مع التداخل الكبير للذكاء الاصطناعي في شتى جوانب الحياة، أثارت العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفن تساؤلات كثيرة ابتداءً من الجوانب الأخلاقية للمسألة وصولًا إلى قضايا حقوق التأليف والنشر.
وفقًا لبسمة حمدي، الأستاذة المساعدة في التصميم الجرافيكي في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، فقد استحوذ هذا الدمج بين الإبداع والتكنولوجيا على خيال المبدعين والعلماء على حد سواء، حيث أدى الذكاء الاصطناعي إلى تغيير شكل المشهد الإبداعي وتحدي المفاهيم التقليدية للفنون والأصالة.
تقول بسمة، والتي تربط أعمالها القضايا التاريخية والسياسية والاجتماعية بالآليات النقدية: «أعتقد أن الذكاء الاصطناعي اجتاح العالم في كل تخصص وفي كل مجال، وبات النقاش اليوم حول الكيفية التي يغير فيها الذكاء الاصطناعي واقع هذه المجالات، والفن ليس استثناء من كل هذا».
أحد الأسئلة الأخلاقية الرئيسية في هذا المجال يتعلق باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «شات جي بي تي» في الأعمال الفنية، وهو ما تجيب عنه بسمة بالقول: «ما يزال مضمار الأخلاق والذكاء الاصطناعي في طور النشوء. لذا يتعين علينا أن نبدأ في التساؤل عمّا يجعل عالمنا أخلاقيًا. هل هو زيادة الكفاءة؟ أم الاستهلاك؟ أم التركيز أكثر على التساؤل حول سبب قيامنا بما نفعل، ومحاولة تحسين حياة الشخص العادي؟».
الاعتبارات الأخلاقية
ترى بسمة أن الاعتبارات الأخلاقية والتحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي متشابهة، سواء حين يفكر شاب يبلغ من العمر 15 عامًا باستخدام «شات جي بي تي» لمساعدته في واجباته المدرسية، أو حين يفكر شخص آخر في دور الذكاء الاصطناعي في الفن.
تشجع بسمة الطلاب والمستهلكين على التفكير في أسئلة مثل «ما هي المُلكية الفكرية؟ وما هو التملّك؟ وما هي الأصالة؟». وإذا كان شخص ما يعمل على تقديم قطعة فنية باستخدام «شات جي بي تي» أو بعض أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى، فإن السؤال هو ما إذا كان من الممكن اعتبار هذا العمل الفني أصليًا؛ ولمن سيُنسب الفضل وراء هذا العمل الفني؟ وهل يُصنّف كل ما سبق في خانة الغش؟
من وجهة نظر بسمة حمدي فإن الإجابة هي «نعم ولا» في آن معًا. إذ إن صدى هذه الأحجية الأخلاقية يتردد عبر تاريخ الفن، وهو ما تدلل عليه من خلال الإشارة إلى قيام فنانين مشهورين حتى، مثل بابلو بيكاسو، بنسب أعمال فنية إلى أنفسهم واستعارتها من ثقافات مختلفة.
تقول بسمة: «أعتقد أن كل ما علينا فعله هو أن نرى الأمر من زاوية مختلفة». وتضيف: «لذا، وبدلًا من محاولة تطبيق نفس المبادئ التي طبقناها في عالم ما قبل الذكاء الاصطناعي على عالم ما بعد الذكاء الاصطناعي، ما نحتاج إليه هو إعادة صياغة السردية. نحن بحاجة إلى التفكير أكثر في ماهية الملكية الفكرية ومن صنع هذا العمل الفني فعلًا».
خطوات استباقية
ترى بسمة أن تلمّس دروب الأخلاق في المشهد الذي يجمع الذكاء الاصطناعي والفن، حاله حال كل شيء في الحياة، يتطلب أيضًا بوصلة أخلاقية شخصية، وتقول: «ليس عليك بالضرورة الرجوع إلى قاموس الأخلاقيات العالمية؛ فلديك بوصلة أخلاقك أنت – بإمكانك التفريق بين الصواب والخطأ، ومعرفة ما إذا كان الأمر ينسجم مع مبادئك أم لا». وهكذا، وفي الوقت الذي تدعو فيه بسمة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية في العمل الإبداعي، لا يغيب عن طرحها وجود مناطق رمادية.
وفي هذا السياق، تتخذ مؤسسات مثل جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر خطوات استباقية لتوجيه الطلاب والمعلمين نحو استخدام الذكاء الاصطناعي بحكمة.
تقول بسمة: «في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر وفي المدينة التعليمية، هناك ورش عمل تهدف إلى تثقيف الطلاب والأساتذة حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بحكمة». مبادراتٌ ترى بسمة أنها تعزز تنشئة جيل من المبدعين الذين لا يتقنون استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي فحسب، بل وعلى دراية واسعة بالاعتبارات الأخلاقية أيضًا.
وعلى صعيد أوسع نطاقًا، تدعم مؤسسة قطر ومتاحف قطر دمج الذكاء الاصطناعي في المساحات التعليمية والثقافية. وتسلّط بسمة حمدي الضوء على مركز الذكاء الاصطناعي الرقمي الذي أطلقه متحف قطر الوطني بالتعاون مع شركة مايكروسوفت، والذي يهدف إلى خلق مساحة للطلاب والشباب لممارسة المهارات الرقمية واكتساب طرق جديدة للتفكير والتعلم، وتؤكد في هذا السياق أهمية تثقيف جيل الشباب لأنهم «سيكونون في المستقبل واضعي الخوارزميات والمبرمجين الذين سيؤثرون على الذكاء الاصطناعي لاحقًا».
وفيما يخص المستقبل، تتصور بسمة عالمًا يريح فيه الذكاء الاصطناعي البشرية من المهام اليومية، مما سيسمح لنا بالتركيز على إيجاد أجوبة عن أسئلة أعمق. وتقول: «أعتقد أننا في مرحلة زمنية ندرس فيها تاريخنا وننظر عن كثب إلى التطور الذي حدث في القرن العشرين».
وتتابع: «لقد تميز القرن العشرين بالتحوّل الصناعي، والرأسمالية، والمنافسة، وديناميات القوة. وفي المقابل، يَعِدُ المستقبل بالتحول نحو الإنتاجية والتعاون، وهو ما تسهلّه كفاءة الذكاء الاصطناعي».
0 تعليق