ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح من العذراء مريم، لعلنا نتسأءل فيما بيننا: وما هى الأسباب التى دعت الله القدوس أن يتخذ جسداً ويحل بيننا ويصير فى الهيئة كإنسان من امرأة كبنى البشر؟
لقد جاء السيد المسيح إلى الأرض ليخلص الخطأة وليفديهم، ولا شك أن عملية الفداء هى السبب الأساسى للتجسد، وجاء أيضًا من أجل السلام لكى يبشر بالحب وينشر الحب والسلام فى أرجاء العالم، ويمحنا إياه بقوله المبارك قائلاً: «سلاماً أترك لكم، سلامى أعطيكم» (يوحنا 27:14). والسلام الذى أتى به ليس مجرد شعار بل هو سلام حقيقى معه بالابتعاد عن الظلم والخطية والشر بأنواعه، حتى لا تضطرب قلوب البشرية ولا تجزع، «لا سلام قال الرب للأشرار» (أشعياء 48:22).
وكان حبًا متحركاً أينما حل كل من اتصل به نال نصيباً من حبه ومن عطفه ومن رقته وإشفاقه. وهكذا قيل عنه إنه كان «يجول يصنع خيرًا»، ونص الآية فى سفر أعمال الرسل 38:10.
هو: «الَّذِى جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا». يمر على المرضى فيشفيهم، وعلى الحزانى فيعزيهم، وأيضًا يدعو الجميع إلى أنهم يطعمون الجوعانين ويكسون العرايا ويهتمون بالغرباء ويزورون المساجين فلما قالوا له: «متى يا رب رأينا هذا» قال لهم: مهما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى قد فعلتم، ونص الآيات:
«تَعَالَوْا يَامُبَارَكِى بى ردُّوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنذُ تَأْسِيس العَالَمِ. لأَتِى جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشَتْ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقول لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِى هؤلاءِ الأَصَاغِرِ، فَبِى فَعَلْتُمْ « (متى ٢٥: ٣٤-٤٠).
مستبعدة من اليهود كالسامريين والأمم، فالسامريون مثلًا كان إذا وقع ظل واحد منهم على يهودى كان ينجسه أو يعتبرون كذلك. فكانت النتيجة أن السيد المسيح احتضن هؤلاء أيضًا بمحبته وذكر لهم مثل السامرى الصالح وكيف أنه كان نبلا من الكهنة ومن اللاويين. وكذلك الأمم الذين كانوا مكروهين من اليهود قال السيد المسيح عن أحدهم قائد، المائة، لم أجد فى إسرائيل كله إيماناً مثل إيمان هذا الرجل. لم يكتفى فقط أن يكون حبًا يتمشى وسط الناس إنما أيضًا دعاهم أن يعبدوا الله باعتباره هو الحب أيضًا الله محبة، وقال لهم إن الوصية الأولى فى الناموس أى فى الشريعة هي: «تُحِبُّ الرَّبَّ الهَكَ مِنْ كُلّ قلبك». وعبارة قريبك تعنى أخاك فى البشرية فكلنا أقرباء، كلنا أبناء أب واحد هو آدم وأم واحدة هى حواء. «حب (قريبك) أى تحب كل البشر. علمنا أن «الله محبة» والله من أجل محبته للبشر أوجدهم وخلقهم. ولذلك علينا نحن أيضًا أن نحب الله الذى أحبنا نحبه بأن نطيعه ونحفظ وصاياه وننفذ مشيئته الإلهية على الأرض. لا نخطئ إليه ولا نخطئ إلى أى أحد من البشر. وهكذا علمنا السيد المسيح أننا نحب الخير ونحب الغير، ونحب الخير أى نعيش فى حياة الفضيلة والبر. عن محبة وليس عن اضطرار ولاعن أمر ننفذه إنما نحب الخير وكذلك نحب الغير أيًا كان نحب الناس جميعًا من الناحية السلبية لا نؤذى أحدًا ولا نحسد أحدًا، ولا تتعب أحدًا. ومن الناحية الإيجابية نحب الناس بأن نعمل من أجلهم كل ما نستطيعه من خير. وهنا يبدو العطاء كفضيلة مهمة أن الإنسان من محبته للغير يعطي. ويعطى من قلبه ويعطى بصفة دائمة ويستمر فى العطاء حتى البذل ويصل فى البذل إلى بذل
الذات. «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 16:3).
وفى مناسبة عيد الميلاد المجيد الذى سبحت فيه الملائكة وهللت ورنمت أنشودتها الخالدة بإعلان حلول ملك السلام والحب والخير والتضحية والبذل والعطاء والبركة متجسداً بين البشر قائلة «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا 14:2). وكل عام وأنتم فى ملء السلام والنعمة والبركة.
0 تعليق