إيريك دينيسى: سوريا بركان جاهز للانفجار وقد تصبح أسوأ من أفغانستان (حوار)

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حذر الدكتور إيريك دينيسى، مدير ومؤسس المركز الفرنسى لأبحاث الاستخبارات «CF2R»، من المستقبل الذى ينتظر سوريا فى ظل سيطرة الحكومة الحالية بقيادة هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقًا»، معتبرًا أن سوريا تتمتع بكل خصائص البركان الجاهز للانفجار، ولو انفجرت سيكون الوضع أسوأ مما كان عليه فى أفغانستان.

وقال، فى حواره مع «الدستور»، إن هناك مخاوف حقيقية من عودة تنظيم داعش إلى سوريا والمنطقة، مؤكدًا أن مصر لها دور أساسى وأولى فى مكافحة جماعات التطرف والإرهاب، خاصة جماعة الإخوان التى لا تزال تتمتع ببعض نفوذها وقادرة على زعزعة الاستقرار.

وإيريك دينيسى، هو أيضًا محلل استخباراتى سابق، فى وزارة الدفاع الوطنى «SGDN»، وألف ٣٤ كتابًا فى مجال الاستخبارات والإرهاب والعمليات الخاصة، منها «الجغرافيا السياسية» و«تحدى الإسلاموية»، و«الوجه الخفى للثورات العربية».

■ كيف ترى ما حدث فى سوريا؟.. وهل يمثل عودة لجماعات الإسلام السياسى والتطرف فى الدول العربية؟

- الوضع غير مؤكد ومربك ومقلق للغاية بعد ما يقرب من شهر من سقوط دمشق، صحيح أن نظام بشار الأسد اللا إنسانى سقط، ولكن يجب أن نتذكر أنه تصلب بشكل كبير بمرور الوقت وخرج عن مساره تمامًا عبر «تهريب الكبتاجون، والفساد، والحكم الفاسد، والاعتقالات التعسفية، وما إلى ذلك» منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين عندما أصبح من المستحيل إعادة إرساء سلامة البلاد. لكن المستقبل ليس مضمونًا بأى حال من الأحوال للسوريين.

وكانت قوات التحالف بقيادة هيئة تحرير الشام قادرة على الاستيلاء على البلاد بسهولة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن سوريا كانت مستنزفة تمامًا، وأدرك «بشار» أن وقته قد انتهى واستعد للمغادرة. وكان ذلك أيضًا لأن قوات البلاد كانت منهكة، فلم يعد هناك ما يكفى من المقاتلين الموالين للنظام، وبسبب تجاوزاته أصبحوا أقل تحفزًا للقتال.

وأخيرًا، كان هذا بسبب تصرفات القوى الأجنبية: تركيا التوسعية بقيادة رجب طيب أردوغان فى المقام الأول، التى كانت العقل المدبر لهذه العملية بوضوح؛ وإيران وروسيا اللتان لم تعارضاها لأسباب مختلفة، وإسرائيل والولايات المتحدة، اللتان رافقتا العملية، سمحتا بها واستغلتاها.

استغلت إسرائيل الوضع لتدمير أى تهديد عسكرى تقليدى قد يأتى من دمشق بشكل دائم «أسلحة ومعدات وبنية أساسية، إلخ»، وهو ما سيعطيها نفسًا من الهواء النقى لمدة عقد من الزمان، لكنه لن يحميها من ظهور تهديد جهادى محتمل إذا أصرت على مواصلة احتلالها مرتفعات الجولان وتوسيعها.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سقوط بشار هو فى النهاية الانتصار الوحيد للسياسة الخارجية للمحافظين الجدد، بعد فشلهم المزدوج فى أفغانستان «الانسحاب مع آثار كارثية»، وفى أوكرانيا «الفشل فى مواجهة روسيا». لقد استغرق الأمر منهم ١٣ عامًا للإطاحة ببشار، ما تسبب فى مقتل الملايين فى سوريا، لا يوجد شىء مجيد فى ذلك.

■ هل من الممكن فى ظل الظروف الحالية أن يعود تنظيم داعش ويسيطر على عدة أماكن مرة أخرى؟

- هذا تخوف حقيقى، وقد يتجلى فى طريقين محتملين، إما لأن أبومحمد الجولانى «أحمد الشرع» رئيس جبهة النصرة «هيئة تحرير الشام» يخفى لعبته، وسيوجه تدريجيًا تصرفات «نظامه» نحو أفكار وقيم داعش والقاعدة، التى نشأ منها وهو نتاج خالص لها، أو إذا تطور حقًا كما فعل عبدالحكيم بلحاج فى ليبيا، فإنه يخاطر بإغضاب أنصاره الذين ما زالوا متمسكين برغبة إعادة تأسيس الخلافة، وبالطبع «داعش»، الذى سوف يستغل هذا لشن الحرب ضده، ومحاولة حشد الساخطين داخل حركته، مستغلًا عدم الاستقرار فى البلاد.

لا شك أن هذا هو السبب وراء زيادة الضربات الأمريكية ضد «داعش» خلال الشهر الماضى، لإضعافه قدر الإمكان، ومنعه من التحرك مرة أخرى فى غضون بضعة أشهر.

إنها مفارقة، لأنه يجدر بنا أن نتذكر دور الأمريكيين فى الربيع العربى فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط: بالنسبة لواشنطن، كان الهدف تثبيت جماعة الإخوان فى السلطة. وهم مسئولون أيضًا عن ظهور «داعش» فى العراق من خلال غزوهم البلاد، وتفكيك القوات المسلحة ومعاملتهم للسجناء «كما فى أبوغريب». وينبغى لنا أيضًا أن نتذكر أنهم دعموا جبهة النصرة، أى القاعدة فى سوريا ضد بشار، لأنهم أرادوا الإطاحة به بأى ثمن. وبالتالى فإن الأمريكيين هم رجال إطفاء مهووسون بإشعال الحرائق.

■ ما الأسباب التى أدت إلى عودة جماعات التطرف والإسلام السياسى إلى الساحة السياسية مرة أخرى؟

- أحد الأسباب الأكثر وضوحًا هو أنه لم يتم القضاء عليها، سواء كانت جماعة الإخوان، أو الجماعات المقاتلة، مثل «داعش أو القاعدة». فقد تم رفض الأولى فى نهاية الربيع العربى بإرادة شعبية، على الرغم من المساعدات الأمريكية، والثانية هزمت من قبل تحالف عسكرى عربى غربى، ولكن لم يتم القضاء على أى من هذين التيارين. على العكس من ذلك، كان هناك تراجع مؤقت، فى انتظار التحرك مرة أخرى.

■ كيف ترى الدور المصرى فى مكافحة جماعات التطرف؟

- لمصر دور أساسى وأولى فى مكافحة جماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسى. أولًا، لأن جماعة الإخوان ولدت وتطورت على أرضها، ثم انتشرت فى جميع أنحاء العالم السنى، وأيضًا لأن مصر موطن لجامعة الأزهر، المؤسسة المرجعية للإسلام السنى، وأيضًا لأن المصريين شهدوا العنف «٢٠١٢-٢٠١٣»، وقبل كل شىء استيلاء جماعة الإخوان على السلطة، التى سعت لبيع البلاد وأسرارها للخارج.

■ هل من الممكن أن تشهد سوريا حربًا أهلية وانقسامات بعد سيطرة هيئة تحرير الشام؟

- نعم، للأسف هذا خطر كبير جدًا، على الرغم من حقيقة أن النظام الجديد يظهر درجة من الاعتدال فى الوقت الحالى، والواقع أن الوضع فى سوريا متوتر للغاية «أقل مما نعتقد فى الغرب، لأن تصفية الحسابات بدأت بالفعل، خاصة فى المناطق العلوية». فقد وضع الدروز فى الجنوب أنفسهم بحكم الأمر الواقع تحت حماية إسرائيل؛ ويستعد الأكراد لمواجهة جديدة مع تركيا ووكلائها؛ ويخشى الشيعة والمسيحيون على مستقبلهم. والوضع متوتر للغاية.

ولهذا سوريا تتمتع بكل خصائص البركان الجاهز للانفجار، وفى هذه الحالة فإن الوضع سيكون أسوأ مما كان عليه فى أفغانستان. وقد يؤدى هذا إلى لبننة حقيقية للبلاد «تحويلها للبنان جديد»، مع اندلاع اشتباكات بين الطوائف.

■ ألا يمكن أن يشهد بعض دول المنطقة العربية سيطرة مماثلة لجماعات مسلحة على السلطة على غرار سوريا؟

- من المؤكد أنه إذا انكشفت سوريا، فإن الشرق الأوسط بأكمله سوف يشتعل، حتى أطراف شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، وهذا ليس فى مصلحة أحد.

إن هذا الأمر يتوقف على دور إيران وسلوك الحوثيين الذين يكثفون الآن ضرباتهم ضد إسرائيل وردود أفعال الدولة اليهودية. أما بالنسبة للعراق، فيبدو لى أن الاهتمام الأساسى لبغداد هو ضمان استقرار البلاد. وموقف مقتدى الصدر أثناء هجوم هيئة تحرير الشام فى سوريا، فى رأيى، هو تعبير عن هذا.

■ هل يمكن أن تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة عبر تطبيق نموذج طالبان؟

- إنه خطر حقيقى. وأود أن أقول إننا على حافة السكين، إن هذا الأمر يتوقف على عدة عوامل: الدعم الذى سيحظى به «النظام» الجديد من رعاته الأجانب، خاصة تركيا، والتأثير الذى قد يمارسه الغرب ودول الخليج عليه، والأخطاء التى سيرتكبها عاجلًا أم آجلًا فى تصفية الحسابات، ورغبته السافرة فى فرض نظام إسلامى، وتجنب إجراء انتخابات، إلخ، وعودة ثلاثة ملايين لاجئ إلى بلد بلا دماء لا يستطيع حاليًا استيعابهم، لأن كل شىء ينقصه: السكن، والغذاء، والدواء، إلخ.

وكذلك تصفية الحسابات بين السكان العائدين الذين يريدون استعادة ممتلكاتهم والذين بقوا، ولكن أيضًا الانفجار فى الجريمة المرتبط بإطلاق سراح جميع المعتقلين الذين لم يكونوا جميعًا سجناء سياسيين، بل كانوا أيضًا قطاع طرق ولصوصًا ومغتصبين، والذين أصبحوا الآن أحرارًا، والتخلص غير المنضبط تمامًا من الجيوش، مثل الجيش السورى السابق، ما سمح للسكان والمجرمين بالاستيلاء عليها دون سيطرة على الرغم من محاولات النظام الجديد استعادتها.

وأخيرًا، والأهم من وجهة نظرى، موقف السكان الذين سيقبلون أو لن يقبلوا التجاوزات الإسلامية المحتملة للنظام الجديد: يبدو أن كل شىء يشير إلى أن السوريين لم يعودوا يريدون المعاناة، ولكن هل سيكونون قادرين على ذلك؟

■ من وجهة نظرك.. هل ترى أن هناك صلة بين ما حدث فى سوريا وما يحدث فى غزة الآن؟

- نعم ولا.

لا، لأن هجوم هيئة تحرير الشام، الذى تقوده تركيا وتدعمه وتشرف عليه، لا علاقة له بأفعال حركة حماس فى غزة أو حزب الله فى جنوب لبنان.

ونعم، لأن الدولة العبرية تمكنت من الاستفادة من الوضع لتوجيه ضربات قوية للغاية ضد خصومها فى ما يسمى بالمحور الشيعى.

لذا، فى رأيى، هناك ارتباط أكثر من التنسيق للأحداث، ولكن لا شك أن بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة استفادوا من الظروف المواتية التى استغلوها إلى أقصى حد.

فى رأيى، يجب أن ندين الإرهاب والتطهير العرقى الذى يجرى فى غزة وسياسة الحرب التى تدفع إسرائيل إلى ضرب لبنان وسوريا وإيران واليمن.. باسم أمنها، بدعم أمريكى وسلبية أوروبا، ولكن لا بد من القول إن تل أبيب كانت تكتيكيًا فعّالة للغاية فى الاستفادة من الظروف المواتية. ومع ذلك، لست متأكدًا من أن هذا سيكون أمرًا جيدًا للدولة العبرية على المدى الطويل، لأنه سيولد للأسف وبشكل مشروع رغبة فى الانتقام أو الثأر منها، وهو الأمر الذى فهمه معارضو نتنياهو فى إسرائيل بوضوح، ولكن دون أن يتمكنوا من معارضة سياساته.

■ هل لا تزال جماعة الإخوان تتمتع بنفوذها السابق وقادرة على زعزعة استقرار العالم العربى؟

- نعم، لا تزال جماعة الإخوان حية وفعّالة. ربما تم طردها من السعودية منذ زمن بعيد، وتقلص حجمها فى مصر بفضل العمل النشط للشعب المصرى والرئيس عبدالفتاح السيسى، لكنها لا تزال تتمتع بجذور عميقة فى المجتمع المصرى الذى ولدت فيه، وقبل كل شىء فى دول مثل قطر وتركيا.

فضلًا عن ذلك، كانت جماعة الإخوان قادرة دائمًا على التكيف مع الظروف المتغيرة. فقد تناوبت بين فترات مزدهرة منذ بدايتها إلى رد فعل الرئيس جمال عبدالناصر، أو فى عهد محمد مرسى المأساوى الكوميدى، وفترات مظلمة حيث تم قمعها. ولكن للأسف لم تختف وتحتفظ بقوتها الرهيبة فى التسبب فى الأذى.

■ ما مخاطر جماعات التطرف والإسلام السياسى على الدول الغربية؟

- هناك نوعان رئيسيان من المخاطر، العمل الإرهابى على أرض الغرب، ورغبة هذه الجماعات فى تغيير القوانين ونمط الحياة فى الدول الغربية، حيث تسللت إلى بعض الأقليات المسلمة. 

وهى تستغل الحرية التى توفرها لها الديمقراطيات الغربية، فتسمح بالتعددية الدينية التى تعاديها هى نفسها بشراسة فى بلدانها الأصلية، ولكنْ هاتان الظاهرتان ليستا جديدتين، بل يعود تاريخهما إلى أكثر من عشرين عامًا.

■ كيف يمكننا وقف توسع هذه الجماعات فى الدول العربية التى يعانى بعضها بالفعل من ظروف اقتصادية وسياسية صعبة؟

- لا ينبغى لنا أن ننسى تاريخ توسع الحركات الجهادية أو الأصولية، فمن ناحية يرتبط هذا بانتشار الوهابية فى مختلف أنحاء العالم، ومن ناحية أخرى، يرجع ذلك إلى عمل الأمريكيين منذ ثمانينيات القرن العشرين فصاعدًا، الذين دعوا المتطوعين من جميع أنحاء الشرق الأوسط للقتال ضد الاتحاد السوفييتى.

وفى حين أن هاتين الظاهرتين أصبحتا الآن شيئًا من الماضى، فإن ظاهرتين أخريين لا تزالان تغذيان مجموعات الإسلام السياسى: الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التى تؤثر على الدول العربية والصراع الإسرائيلى الفلسطينى.

ما رأيك فى أن جماعة الإخوان هى أُم كل جماعات الإسلام السياسى؟ 

- جماعة الإخوان من خلال أيديولوجيتها هى أصل كل الجماعات العنيفة والإرهابية فى العالم السنى. لقد أنجبتها ثم دفعتها إلى العمل، بينما تنأى بنفسها عنها على ما يبدو.

لقد حرصت دائمًا على أن ترتكب هذه المجموعات أعمال عنف من أجل الاستيلاء على السلطة، من خلال الظهور بمظهر المحاور الأكثر احترامًا. لكن كل هذا مجرد تمثيل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق