قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق إن الله سبحانه وتعالى قد بيَّن بوضوح ملامح الحلال والحرام، وجعل الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بواحدة، ليُظهر عدله ورحمته اللامتناهية. وأوضح أن الله سبحانه وتعالى وضع المقارنة بين الحسنات والسيئات بطريقة تجعل الحسنات تذهب السيئات، وأتاح للإنسان فرصة التوبة والاستغفار، هذه الرؤية تظهر كيف أن الله عز وجل لا يظلم أحدًا، بل يُسهم في إعادة التوازن بين الخير والشر، ويمنح الإنسان فرصًا عديدة للتوبة وتصحيح أخطائه، مما يعكس سعة رحمة الله وعظيم عدله.
التوبة والاستغفار: أبواب مفتوحة للرحمة الإلهية
الرحمة الإلهية تتجلى في أن الله فتح باب التوبة للإنسان، وجعل الحسنات تذهب السيئات، مما يُظهر سعة رحمة الله مع عباده. فالله سبحانه وتعالى يجعل التوبة والطاعات مجالاً للمغفرة وإزالة الذنوب، وهو ما يعزز مفهوم الرحمة التي لا حدود لها. فبقدر ما نخطئ، يظل باب التوبة مفتوحًا لمن يراجع نفسه ويسعى للإصلاح. هذه الرحمة تتجاوز المظالم التي قد يقع فيها الإنسان وتفتح له أفقًا جديدًا للعودة إلى الله.
طلب العدل بدلاً من الرحمة: جهل وغرور في فهم الذات
حذر جمعة من القول: "اللهم عاملني بعدلك لا برحمتك"، مؤكدًا أن هذا يُعد جهلًا بالله وظهورًا للكبر. فهذا القول يحمل في طياته نوعًا من الكبرياء، حيث يظن الشخص أنه لم يقترف خطأً يستحق العقاب، وبالتالي يطلب من الله أن يعامله بالعدل دون أن يعترف بضعفه وحاجته للرحمة. كما أن هذه الفكرة تتناقض مع حقيقة أن الكبرياء لله وحده، كما جاء في الحديث القدسي: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي»، وهو تذكير بأن الله هو المتعال والمستحق للكبرياء والعظمة، بينما الإنسان يجب أن يتحلى بالتواضع والاعتراف بحدوده.
الإنسان بين ضعفه وتكريمه الإلهي: كيف نعي مكانتنا في الكون
على الرغم من ضعف الإنسان أمام عظمة الكون، إلا أن الله كرَّمه وأسجد له ملائكته، ليُظهر أن التكريم لا يأتي من القوة المادية بل من فضل الله ورحمته. فعلى الإنسان أن يتذكر دائمًا مكانته في الكون ويعلم أنه رغم ضآلته وضعفه في هذا العالم الكبير، إلا أنه مكرَّم عند الله. هذه التكريم ليس ناتجًا عن قوته أو حجمه، بل هو تكريم إلهي فطري، حيث قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. فالتكريم الذي نالته البشرية هو تكريمٌ من الله سبحانه وتعالى، فيجب على الإنسان أن يتحلى بالتواضع أمام هذا الفضل العظيم.
الشك والتكذيب: الغفلة والتعالي على الله
تأملات في حال الذين يقولون: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، وكيف يعكس هذا الكلام شكًا وغفلة عن رحمة الله وعدله. هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في الدنيا غافلين عن ذكر الله أو يتوغلون في لذائذ الدنيا، ينتهي بهم الحال إلى الشك في وعود الله ووعيده.
فهم يُظهرون تكذيبًا بكلماتهم هذه، ويعتقدون أن وعد الله غير محقق، مما يُعد نوعًا من الكفر والتكبر. هذا التصرف ينم عن الغفلة عن حقيقة الحياة والموت وعواقب الأفعال.
التواضع والإيمان: رسالة النبي ﷺ في الاعتماد على الله وحده
النبي ﷺ كان دائمًا يُظهر تواضعه ويؤكد أن لا قدرة له على شيء إلا ما شاء الله، وهو ما يجب أن يتعلمه كل مسلم.
النبي ﷺ كان يدرك تمامًا أن كل شيء في حياته هو بتقدير الله ومشيئته، لذلك كان يقول دائمًا: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا»، ليعلم الأمة جميعًا أنه لا قدرة لأحد على التأثير في مجريات الأمور إلا الله سبحانه وتعالى. هذه الرسالة تدعو إلى التواضع والاعتراف بأن الإنسان لا يملك من أمره شيئًا، وأنه يجب أن يعتمد على الله في كل خطوة، ويعيش متوكلًا عليه، مؤكداً بذلك أن العظمة الحقيقية هي في التواضع أمام الله.
0 تعليق