراسلات الرسمية بين الجهتين، فالحصول على موافقة مجالس الإدارات ثم تنظيم حفل التوقيع. عاجلته سريعا بسؤال حول الهدف من توقيع مذكرات التفاهم العمرانية، وهل نحن نحتاج إلى تفاهم لكي نحصل على بيانات أو نجري استشارات أو تعاونا مشتركا؟ فبدأ يفكر ويتلعثم في الإجابة، حينها عرفت أن (بعض) هذه المذكرات ما هي إلا مجرد فرصة للدعاية والتلميع.

في الأصل تشير "مذكرات التفاهم" إلى الوثائق الدولية التي تستخدم لتنظيم التعاون بين الدول في عدد من المجالات. هي وثائق تحتوي على بنود اتفاقية مشتركة بين جهتين، وتفتح آفاقا لعمل مشترك ولكنه غير مُلزم قانونيا، ولا تُحمل أياً من أطرافها التزامات مالية أو عينية. تُستخدم مذكرات التفاهم غالبا كاتفاق شرف بين الدول، وهي أيسر من المعاهدات الدولية التي تستغرق وقتا أطول ومفاوضات مستمرة. مذكرات التفاهم يتم صياغتها من أجل تسهيل المفاوضات بين الدول أو الجهات التي ليس لديها روابط مشتركة، بحيث تضع بنودا وأهدافا لطبيعة المفاوضات وصولا إلى تحويلها لتصبح اتفاقية ملزمة قانونيا. نفهم من ذلك أن مذكرات التفاهم في الأساس هي خطوة ابتدائية يتم عملها بين كيانات كبرى أو دول ليس بينها أرضية تعاون مشتركة، ولا تتضمن في بنودها أي التزامات مالية أو عينية أو قانونية.

لماذا نوقع مذكرات تفاهم بين مؤسسات تعمل في حيز جغرافي واحد؟ ولماذا لا يمكن التعاون؛ إلا بعد توقيع مذكرة تفاهم؟ سؤال يتردد إلى ذهني دوما ولم أجد له إجابة شافية. عندما تقرأ بنود مذكرة التعاون في العمران تجد أنها مصاغة بأسلوب العقود القانونية، وتعقد بين جهات ترتبط فيما بينها بأرضية مشتركة فالمكان واحد، والمجال واحد، والأهداف مشتركة، والرؤى متطابقة.

تشير المادة الأولى غالبا إلى الغرض من المذكرة، وهو تعزيز أواصر التعاون في المجال العمراني؛ في حين تشير بقية المواد إلى مجالات التعاون وطبيعتها، سواء في البحث العلمي أو التدريب أو الاستشارات العمرانية. وفي البند الأخير يتم الإشارة إلى مدة المذكرة والمراسلات والأحكام العامة ثم توقيع الطرفين، مع التأكيد على عدم إلزامية تطبيق الأطراف لهذه البنود! أتساءل دوما عن جدوى هذه المذكرات، فالتعاون في تبادل البيانات والمعلومات والاستشارات العمرانية يُفترض أن يكون متاحا ضمناً بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات الخيرية لتحقيق المصلحة العامة.

لا أعرف لماذا انشغلت العديد من الإدارات التي تُعنى بالتخطيط والدراسات العمرانية بتوقيع مذكرات تفاهم؟ لماذا انشغلت بعض الإدارات والمؤسسات بتوقيع مذكرات تفاهم فيما بينها وكأنها جهات مستقلة ومعزولة لا تعمل في منظومة متكاملة؟ الأدهى من ذلك حينما تعمل كل إدارة بشكل مستقل داخل القطاع الواحد، مما يؤدي إلى ازدواجية في المهام وهدر في الإنفاق.

عجباً، هل أصبح الحصول على بيانات عمرانية أو إحصاءات أو استشارات في مجال التخطيط العمراني في غاية الصعوبة ويحتاج إلى مذكرة تفاهم؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق