ضرورة مُلحة.. «البكالوريا المصرية» فى الميزان.. هل يُنهى كابوس الثانوية العامة؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

«التعليم»: حوار مجتمعى حول النظام الجديد قبل عرضه على الحكومة والبرلمان

 

أعلن محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، أمس، عن نظام جديد للثانوية العامة تحت اسم «البكالوريا المصرية»، من المقرر تطبيقه على طلاب الصف الأول الثانوى، اعتبارًا من العام الدراسى المقبل، وهو يلغى التصنيف التقليدى بين الشعبتين الأدبية والعلمية، ويستبدله بـ٤ مسارات تعليمية متخصصة.

وأثار المقترح، فور طرحه من قبل وزير التربية والتعليم، جدلًا واسعًا فى الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، وخلافًا بين المؤيدين والمعارضين حول جدواه فى إحداث التغيير المنشود بالمنظومة التعليمية.

وفى كل الأحوال، شدد الطرفان على حاجة النظام الجديد إلى التخطيط الدقيق والتدرج فى التطبيق لتحقيق الأهداف المرجوة، بالإضافة إلى ضرورة معالجة التحديات التى قد تواجه المقترح، قبل وضعه موضع التنفيذ، وغيرها من النقاط الأخرى التى نستعرضها فى السطور التالية، مع مسئولين فى وزارة التربية والتعليم، إلى جانب خبراء تربويين وأولياء أمور.

 

تقسيم الثانوية إلى مرحلتين لتعزيز مرونة الدراسة.. وامتحانان لـ«تحسين المجموع»

يعتمد النظام الجديد المقترح لـ«البكالوريا المصرية» على تقسيم الدراسة الثانوية إلى مرحلتين، الأولى المرحلة التمهيدية، وتشمل الصف الأول الثانوى، والثانية المرحلة الرئيسية وتشمل الصفين الثانى والثالث الثانوى.

فى المرحلة التمهيدية يدرس الطالب جميع المواد الأساسية، مثل التربية الدينية، واللغة العربية، والتاريخ، والرياضيات، والعلوم المتكاملة، والفلسفة والمنطق، واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى مواد خارج المجموع، مثل اللغة الأجنبية الثانية والبرمجة وعلوم الحاسب. 

أما المرحلة الرئيسية، التى تبدأ فى الصف الثانى الثانوى، فمن المقرر أن تشهد دراسة المواد الأساسية لجميع الطلاب، وهى: اللغة العربية، والتاريخ، واللغة الأجنبية الأولى، إلى جانب المواد التخصصية التى يختارها الطالب وفقًا لتوجهه المستقبلى.

وتتضمن الخيارات المتاحة فى هذه المرحلة: تخصص الطب وعلوم الحياة «الرياضيات/ الفيزياء»، وتخصص الهندسة وعلوم الحاسب «الكيمياء/ البرمجة»، وتخصص الأعمال «محاسبة/ إدارة أعمال»، وتخصص الآداب والفنون «علم النفس/ لغة أجنبية ثانية». ويدرس الطالب فى هذه المرحلة ٤ مواد فقط، بواقع ٣ مواد أساسية، بالإضافة إلى مادة التخصص. 

أما فى الصف الثالث الثانوى، فمن المقرر وفق المقترح أن يدرس الطلاب مادة أساسية واحدة هى التربية الدينية، بالإضافة إلى مواد التخصص التى تختلف حسب اختيار الطالب.

على سبيل المثال، يدرس طلاب تخصص الطب وعلوم الحياة مواد الأحياء والكيمياء بمستوى رفيع، بينما يدرس طلاب الهندسة وعلوم الحاسب مواد الرياضيات والفيزياء بمستوى رفيع، وطلاب تخصص الأعمال يدرسون مادة الاقتصاد بمستوى رفيع، إلى جانب الرياضيات، فى حين يدرس طلاب الآداب والفنون مادة الجغرافيا بمستوى رفيع مع الإحصاء. 

ويتيح نظام الامتحانات للطلاب فرصتين للامتحان فى الصف الثانى الثانوى، الأولى تُعقد فى مايو بشكل مجانى، والثانية للتحسين تُعقد فى يوليو، مع دفع رسوم ٥٠٠ جنيه عن كل مادة يتم تحسينها. أما امتحانات الصف الثالث الثانوى، فتُجرى فى شهرى يونيو وأغسطس بنفس النظام. 

ويُحسب المجموع النهائى للطالب، وفق المقترح، بجمع درجاته فى المواد السبع التى يدرسها خلال المرحلة الرئيسية، بإجمالى ١٠٠ درجة.

ويُسمح للطلاب باستكمال الدراسة فى المرحلتين الرئيسيتين «الصفين الثانى والثالث الثانوى» خلال مدة أقصاها ٤ سنوات، بخلاف السنة التمهيدية فى الصف الأول الثانوى. 

ويهدف النظام الجديد إلى تعزيز مرونة التعليم، وتمكين الطلاب من التخصص فى مجالات محددة تناسب اهتماماتهم وقدراتهم، ما يسهم فى إعدادهم بشكل أفضل لسوق العمل أو الدراسة الجامعية.

بدأت 1952.. رحلة تطوير الثانوية

 

شهدت منظومة الثانوية العامة تغييرات جوهرية على مر العصور، وبدأت أولى الخطوات المنظمة للتغيير فى عام ١٩٥٢، بصدور القانون رقم ٢١١، الذى حدد مدة الدراسة الثانوية بـ٣ سنوات، مقسمة إلى مرحلتين: الإعدادية والثانوية، مع تخصص الطالب خلال المرحلة الثانوية.

وفى عام ١٩٨١، صدر القانون رقم ١٣٩، الذى اشترط الحصول على شهادة إتمام التعليم الأساسى للالتحاق بالثانوية العامة، مع دراسة عامة فى الصف الأول الثانوى، ثم اختيار التخصص بدءًا من الصف الثانى. 

وفى عهد تولى الدكتور أحمد فتحى سرور مسئولية وزارة التربية والتعليم، جرت محاولات لفصل القسمين الأدبى والعلمى، مع إعداد خطة لتحويل الثانوية العامة إلى مرحلة مؤهلة لسوق العمل، لكنها لم تنفذ بسبب التغيير الوزارى. 

وفى عام ١٩٨٨، أعيدت الثانوية العامة إلى نظام العام الواحد، وكانت الدراسة العامة فى الصفين الأول والثانى، مع التخصص فى الصف الثالث. 

ومع تولى الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزارة التعليم فى عام ١٩٩١، عاد نظام العامين، لكن ظهرت معه ظاهرة الدروس الخصوصية ونظام تحسين المجموع، الذى سمح للطلاب بإعادة الامتحان لتحسين درجاتهم، ما تسبب فى ظهور مجاميع تتجاوز ١٠٠٪، إلى أن ألغى هذا النظام فى عام ١٩٩٧ بقرار من رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى، وقتها، بعد جدل مجتمعى واسع. 

وفى مطلع الألفية، أصبح تطوير الثانوية العامة أولوية، وشهد عام ٢٠٠٨ انعقاد المؤتمر القومى لتطوير التعليم، برئاسة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، الذى أوصى بجعل الثانوية شهادة منتهية تعتمد على اختبارات قدرات لدخول الجامعات. وفى ٢٠١١، أعاد مجلس الشعب المنحل صياغة نظام الثانوية العامة ليصبح عامًا واحدًا فقط، وبدأ تنفيذه بالكامل فى ٢٠١٥. 

وفى عهد تولى الدكتور محمود أبوالنصر وزارة التعليم، ظهرت رؤى جديدة لتطوير الثانوية العامة، تضمنت تخصيص مواد تمثل ٤٠٪ من المجموع الكلى لتأهيل الطلاب للتخصصات الجامعية، مع إطلاق مشروع التابلت التعليمى وخط إنتاج محلى له. 

وعند تولى الدكتور طارق شوقى مسئولية الوزارة، جرى تطبيق نظام جديد للثانوية العامة، يعتمد على التقييم الإلكترونى والتابلت، بهدف تقليل ظاهرة الغش وتحقيق تقييم أكثر عدالة، وواجه هذا النظام تحديات كبيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية التكنولوجية وصعوبات التنفيذ. 

ومع تولى الدكتور رضا حجازى وزارة التربية والتعليم، تم التركيز على تحسين نظام الثانوية العامة ومعالجة مشكلات البنية التحتية التى واجهها النظام الإلكترونى.

يلغى النظام التقليدى بين الأدبى والعلمى.. ويُطبق على الطلاب المنتقلين إلى «أولى ثانوى»

أكدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى استعدادها لطرح نظام الثانوية العامة الجديد لحوار مجتمعى، بمشاركة مختلف الأطراف المعنية بالمنظومة التعليمية.

وقال شادى زلطة، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، إن الحوار المجتمعى حول النظام الجديد سيكون بمشاركة الخبراء والمعلمين ومجالس الأمناء والآباء ووسائل الإعلام، لضمان جمع أكبر قدر من الآراء والمقترحات، وتدوينها بشكل يحقق رضا أولياء الأمور والطلاب، ويضمن قبول الرأى العام.

وأضاف «زلطة»: «النظام الجديد يمثل قفزة نوعية مقارنة بالنظام الحالى، إذ يسعى لحل العديد من المشكلات المزمنة، مثل كابوس الثانوية العامة التقليدية، والدروس الخصوصية، مع توفير فرص متعددة أمام الطلاب لتحسين أدائهم، عبر تمكينهم من أداء الامتحانات أكثر من مرة لتحسين درجاتهم».

وواصل: «وفقًا للنظام المقترح، سيكون الصف الأول الثانوى بمثابة مرحلة تأسيسية، يدرس فيها الطلاب جميع المواد الأساسية، مثل اللغة العربية، والتاريخ، والرياضيات، والعلوم المتكاملة، واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى مواد خارج المجموع، مثل البرمجة وعلوم الحاسب»، مشيرًا إلى أن البرمجة وضعت خارج المجموع فى السنة الأولى لإتاحة الفرصة للطلاب لفهمها دون ضغط نفسى، على أن تصبح مادة أساسية ضمن المجموع فى الصف الثانى الثانوى.

وأكمل: «يشتمل الصف الثانى الثانوى على ٤ مواد رئيسية، بينما يتقلص عدد المواد فى الصف الثالث إلى ٣ مواد فقط، مع إتاحة الفرصة للطلاب لإعادة امتحان أى مادة لتحسين درجاتهم».

ونبه المتحدث باسم وزارة التعليم إلى أن النظام الجديد يلغى التصنيف التقليدى بين «الأدبى» و«العلمى»، لتحل محله ٤ مسارات تعليمية متخصصة، تشمل: الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب، والأعمال، والآداب والفنون، ما يوفر مرونة أكبر للطلاب فى اختيار المواد التى تناسب ميولهم المستقبلية.

وواصل: «النظام الجديد يُطبق بدءًا من العام الدراسى المقبل على الطلاب الذين سينتقلون من الصف الثالث الإعدادى إلى الصف الأول الثانوى، والمقترح سيُعرض أولًا على لجنة التنمية البشرية فى مجلس الوزراء لدراسة آليات التنفيذ، ثم على البرلمان للحصول على الموافقة النهائية».

خبراء تربويون: يركز على علوم المستقبل.. يقلل الضغوط النفسية.. ويقضى على الدروس الخصوصية

قال الدكتور تامر شوقى، أستاذ علم النفس والتقويم التربوى بكلية التربية جامعة عين شمس، إن النظام الجديد يتميز بتعدد المسارات الدراسية، ليشمل ٤ مسارات رئيسية هى: الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب، والأعمال، والآداب والفنون، ما يتيح للطلاب خيارات أوسع تتناسب مع ميولهم وقدراتهم. 

وأضاف «شوقى»: «النظام الجديد يركز بشكل كبير على علوم المستقبل المرتبطة بسوق العمل، ويوفر فرصًا متعددة للتقييم عبر نظام التقييم المستمر، ما يقلل من الضغوط النفسية على الطلاب».

وواصل: «بالإضافة إلى ذلك، يتيح نظام البكالوريا تقليل عدد المواد الدراسية التى تُدرس خلال سنتين فقط للطالب، ما يوفر له فرصة أكبر للتعمق، ويقلل من الحاجة إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية».

وأكمل: «النظام يقدم فرصة لتدريس مواد متكاملة من مختلف التخصصات، ويضمن اعترافًا دوليًا بشهادة الثانوية العامة المصرية، كما أنه يهدف إلى تحديث شامل للمناهج الدراسية، مع التركيز على تدريس مستويات متقدمة فى مواد، مثل الرياضيات والفيزياء والجغرافيا والاقتصاد».

وعلى الرغم من هذه المميزات، أشار الخبير التربوى إلى وجود العديد من التحديات التى قد تعوق تطبيق النظام الجديد، على رأسها عدم وضوح آلية التطبيق، خاصة على طلاب الصف الأول الثانوى، إذ يتطلب الأمر تطوير مناهج جديدة بشكل عاجل.

ورأى الدكتور عاصم حجازى، الخبير التربوى، أن نظام البكالوريا ليس نظامًا جديدًا بالكامل، بل مزيجًا من أنظمة قديمة وأفكار سبق طرحها فى أوقات سابقة، ورغم كونه خطوة جيدة فى مجمله، تحتاج التفاصيل المتعلقة به إلى مناقشات موسعة، إلى جانب بعض التعديلات لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. 

وقال «حجازى»: «يعتمد هذا النظام على توزيع درجات الطالب على مدار سنتين دراسيتين، بدلًا من الاعتماد على السنة الأخيرة فقط، كما هو الحال فى النظام الحالى، وهى فكرة ليست بجديدة، إذ تم تطبيقها سابقًا فى مراحل معينة، وتسهم فى تخفيف الأعباء الأكاديمية عن الطلاب، وتحقيق عدالة أكبر».

وأضاف الخبير التربوى: «النظام الجديد يتضمن فرصة تحسين درجات الطالب ضمن ضوابط محددة، وهى جزئية مهمة تحتاج إلى مزيد من التنظيم لضمان حقوق المتفوقين، وهى فكرة تتقاطع مع مقترحات طُرحت خلال فترة تولى الدكتور رضا حجازى وزارة التربية والتعليم».

وواصل: «النظام يتميز بتقديم ٤ مسارات دراسية مختلفة، ما يمنح الطلاب مرونة كبيرة، ويوفر ارتباطًا أوثق بسوق العمل، وهو تنوع يُعيد إلى الأذهان فكرة المسارات التعليمية التى طُرحت سابقًا فى عهد الدكتور حجازى، أيضًا، ما يعكس استمرارًا لأفكار تطويرية تراعى التنوع والاحتياجات المستقبلية».

«أولياء أمور»: يتيح فرصة أخرى للطالب.. يراعى احتياجات سوق العمل.. ويقضى على «بُعبع» كل عام

أشادت داليا الحزاوى، مؤسس «ائتلاف أولياء أمور مصر»، بنظام البكالوريا المصرى، بديل الثانوية العامة، الذى طُرح خلال اجتماع مجلس الوزراء، معتبرة أن فيه الكثير من الإيجابيات، ويمكن أن يقضى على «بعبع» الثانوية العامة.

وقالت داليا الحزاوى: «إدخال نظام التحسين إلى الثانوية العامة يُشعِر الطالب بمزيد من الاطمئنان، فى ظل وجود فرصة أخرى لديه إذا أخفق أو تعرض لأى ظرف طارئ أثناء الامتحانات»، مضيفة: «نرجو مراعاة ظروف أولياء الأمور، ويكون التحسين بمبلغ مناسب، حتى لا نضر بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب».

وواصلت: «بالنظر إلى هيكل شهادة البكالوريا، نجد أن مقترح تعدد المسارات جيد للغاية، لأنه يفتح مجالًا أمام الطلاب لدراسة المناسب لهم وفقًا لقدراتهم وميولهم، مع مراعاة احتياجات سوق العمل ووظائف المستقبل».

وأكملت: «إعادة هيكلة المواد جزء أساسى فى النظام الجديد، من خلال تقليص عدد المواد الدراسية المقررة على الطلاب، ما يسهم فى تخفيف الضغوط عليهم، ويتيح وقتًا كافيًا لاستيعاب مختلف المقررات الدراسية، إلى جانب تقليل الضغط المادى على الأسر نتيجة تقليص الاعتماد على الدروس الخصوصية».

وفيما يتعلق باعتبار مادة «التربية الدينية» من المواد الأساسية، فى الصفين الأول والثالث الثانوى، وصفت مؤسس «ائتلاف أولياء أمور مصر» الخطوة بالجيدة، خاصة أن تهميش هذه المادة كان سببًا فى انتشار ظواهر سلبية عديدة فى المجتمع، كما أن ترسيخ مفاهيم الدين الصحيحة إحدى الوسائل لتصحيح المفاهيم المغلوطة، ومحاربة التطرف الدينى.

وواصلت: «آن الأوان لتطوير الثانوية العامة، التى أصبحت كابوس الأسر المصرية، لكن هناك إشكاليات أخرى يجب الحديث عنها عند تطبيق نظام البكالوريا الجديد، أولاها هل هناك وقت كافٍ لتعديل المناهج، بحيث تكون جاهزة للعام الدراسى الجديد، وهل هناك وقت كافٍ لتدريب المعلم للتعامل مع هذه المناهج المعدلة والمطورة؟».

واختتمت بقولها: «نحن فى انتظار الحوار المجتمعى، الذى تمت الإشارة إليه، قبل بدء تطبيق المنظومة الجديدة، ونتمنى أن يشارك فيه ممثلون عن أولياء الأمور لعرض تخوفاتهم وتحفظاتهم».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق