هل الأهلى فى مشكلة فنية؟
بكل تأكيد نعم
هل المشكلة كارثية؟
قطعًا لا
يمر الأهلى، حاليًا، بلا شك، بفترة ليست هى الأفضل فى مسيرته مع مدربه السويسرى مارسيل كولر، تعادلات وخسارة نقاط وتراجع فى المعدل الهجومى والتهديفى، وأداء متراجع ومستوى فنى سيئ لكثير من اللاعبين، لكن بالرغم من ذلك، فهو متصدر جدول الدورى العام، وحسابات الصعود لدور الـ١٦ من دورى الأبطال لا تزال تقف إلى جانبه بقوة، إذن فالموقف الفنى لا يتماشى مع موجة الغضب الكبيرة من الجماهير، والمشكلة ليست فنية بالأساس، وإنما إدارية فى المقام الأول.
بالحديث عن الإدارة، قد تعتقد أننا ذاهبون لإلقاء اللوم على محمود الخطيب، رئيس النادى، وتحميله المسئولية كاملة، لكن الإدارة التى نقصدها هنا، التفاصيل الداخلية للفريق، وبشكل أكثر دقة، علاقة المدير الفنى بكابتن الفريق.
موقف كولر والشناوى نسخة مكررة من موقف جوزيه وعصام الحضرى عام ٢٠٠٥، لكن التعامل الذى حدث قبل ٢٠ عامًا كان مختلفا وحاسمًا وحازمًا، وأدى فيما بعد لسنوات من الاستقرار والنجاحات والألقاب، ولو أن المسئولين فتشوا فى أوراق الأعوام العشرين الماضية؛ لوجدوا الحل والروشتة المُجربة والفعالة، وكما يقول المثل الشعبى «اسأل مجرب».
٢٢ أبريل ٢٠٠٥
الأهلى يتعادل مع اتحاد العاصمة الجزائرى فى استاد القاهرة بهدفين لكل منهما، فى مباراة الإياب لدور الـ١٦ من مسابقة دورى الأبطال، وبسبب هدف بركات فى مباراة الذهاب، التى أقيمت فى الجزائر، صعد الأهلى لدور الثمانية.
بهذه المعطيات تكون الأمور منطقية، مكسب خارج الأرض، وتعادل على ملعبك، ثم الصعود، ورغم أن الأهلى قدم مباراة سيئة فنية، لكن آخر دقيقة هى ما جعلت هذه المباراة تاريخية بكل معنى الكلمة، وتذكر معى أنها الدقيقة الأخيرة.
وقتها كان الأهلى متقدمًا بهدفين لهدف، والكرة بحوزة لاعبى اتحاد العاصمة، ثم كرة طولية ضعيفة وسهلة جدًا فى يدى الحارس شديد التألق عصام الحضرى، وفجأة تسقط الكرة من يديه بشكل غريب، ويفشل عماد النحاس فى تشتيتها؛ لتنتهى الهجمة بضربة جزاء أنهت المباراة بالتعادل الإيجابى، وتذكر أيضًا هذا السقوط للكرة، وقتها غضب جوزيه بشكل لافت، وصرح بأنه لو كان هناك مزيد من الوقت؛ لخرج الأهلى من البطولة.
حالة الغضب لم تقتصر على المؤتمر الصحفى، أو وصلة توبيخ فى غرفة خلع الملابس بعد المباراة، وإنما تبعتها قرارات قاسية جدًا، فقد قرر المدير الفنى التاريخى للقلعة الحمراء سحب شارة القيادة من حارسه المتألق عصام الحضرى، فى واقعة نادرة الحدوث، واتهمه وقتها بالغرور والتعالى، ومنذ ذلك التاريخ لم تلمس شارة قيادة الأهلى ذراع الحضرى. ما حدث وقتها أن المدير الفنى التاريخى للأهلى اتهم أحد أهم لاعبيه وقتها بالغرور؛ لأنه رأى قدرًا من التعالى فى التعامل مع إحدى الكرات؛ رغم أنك لو شاهدتها اليوم قد تلتمس بعض العذر للحضرى، فالكرة ارتطمت بالأرض وخدعته، لكن جوزيه كان يعلم أن إمكانات حارسه لا تجعله يرتكب مثل تلك السذاجة التى حدثت، فالأمر ببساطة أنه «مغرور».
ماذا كان رد فعل الحضرى؟
رغم حالة الغضب الكبيرة من هذا التعامل، فإنه تعامل ككابتن وقائد، امتثل للقرار ونفذه ولم يتمرد، ويمكن أن يكون بالفعل قد عاش لحظات ندم على هذا الخطأ، لكن الأكيد أنه لم يستطع مواجهة الجمهور وقد ارتكب مثل تلك السذاجة.
٣ يناير ٢٠٢٥
الأهلى يلاعب شباب بلوزداد الجزائرى فى دور المجموعات بدورى الأبطال، وما أشبه الليلة بالبارحة، فنحن الآن فى الدقيقة ٩٠، آخر دقائق المباراة، ولاعب اتحاد العاصمة يسدد كرة ضعيفة تسقط من يدى الشناوى- وهو ما تكرر كثيرًا الفترة الأخيرة- وانتهى الموقف بهدف للفريق الجزائرى أدخل الأهلى فى حسابات الصعود المعقدة، وأوقف سلسلة لا هزيمة تاريخية فى المسابقة.
ورغم أن الموقف كان يمكن أن ينتهى لو أن كوكا قام بتشتيت الكرة، فإن ما حدث جعلنا ننتبه لبعض الأشياء. الخطأ الذى ارتكبه قائد الأهلى وحارسه الكبير لم يكن الأول فى فترته الأخيرة، بل تكررت تعاملاته الساذجة مع الكرات كثيرًا منذ عودته من الإصابة، لكن الغريب هنا هو موقف مدربه الناجح جدًا مع الفريق منذ قدومه، مارسيل كولر، فالرجل لم ينطق بكلمة عتاب أو تأنيب لحارسه عن أخطائه المكررة، التى يمكن- وتذكر هذه الجملة جيدًا- أن تحرمه من استكمال مشوار بطولته المفضلة، ولم نسمع عن أى عقوبة حتى لو من باب التسريبات لتهدئة الجماهير، بل إنه لم يغب عن مباريات الفريق من الأساس.
لكن هذا لم يكن كل شىء، فالأغرب أن الشناوى لا يعجبه انتقاد الجماهير له، ولا يعترف لا أمام الناس ولا بينه وبين نفسه، بأن مستواه مهتز، وأنه لا يعيش أفضل فتراته، وهو شىء بالمناسبة لا يعيبه، فما من لاعب فى تاريخ اللعبة حافظ على الـtop level طوال مشواره. كان يمكن للقائد أن يتغاضى عن تلك الانتقادات ويركز فى عمله- كما فعل الحضرى- حتى يستعيد مستواه، لكنه قرر أن يقف ندًا أمام جماهيره، ويرد عليهم كلمة بكلمة، وتصرفًا بتصرف، وعندًا بعند، بل يهدد بعد كل خطأ بالرحيل حتى «يستريح» الجميع، ما دفع جماهير الأهلى فى تصرف نادر أن تهتف ضده فى المدرجات، وتقولها صراحة «غور».
ليتك تعلمت من الحضرى يا شناوى..
وليتك تذكرت جوزيه يا كولر.
١٧ مايو ٢٠٠٥
الأهلى يعلن عن تعاقده مع نادر السيد، أحد أهم حراس المرمى فى سنوات الكرة المصرية الأخيرة، قادمًا من المصرى البورسعيدى، وذلك بعد مرور أقل من شهر على واقعة هدف سحب الشارة من الحضرى.
ما زلنا مع درس جديد من أسطورتى النادى جوزيه والحضرى، اللذين لم تربطهما يومًا علاقات حب واستلطاف، لكنه العمل وحده.
رأى جوزيه فى الحضرى إمكانات خارقة، لكنه يعانى أمرًا شديد الخطورة بجانب الغرور بالطبع، هو أنه بلا منافس حقيقى، فلم يكن لدى حارسه الاحتياطى أمير عبدالحميد ما يؤهله لمنافسة الحضرى، وبالتالى فخطأ اتحاد العاصمة يمكن أن يتكرر، ويمكن أيضًا أن ينخفض مستوى حارسه الأساسى ما دام ضامنًا أنه فى أسوأ حالاته أفضل من الاحتياطى، وبالتالى لن يفقد مركزه، والحل هو أن نجد له منافسًا، ولم يكن هناك أفضل من نادر السيد للقيام بذلك.
كان الحضرى يعلم أنه مع أول انخفاض فى مستواه سيجلس على دكة البدلاء، وكان يعلم أيضًا أن نادر لو دخل أرض الملعب لن يخرج إلا بمعجزة، فقد كان حارسًا كبيرًا بحق. فطن الحضرى لذلك، فرفع مؤشر المنافسة لأعلى مستوى، وشاهدنا النسخة الأسطورية لأفضل حارس فى تاريخ مصر بشهادة الجميع، ورأينا حارسًا متوحشًا فى بطولتى الأمم الإفريقية ٢٠٠٦ و٢٠٠٨ أيضًا، الحضرى فى هذه الفترة لم يكن مجرد حارس مرمى فى مستوى عالٍ، بل حصن أمان حقيقيًا لأى مجموعة من اللاعبين أمامه فى الملعب، ولولا قرار هروبه لسيون السويسرى أواخر ٢٠٠٨؛ لصنع تاريخًا مع الأهلى لن يتكرر مهما مرت السنوات.
أغلب الظن أن جوزيه لم يكن بالغباء الذى يجعله يعتمد على نادر السيد ويستغنى عن الحضرى، لم يكن ذلك هدفه قطعًا، لكنه فقط أراد أن يُخرج المارد الذى بداخله، ونجح فى ذلك بامتياز.
٢٢ يناير ٢٠٢٤
منتخب مصر يلاعب الرأس الأخضر فى مرحلة المجموعات ببطولة الأمم الإفريقية ٢٠٢٣، وفى دقائق المباراة الأخيرة يتعرض حارس المرمى محمد الشناوى لإصابة قوية؛ لينتهى مشواره فى البطولة، ويصبح الأهلى فى مأزق كبير لأنه بلا حارس أساسى، لا فى البطولات المحلية ولا فى دورى أبطال إفريقيا.
دفع الأهلى بحارسه الشاب مصطفى شوبير، الذى وضح من البداية أنه يمتلك إمكانات كبيرة، وقدم مستويات خرافية رغم قلة مشاركاته السابقة، خاصة لو وضعنا فى الاعتبار أنه شارك «من الدار للنار»، وكان بجدارة بطل اللقب ١٢ لدورى الأبطال، واعتقد الجميع أن الأهلى قد حصل على منافس قوى لحارسه الأساسى، وأنه قد حان الوقت لتجديد دماء الفريق وضخ مواهب شابة قادرة على المنافسة لسنوات مقبلة، وأن الشناوى قطعًا سيرفع من مستواه ليضمن مكانه فى ظل وجود موهبة كبيرة على مقاعد البدلاء، بل إن الكثير رأى ضرورة إعطاء الفرصة كاملة لشوبير.
كيف تصرف الشناوى؟
هل تذكر ما فعله الحضرى؟
للأسف اختار الشناوى الطريق الأسهل والأسوأ، لن أجلس احتياطيًا أبدًا.
كان يمكن أن يفعل ذلك بالتركيز فى العمل، لكنه فعله بالمَنّ والمعايرة بما قدمه للفريق، من منطلق «أنا اللى كنت شايل النادى»، لم يعترف الشناوى بانخفاض مستواه، والأخطر من ذلك أنه قدم أسوأ نموذج للكابتن فى تاريخ النادى، عندما قرر ألا يجلس على مقاعد البدلاء لشوبير، وكان الاتفاق مع كولر بإعطاء الفرصة للحارس الشاب كل ٥ أو ٦ مباريات للحفاظ على مستواه، فطلب الشناوى أن يكون خارج القائمة من الأساس، فى تصرف غير مفهوم، فأى لاعب مهما كانت إمكاناته ومكانته وقيمته وأهميته، يمكن أن يجلس احتياطيًا لأسباب فنية، أو حتى لأسباب تتعلق بإعداد كوادر للمستقبل، كما هى الحالة هنا، وكما هو متوقع من كابتن وقائد الفريق.
صديقى محمد الشناوى، دعنى أسألك: هل فكرت مرة واحدة عن تأثير شروطك هذه على شوبير؟، هل قررت أن تقف بجانبه فى بداية مشواره الحقيقى كما تروّج دائمًا؟، من المؤكد أنك لم تفعل، وبخلت عليه بمجرد شعور أنه يلعب أساسيًا على أحد أهم حراس مرمى الأهلى.
ما بين ٢٠٠٥ و٢٠٢٥
الفارق بين ٢٠٠٥ و٢٠٢٤، هو أن الأهلى أصبح بلا قائد، والقيادة هنا تبدأ من المدير الفنى وتنتهى عند قائد الفريق، ودعنى أذكرك أننى لا أناقش معك هنا المستوى الإدارى الأعلى، فليس هذا محله، والحديث عن الصفقات والتدعيمات، وكل هذه الأسباب التى يرى البعض أنها سبب الانهيار ليس دقيقًا.
لكن دعونا نعود لنقطتنا الأساسية، القيادة المباشرة للفريق، كابتن الفريق أصبح غير مهتم سوى بمصلحته الشخصية، وليذهب أى شىء للجحيم، هل تريد دليلًا آخر؟ تعال نرى ما يفعله أكرم توفيق فى فرض شروطه المادية على النادى، وهو حقه بالمناسبة، لكن لماذا لم يتحدث إليه كابتن الفريق ليقنعه بالتجديد؟، لأن الكابتن نفسه يفرض شروطه هو الآخر للتجديد، ويطلب ٥٠ مليونًا فى العام الواحد، وإلا فعروض الاحتراف الخليجى كثيرة، و«ما دام رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت الرقص».
المشكلة الأكبر أن الأهلى أصبح بلا مدير فنى قائد أيضًا، فحالة انصياع كولر التام للشناوى غريبة على الأهلى، للدرجة التى جعلت البعض يرى أن السويسرى أضعف مدير فنى فى تاريخ النادى، ودعنى أطلب منك أن تتخيل لو أن الشناوى قد تصرف بهذا الشكل مع جوزيه، وليس فى ظل هذا الانخفاض فى المستوى، وإنما فى عز تألقه وعنفوانه، هل تخيلت؟ بالضبط.. كان سيلعب بشادى محمد حارس مرمى أفضل من أن يعيش الشناوى هذه الحالة.
لكن دعونى أعترف بأننى قسوت على الشناوى كثيرًا فى عدم السير على نهج الحضرى، فهناك تصرف كان الحضرى فيه قدوته، وهو الآن يخطو فى طريق تكرار ما فعله الحارس الأسطورى، وهى أنه يعمل بكل دأب وحماس وإخلاص لخسارة جمهور الأهلى. فعلها الحضرى عندما ترك الفريق وهرب إلى سيون، وفقد بعدها كل رصيد الحب لديهم، وهتفت الجماهير فى المدرجات «بنينا سد وانهد.. وأمير السد الأشد».
هل ذكرك هذا الهتاف بشىء؟
منذ أيام قليلة هتفت الجماهير ضد الشناوى، قائلة «يا شناوى بطل غرور.. خد كهربا يلا وغور».
كان لا بد للشناوى أن يعلم أن نهاية الطريق واضحة ومُعادة ومكررة، والغباء هو أن تقوم بنفس الفعل بذات الطريقة وتنتظر نتائج مختلفة.
لو أراد الأهلى عودة الأوضاع لطبيعتها، فعليه أن يعود لعام ٢٠٠٥، هناك سيجد معالم الطريق واضحة جلية، روشتة بطلاها جوزيه والحضرى، اللذان لم يحبا بعضهما أبدًا، لكنهما فقط كانا مخلصين لعملهما.
0 تعليق