يقترب تقسيم سوريا يومًا بعد يوم، وإن لم يكن اليوم فغدا، فى ضوء تسارع وتيرة الأحداث وصراع الأطماع والنفوذ، وترهل القوات العسكرية السورية وفشلها سنوات فى التخلص من كابوس الجماعات المسلحة بمناطق النزاع بين الفصائل المسلحة المناهضة للرئيس السورى بشار الأسد، سواء قوات تحرير الشام الموالية لتركيا، أو «قسد» وحدات حماية الشعب الكردى الموالية لأمريكا، والمناوئة للأتراك وتحرير الشام.
عاش الرئيس السورى فترة استرخاء نسبى مع قواته بعد استعادة الأراضى المسلوبة عام 2016، وكان لروسيا التى استنجدت بها إيران الدور الفّعال بفضل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى وقتها قاسم سليمانى الذى استعان بالروس لإنقاذ النظام السورى. وأقامت روسيا قاعدة «حميميم» الجوية باللاذقية ولعبت الدور الأبرز فى الضربات الجوية وقصف الطيران المكثف مناطق ثكنات ومعسكرات الفصائل المسلحة، بينما اعتمد دور الميليشيات الإيرانية على الزحف بقوات المشاة ضد ثورة الشعب عام 2015.
وروسيا اليوم، ليست روسيا 2015 و2016 حيث لم تكن مشغولة بحرب مع أوكرانيا التى أنهكتها، وتحتاج اليوم لكل دعم عسكرى من أجل الحفاظ على ما تبقى تحت يدها من أراضٍ أوكرانية.
والميليشيات الإيرانية وحزب الله، أحد طرفى مقص إنقاذ بشار ضعفت وتراجعت بقوة بسبب الضربات الإسرائيلية لها والقضاء على قادة ميدانيين، اضطرت معها طهران لسحب قواتها من مواقع عدة، ولم تجد قوات تحرير الشام الأكثر تسليحا وتكتيكا صعوبة فى الاستيلاء على إدلب وحلب والتقدم حتى حماة وريفها فى سيناريو يشبه فرار الجيش العراقى من الموصل أمام فلول داعش فى عام 2014.
ويخشى النظام السورى من ضياع «حماة» وسيطرت تحرير الشام وباقى الفصائل الموالية لها نظرا لما تتمتع به من نفوذ علوى موالٍ للنظام، ومساحتها تزيد على 9 آلاف كم، وسيطرة الفصائل المسلحة على حماة يعنى صعوبة استرداد أراضيها، لضعف الإمداد اللوجستى فى ظل المسافة الكبيرة بين حماة وحلب والتى تصل إلى 150 كم، كما أن حماة تمثل رمانة ميزان قابعة وسط البلاد ذات الموقع الاستراتيجى.
ومخاوف الحكومة السورية من سيطرة الفصائل على حماة وفتح الطريق نحو المناطق والمدن الساحلية العلوية ومنها تبقى الخطوة النهائية فى الوصول إلى العاصمة السورية دمشق.
النظام السورى أخطأ مرات برهانه على غيره دون الاعتماد على جيشه وتعزيز قدراته، والتخفيف من حدة الطائفية وخطورتها، مستنجدا بإيران لخدمة أغراضه وحماية عرشه، ومنذ أن وطأت ميليشياتها الأراضى السورية خططت لإضعاف الجيش السورى وباتت المسيطرة وصاحبة القرار العسكرى والسياسى والاقتصادى، مع تغيير ديموغرافى واستبدال سكان المناطق السنية وحلت محلها «شيعة» فزادت العصبية والطائفية واشتعلت جذوة ثورة الغضب والانتظار لساعة التخلص.
وأبقى الأسد على الميليشيات الإيرانية التى لعبت بورقة الديون المالية، وفاتورة الحرب المكلفة حيث نظرت إيران لسوريا باعتبارها محافظة إيرانية بعد أن أنفقت خلال الحرب ما يزيد على 50 مليار دولار.
وبسبب سياسات خاطئة باتت سوريا ميدانا لتصفية الحسابات لبعض القوى الكبرى والإقليمية، وكعكة يتصارع على أكلها الإيرانيون والروس والأمريكان والأتراك، وضاع شعبها الطيب بين التشريد والجوع والتقسيم والتدمير!
0 تعليق