بضائع الغلابة تفترش السكة الحديد.. والأسعار الرخيصة تُغرى المواطنين
٤٠ مليون جنيه خسائر الهيئة سنويا بسبب التعديات
رغم جهود الدولة لتطوير شبكة السكك الحديدية، وتحسين الخدمات فى القطارات، لكن تقف ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية على جانبى خطوط القطارات، وفى محيط المحطات كعائق كبير أمام هذه الجهود، هذه الظاهرة لا تؤدى فقط إلى تشويه المظهر الحضارى، بل تشكل تهديداً حقيقياً لأمان الركاب وتعطل عمليات الصيانة والتطوير للقطارات والسكة الحديد.
تداخل الأسواق مع خطوط السكك الحديدية يعكس غياب التنظيم والتخطيط السليم، مما يتطلب حلولاً جذرية وإجراءات صارمة لتحقيق التوازن بين تحسين البنية التحتية وضمان فرص بديلة لهؤلاء الباعة، فهل يمكن كسر هذا التعارض وتحقيق تطوير شامل للسكة الحديدية؟.
المنوفية..
خطر متزايد يهدد الأرواح والبنية التحتية
تحولت بعض مزلقانات السكك الحديدية فى محافظة المنوفية إلى أسواق عشوائية مكتظة بالباعة الجائلين، مما يشكل خطراً على سلامة المواطنين وتهديداً لحركة القطارات. وبينما يعانى الأهالى من تداعيات هذه الظاهرة، يشكو الباعة من تجاهل المسؤولين لمطالبهم بتقنين أوضاعهم.
فى مراكز مثل منوف، تلا، بركة السبع، وقويسنا، أصبحت القضبان الحديدية والمزلقانات مرتعاً للباعة الجائلين، الذين يفترشون الأرض لعرض بضائعهم، بينما يتدفق المشترون دون أى اعتبارات للخطورة المحيطة بهم.
ويتفاقم الوضع يوم السبت من كل أسبوع، حيث يشهد سوق منوف الأسبوعى تجمعاً ضخماً للباعة من مختلف المحافظات.
محمد سالم، أحد سكان مدينة منوف، قال إن المنطقة المحيطة بمحطة السكك الحديدية أصبحت ∩منطقة منكوبة∪، حيث يحتل الباعة الأرصفة والقضبان، مما يؤدى إلى تعطيل حركة المرور ويعرض حياة الناس للخطر.
وأضاف: ∩تقدمنا بعدة شكاوى إلى هيئة السكك الحديدية ومجلس المدينة لإزالة الإشغالات، لكن لم يتم اتخاذ أى خطوات ملموسة∪.
لم تتوقف المشكلة عند وجود الباعة الجائلين، بل توسعت لتشمل تعديات أخرى مثل هدم أجزاء من سور السكك الحديدية لاستخدامها كمعابر غير قانونية، كما تنتشر أكوام المخلفات بالقرب من القضبان، حيث يقوم بعض السكان بحرقها، مما يسبب تلوثاً بيئياً ويزيد من مخاطر الحرائق.
من جهة أخرى، أصبحت بعض المناطق المهجورة بجانب خطوط السكك الحديدية مأوى لمتعاطى المخدرات والخارجين عن القانون.
وتؤكد انتصار زيدان، إحدى أهالى المنوفية، أن غياب التواجد الأمنى أدى إلى انتشار البلطجية وحوادث السرقة بالإكراه، قائلة: ∩نخشى على أبنائنا وبناتنا من خطورة هذا المكان، ونطالب بتدخل أمنى عاجل∪. ورغم الانتقادات الموجهة إليهم، يرى الباعة الجائلون أن وجودهم على قضبان السكك الحديدية ليس خياراً بل ضرورة.
إدارة عبدالله، بائعة متجولة، أكدت أن الباعة يواجهون خطر القطارات بشكل يومى، قائلة: ∩نحن نبحث عن لقمة العيش بالحلال. تقدمنا بطلبات لتقنين أوضاعنا ومنحنا أكشاكاً قانونية، لكن لم يستجب لنا أحد∪.
وأشارت إلى أن المطاردات المستمرة من قبل البلدية ومجلس المدينة تجعل أوضاعهم أكثر صعوبة، مناشدة الجهات المعنية بإقامة أسواق بديلة للباعة تضمن لهم مصدر رزق آمن.
وفى ظل هذه الأزمة المتفاقمة، أصدر اللواء إبراهيم أبوليمون، محافظ المنوفية، توجيهات لرئيس مجلس مدينة منوف بالتنسيق مع هيئة السكك الحديدية لإقامة مزلقانات إلكترونية وإزالة التعديات.
وأكد رئيس المجلس أن الجهود مستمرة لحل المشكلة تدريجياً وتأمين حياة المواطنين.
وأشار وزير النقل السابق، إلى أن هيئة السكك الحديدية تتكبد خسائر سنوية تصل إلى 40 مليون جنيه بسبب التعديات على حرم السكك الحديدية وإزالة الأسواق العشوائية، مؤكدًا أن هذه الظاهرة تهدد سلامة القطارات وتؤثر على كفاءة الخدمة المقدمة للمواطنين.
لحل هذه المشكلة المزمنة، يطرح الخبراء والأهالى عدداً من الحلول الممكنة، أهمها إقامة أماكن مخصصة للباعة الجائلين بعيداً عن حرم السكك الحديدية، مع توفير أكشاك قانونية تضمن مصدر رزق آمن ومستدام لهم، وزيادة الدوريات الأمنية حول المزلقانات والمناطق المحيطة بها للحد من الجرائم والسرقات، وضمان أمن وسلامة المواطنين، وصيانة خطوط السكك الحديدية وإقامة أسوار محكمة تمنع التعديات، كما يُوصى بإقامة مزلقانات إلكترونية تسهل حركة القطارات والمشاة بشكل آمن، تنظيم حملات توعوية للمواطنين حول أهمية الحفاظ على حرم السكك الحديدية، وتسليط الضوء على المخاطر المترتبة على التعديات، فرض عقوبات صارمة على المخالفين الذين يعتدون على البنية التحتية أو يستخدمونها بطرق غير قانونية. وتحولت مزلقانات السكك الحديدية فى المنوفية من ممرات آمنة لعبور القطارات إلى نقاط خطر تهدد أرواح المواطنين وحركة القطارات، بينما تتأخر الاستجابات الرسمية، يزداد الوضع تعقيداً مع استمرار التعديات وانتشار الأسواق العشوائية. يتطلب حل هذه الأزمة تضافر جهود الجهات التنفيذية والأمنية مع المجتمع المحلى لوضع خطة شاملة تضمن حماية الأرواح، الحفاظ على البنية التحتية، وتوفير بدائل مناسبة للباعة الجائلين.
البحيرة..
صراع بين الحياة و∩لقمة العيش∪
على الرغم من الجهود الكبيرة التى بذلتها هيئة السكة الحديد لتطوير محطات القطارات بمختلف المحافظات، والتى شملت تحسين المظهر العام، وتوفير عربات حديثة بمقاعد مريحة، فضلاً عن الاهتمام بالنظافة ودورات المياه، فإن تلك التطورات تغفل جانباً خطيراً يعكر صفو هذا الإنجاز: انتشار الباعة الجائلين على طول محطات السكة الحديد وداخل القطارات.
فى مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، يتحول محيط محطة السكة الحديد يوم الخميس من كل أسبوع إلى سوق شعبى، حيث يعمد العديد من الباعة إلى افتراش القضبان لعرض بضائعهم المتمثلة فى الملابس المستعملة، الأحذية القديمة، والخردوات، هذا المشهد يشكل خطراً داهماً على حياة مئات المواطنين الذين يترددون على السوق لشراء حاجاتهم بأسعار زهيدة، غير مدركين أنهم يعرضون حياتهم للموت تحت عجلات القطارات.
سوق على القضبان.. بين الحاجة والخطر
فى مشهد مأساوى متكرر، يعرض الباعة الجائلون بضائعهم على القضبان على بُعد أمتار قليلة من القطارات، رواد السوق، معظمهم من محدودى الدخل أو معدومى الموارد، يغامرون بحياتهم للحصول على حاجياتهم الأساسية بأسعار تتناسب مع قدراتهم المالية.
إيمان على، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، تقول: ∩ أحضر إلى السوق قبل الأعياد لشراء الملابس المستعملة والأحذية القديمة لأبنائى، زوجى يعمل فى مجال المعمار، ودخله بالكاد يكفى الطعام، ولا نستطيع تحمل تكلفة الملابس الجديدة بسبب غلاء الأسعار∪.
من جانبه، يقول صبرى جلال، عامل بالأجرة اليومية: ∩السوق هو الحل الوحيد لتلبية احتياجات أطفالى، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية والكتب الدراسية، فى هذا البرد القارس، أشترى لهم ملابس مستعملة يرتدونها فوق بعضها لتوفير الدفء∪. ورغم محاولات شرطة المرافق لوقف هذا السوق العشوائى من خلال حملات مكثفة، إلا أن هذه الجهود تظل غير فعالة على المدى الطويل. فبمجرد انتهاء الحملة، يعود الباعة سريعاً إلى أماكنهم لمزاولة نشاطهم، وسط أجواء لا تخلو من التوتر والخطر.
ويؤكد البائعون أنهم مرغمون على هذا الوضع بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. يقول أحد الباعة: ∩ليس لدينا خيار آخر. المخاطر حقيقية، ولكننا نقف هنا من أجل لقمة العيش. نطالب الحكومة بتخصيص مكان آمن نستطيع العمل فيه دون تعريض حياتنا وحياة الزبائن للخطر∪.
الحالة المتفاقمة فى كفر الدوار ليست استثناءً، بل هى نموذج لمعاناة آلاف المواطنين فى مصر الذين يُجبرون على مواجهة المخاطر يومياً بحثاً عن حياة كريمة.
ويطالب الأهالى والباعة على حد سواء بضرورة التدخل العاجل من الجهات المسؤولة لتوفير أسواق بديلة قريبة وآمنة. كما يقترح البعض تخصيص أماكن داخل المدينة تتيح للباعة عرض بضائعهم بشكل حضارى، مع فرض رقابة لتنظيم العملية ومنع العودة إلى السكة الحديد.
السوق الأسبوعى على قضبان السكة الحديد بكفر الدوار يجسد صراعاً مأساوياً بين الحاجة الاقتصادية والأمان الشخصى. وبينما يسعى الباعة والزبائن لتوفير احتياجاتهم اليومية، تظل أرواحهم مهددة بفعل الإهمال وغياب الحلول الجذرية.
إن وضع حد لهذه المأساة لا يتطلب فقط قرارات حكومية حازمة، بل يحتاج إلى إرادة مجتمعية تستهدف تحقيق التوازن بين احتياجات المواطنين الأساسية وحقهم فى الحياة بأمان.
الإسكندرية بين الحلم والواقع
تعد الإسكندرية، عروس البحر المتوسط، واحدة من أهم المدن المصرية التى شهدت اهتمامًا كبيرًا بتطوير بنيتها التحتية، خاصة فى قطاع النقل والمواصلات. إلا أن التحديات الناتجة عن انتشار العشوائية، كالأسواق غير المنظمة والمواقف العشوائية، لا تزال تُلقى بظلالها السلبية على هذه الجهود، مهددة بتحويل مشروعات بملايين الجنيهات إلى مجرد مظاهر غير مكتملة.
فى إطار خطة تطوير السكة الحديد، حظيت محطة سيدى جابر، الواقعة فى قلب الإسكندرية، بمشروع ضخم شمل إنشاء مركز تجارى مكون من طابقين علويين مجهزين بسلالم متحركة، مصاعد، تكييف مركزى، وأنظمة أمان حديثة. كما تم إنشاء جراج متعدد الطوابق يسع 600 سيارة بتكلفة إجمالية بلغت 225 مليون جنيه.
لكن منذ افتتاح المشروع عام 2013، ظهرت تحديات جديدة على السطح، حيث انتشرت الأسواق العشوائية حول المحطة، وتحولت بعض مداخلها، خاصة من جهة سموحة، إلى نقاط ازدحام بسبب انتشار الباعة الجائلين ومواقف السيارات غير المنظمة.
عاصم محمد، مهندس من الإسكندرية، قال إن الجهود الحكومية التى بذلت لتطوير المحطة فقدت كثيرًا من بريقها بسبب العشوائية المحيطة بها. وأكد أن المنطقة الجنوبية، باتجاه سموحة، أصبحت مليئة بالمواقف العشوائية للسيارات والباعة الجائلين، مما أضر بجمال المنطقة، وأدى إلى زحام مستمر.
ميدان محطة مصر من واجهة حضارية إلى فوضى يومية
ميدان محطة مصر، الذى افتُتح بعد تطويره ليكون واجهة مشرفة للإسكندرية، يعانى من مشكلات مشابهة. الباعة الجائلون أصبحوا مشهدًا يوميًا فى محيط الميدان، حيث يستغلون الأرصفة لعرض بضائعهم، ما أدى إلى تشويه المظهر العام الذى كان من المفترض أن يعكس التطوير الذى شهدته المنطقة.
ضحى إبراهيم، معلمة، عبرت عن استيائها من الحالة الحالية للميدان، مشيرة إلى أن الباعة يتعاملون وكأنهم فى لعبة ∩القط والفأر∪ مع حملات الإزالة. وأضافت: ∩عندما تصل الحملة، يختبئون فى الشوارع الجانبية ثم يعودون فور مغادرتها ∩.
فى منطقة المعمورة، تتكرر المشكلات ذاتها، سوق عشوائى مقام بجوار شريط السكة الحديد أغلق طريقًا يؤدى إلى مستشفى التأمين الصحى فى طوسون، هذا الطريق، الذى يُعد شريانًا حيويًا للسكان، أصبح مسدودًا بفعل التعديات اليومية.
أسامة السيد، أحد العاملين فى المنطقة، وصف الوضع بالمأساوى. وقال: ∩السوق العشوائى لا يعطل فقط حركة المرور، بل يهدد أمن وسلامة المنطقة بأسرها. نحن بحاجة إلى تدخل سريع من المسؤولين لوضع حد لهذه الفوضى∪.
مع تفاقم المشكلات، ارتفعت أصوات المواطنين والخبراء للمطالبة بحلول جذرية تُعيد للإسكندرية رونقها الحضارى.
الدكتور جلال الزناتى، أستاذ التربية بجامعة الإسكندرية، أكد أهمية مشروع الهوية البصرية الذى تعمل عليه المحافظة. وطالب بإدراج محطة سيدى جابر ومحيطها ضمن أولويات التطوير، مشيرًا إلى ضرورة إنشاء نقطة شرطة مرافق ثابتة فى المنطقة للحد من الفوضى.
كما دعا إلى تقنين أنشطة المحلات المؤجرة من هيئة السكة الحديد، بحيث تتوافق مع طبيعة وهوية الإسكندرية، فضلًا عن الاستفادة من الأراضى غير المستغلة لنقل المواقف العشوائية وتنظيمها بشكل يضمن السيولة المرورية.
سهام محمد، أحد سكان مدينة الإسكندرية، شددت على ضرورة فرض قوانين صارمة ضد المخالفين. وأوضحت: ∩لابد من إجراء حصر شامل للمخالفات وحل جذرى لهذه الأزمة. لا يمكن أن تكون المنطقة المحيطة بمحطة سيدى جابر واجهة للمدينة فى هذه الحالة∪.
الجهود الحكومية وحاجة للتكامل
من جانبها، تسعى الأجهزة التنفيذية فى الإسكندرية لمعالجة هذه القضايا، حيث تم نقل مواقف المحافظات إلى مواقع جديدة أكثر تنظيمًا. إلا أن الواقع يشير إلى استمرار بعض التحديات، مثل انتشار الأسواق العشوائية، وغياب الاستخدام الأمثل لبعض المنشآت. تظل الإسكندرية نموذجًا حيًا للصراع بين جهود التطوير الحضرى والتحديات الناتجة عن غياب التنظيم. فبينما تسعى الدولة لتحويل المدينة إلى وجهة حضارية تليق بمكانتها التاريخية، تتطلب الأوضاع الراهنة حلولًا أكثر شمولية وحزمًا لضمان استدامة هذه المشروعات. إذا استمرت العشوائية فى السيطرة، فإن الخطر الأكبر يتمثل فى خسارة جهود التطوير والمبالغ الطائلة التى تم إنفاقها، الحل يكمن فى إرادة جماعية تضم المسئولين والمواطنين معًا، لاستعادة النظام وتحقيق الانضباط المطلوب.
0 تعليق