تسوندوكو: شراء الكتب دون قراءتها

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كنت قد لاحظت منذ فترة طويلة أن لدى صديق لى عادة غريبة، وهى شراء الكتب بكثرة دون أن يقرأ أيًّا منها. تحدث معى مرة عن هذه العادة، فتوجهت إليه بسؤال: «لماذا تشترى هذه الكتب؟ هل قرأت آخر كتاب اشتريته؟» أجابنى بابتسامة قائلًا إنه يحب أن يكون محاطًا بهذه الكتب وما تحويه من علم ومعرفة، لكنه يفتقر إلى الوقت الكافى لقراءتها.

ذكرنى كلام صديقى هذا بظاهرة الـ- تسوندوكو، وهى مصطلح يابانى يمزج بين تسومو، الذى يعنى "التراكم"، ودوكو، الذى يعنى "القراءة". النتيجة هى كلمة تجسد التناقض الذى يعرفه الكثيرون: شراء الكتب بأفضل النوايا، ثم عدم إيجاد الوقت (أو ربما الإرادة) لفتح أغلفتها وقراءتها.

قلت له: «هذه الكتب ليست مجرد زينة. إذا كنت تحب المعرفة، فعليك أن تقرأها، وإلا ستظل مجرد أشياء تجمعها دون أن تستفيد منها». رغم أن كلامى كان قاسيًا، إلا أننى كنت أعى تمامًا أن حماسه للقراءة كان بحاجة إلى دفعة ليخرج من دائرة تراكم الكتب دون قراءتها.

اعترف لى بأنه يشعر أحيانًا بأن حماسته للقراءة تبدأ قوية ثم تضعف تدريجيًا، بسبب ضغوط الحياة. لكننى أردت أن أساعده فى التغلب على هذا الوضع. اقترحت عليه أن يبدأ بخطوات صغيرة، مثل تخصيص وقت يومى لقراءة كتاب واحد فقط، حتى لو لمدة نصف ساعة. قلت له: "الكتاب الذى تقرأه بتركيز سيغير حياتك، أما الذى يبقى على الرف فلن يفيدك."

ومع مرور الأيام، بدأ صديقى يخصص وقتًا يوميًا للقراءة، ولو لدقائق معدودة. مع كل صفحة يقرأها، كان يشعر بشىء من الرضا الداخلى. وبعد أسابيع، جاءنى مبتسمًا وقال لي: «لقد أنهيت أول كتاب قرأته كله من تلك الكتب التى اشتريتها». كان واضحًا أنه قد بدأ فى تحطيم دائرة التراكم تلك، ولم يعد يشترى الكتب لمجرد امتلاكها.

إن ظاهرة «تسوندوكو» ليست محصورة فى الكتب فقط، بل امتدت إلى العديد من المجالات الأخرى فى حياتنا. فى عصر الخيارات اللامحدودة، تتراكم لدينا القوائم، سواء كانت فى مجال القراءة أو مشاهدة الأفلام أو لعب الألعاب الإلكترونية. قد تكون هذه الظاهرة، فى بعض الأحيان، انعكاسًا لعلاقتنا المعقدة مع الزمن، حيث نميل إلى إضافة المزيد من الرغبات والطموحات إلى حياتنا دون أن ننجزها بالكامل.

لكن هل هذه ظاهرة سلبية؟

ليس بالضرورة. يمكننا أن نرى فيها نوعًا من الشعرية. فحتى وإن كانت الكتب أو الألعاب على الأرفف أو فى قوائم الانتظار، فإنها تظل بمثابة وعد باكتشافات قد تحدث فى المستقبل. إنها تذكير بأن السعى وراء المعرفة والتجارب ليس بالضرورة أن يكون له نهاية محددة. أحيانًا، يكفى أن نعلم أن هناك شيئًا فى انتظارنا ليظل شعور الفضول حيًّا فينا.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق