في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا، يبرز الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative Artificial Intelligence) كواحد من أكثر الابتكارات تأثيراً في تغيير المشهد الصناعي، لذلك يُطلق عليه ابتكاراً مُزعزعاً (Disruptive Technology). يُعرَّف الذكاء الاصطناعي التوليدي، بأنه نوع من الذكاء الاصطناعي يُمكنه إنشاء محتوى جديد، مثل: الصور، أو الفيديوهات، أو البرمجيات، أو النصوص، باستخدام خوارزميات تعمل على كمية هائلة من البيانات المُتاحة. هذه التقنية لا تقتصر على تحسين العمليات التصنيعية والإدارية الحالية، بل تُتيح أيضاً فرصاً جديدة للابتكار والتطوير.
في الكويت، تُعد الصناعات التحويلية وسيلة واعدة لتحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، وهو هدف استراتيجي لـ «رؤية الكويت 2035». يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصة ذهبية لتحقيق هذا الهدف، من خلال تعزيز الإنتاجية، وتحسين الجودة، وتحفيز الابتكار.
واقع الصناعات التحويلية في الكويت
يمكننا تمثيل القطاع الصناعي في الكويت من خلال الشكل التالي، فوفقاً لاستراتيجية الكويت الصناعية 2035، تبلغ مساهمة الصناعات التحويلية، بشقيها النفطي وغير النفطي، في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 6.1%، منها 2.5% فقط للصناعات التحويلية غير النفطية.
تُعد هذه النسبة (6.1%) الأدنى بين دول الخليج، حيث تصل في البحرين إلى 14.5%، وفي السعودية إلى 12%، وفي قطر والإمارات إلى 11%، وفي عمان إلى 9.6%. وعند مقارنتها بالدول المتقدمة، نجد أن النسبة تبلغ 27% في الصين، و25% في كوريا الجنوبية، و21% في اليابان، و19% في ألمانيا، و10% في الولايات المتحدة.
اللافت أن أي اقتصاد يتمتع بصحة قوية لا تنخفض فيه مساهمة الصناعات التحويلية عن
10%. بناءً على ذلك، وضعت الكويت في استراتيجيتها هدفاً يتمثل في بلوغ نسبة 10% بحلول عام 2035 لتعزيز هذا القطاع الحيوي.
عند النظر إلى حجم العمالة الكويتية في قطاع الصناعات التحويلية، نجد أن عددها لا يتجاوز 13.490 فرداً، أي ما يعادل 8.2% فقط من إجمالي العاملين في هذا القطاع، منهم 3.900 فقط يعملون في الصناعات التحويلية غير النفطية. لتوضيح مدى ضآلة هذا الرقم، يكفي أن نعلم أنه تم توظيف 42.000 كويتي في القطاع الحكومي خلال عام 2024 وحده، مما يُبرز المأزق الذي تواجهه الكويت في استيعاب العمالة الوطنية.
تواجه الصناعات التحويلية في الكويت مجموعة من التحديات الهيكلية التي تعيق تطورها وقدرتها على تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة لـ «رؤية الكويت 2035». من أبرز هذه التحديات الاعتماد المحدود على التكنولوجيا المتقدمة، مما يؤدي إلى تراجع كفاءة الإنتاج، وصعوبة مواكبة التطورات العالمية. كما أن ضعف الابتكار الناتج عن غياب الدعم الكافي للبحث والتطوير يشكل عائقاً أمام تقديم منتجات جديدة تلبي احتياجات السوق المتغيرة.
إضافة إلى ذلك، يعتمد القطاع بشكل كبير على العمالة الوافدة، وهو ما يحد من بناء الخبرات الوطنية الضرورية لدفع عجلة التطور الصناعي. وفي ظل المنافسة الشرسة من المنتجات المستوردة التي غالباً ما تتميز بجودة أعلى وأسعار تنافسية، يصبح تحسين الكفاءة والجودة أمراً مُلحاً لتعزيز تنافسية الصناعات التحويلية الكويتية محلياً ودولياً.
استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي
مع التحديات الكبيرة التي تواجه الصناعات التحويلية في الكويت، يأتي الذكاء الاصطناعي التوليدي كأداة استراتيجية لمعالجة هذه القضايا، ودفع القطاع نحو التقدم. من أتمتة العمليات التشغيلية إلى تحسين استراتيجيات التوظيف ودعم التصنيع الذكي، يقدِّم الذكاء الاصطناعي حلولاً متكاملة تعزز الكفاءة، والابتكار، والاستدامة.
في هذا السياق، نستعرض فيما يلي أبرز الحلول المقترحة، مع أمثلة من دول نجحت في تبنيها، لتكون مصدر إلهام يعزز الجهود المحلية:
1. أتمتة العمليات التشغيلية
يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أتمتة العديد من العمليات المعقدة في الصناعات التحويلية، مما يقلل الحاجة إلى العمالة الماهرة في بعض المهام الحرجة. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات تصميم النماذج الهندسية، وتحليل البيانات، ورصد جودة الإنتاج، وهو ما يساعد على سد الفجوة الناتجة عن نقص الكفاءات المتخصصة.
2. التدريب الذكي
يوفر الذكاء الاصطناعي التوليدي منصات تدريب تفاعلية تعتمد على تحليل الاحتياجات الفردية للموظفين. يمكن تصميم برامج تدريب مخصصة لتأهيل الكوادر الوطنية في مجالات، مثل: التصميم الصناعي، وتشغيل الآلات المتقدمة، والصيانة الوقائية.
على سبيل المثال، يمكن إنشاء محاكاة افتراضية لخطوط الإنتاج تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير تدريب عملي فعَّال دون الحاجة إلى إيقاف الإنتاج.
3. تحسين استراتيجيات التوظيف
يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تحليل البيانات المتعلقة بسوق العمل والمهارات المطلوبة في قطاع الصناعات التحويلية. من خلال هذا التحليل، يمكن للشركات تحديد الفجوات في الكفاءات المحلية، والعمل على استقطاب العمالة المناسبة، أو تطوير خطط للتدريب الداخلي.
4. دعم التصنيع الذكي
في الصناعات الثقيلة، مثل صناعات مواد البناء، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تحسين العمليات الإنتاجية عبر تصميم خطوط إنتاج ذكية تعتمد على الأتمتة. هذا لا يقلل فقط من الاعتماد على العمالة الماهرة، بل يرفع أيضاً من كفاءة الإنتاج وجودة المنتجات.
على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المواد الخام، وتحديد الخلطات المُثلى لإنتاج مواد بناء عالية الجودة بأقل تكلفة.
5. تعزيز البحث والتطوير
تفتقر الصناعات التحويلية في الكويت إلى الابتكار، وهو عنصر حيوي لولوج اقتصاد المعرفة. يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي دعم البحث والتطوير، من خلال تحليل البيانات الضخمة، واقتراح حلول مبتكرة. هذا النهج لا يعزز فقط الإنتاجية، بل يسهم أيضاً في تطوير منتجات ذات قيمة مضافة تساعد على التنافس في الأسواق المحلية والعالمية.
يعرض الجدول التالي أمثلة على استخدام تلك الحلول:
الدولة | الحلول المستخدمة | التفاصيل |
ألمانيا | أتمتة العمليات التشغيلية في الصناعات الثقيلة | تعتبر ألمانيا رائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الصناعات التحويلية. على سبيل المثال، تستخدم شركة Siemens تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء الآلات، مما يقلل الحاجة إلى تدخل العمالة البشرية، ويعزز الإنتاجية والجودة في مصانعها. |
اليابان | التدريب الذكي وتطوير الكفاءات المحلية | تطبق اليابان برامج تدريب تعتمد على الذكاء الاصطناعي في قطاع التصنيع. مثال ذلك، مبادرة Hitachi AI التي تقدم دورات تدريبية عملية عبر محاكاة افتراضية لخطوط الإنتاج، مما يساهم في تأهيل العمالة الوطنية لتشغيل الآلات المتقدمة بكفاءة. |
الصين | دعم التصنيع الذكي وتعزيز البحث والتطوير | تستخدم الصين الذكاء الاصطناعي في الصناعات التحويلية لتعزيز البحث والتطوير. مثال على ذلك، مبادرة Made in China 2025 التي تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تصميم المنتجات والابتكار في الصناعات مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية. |
الولايات المتحدة الأميركية | تحليل البيانات لتحسين استراتيجيات التوظيف ودعم الابتكار | في الولايات المتحدة، تستخدم شركات مثل General Electric تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة المتعلقة بالوظائف والمهارات المطلوبة، مما يساعدها على استقطاب العمالة المؤهلة أو تحديد الاحتياجات التدريبية لتحسين أداء العمالة الحالية. |
الإمارات العربية المتحدة | تطبيق التصنيع الذكي وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة في الصناعات التحويلية | في إطار مبادرة الصناعة 4.0، تطبق الإمارات تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل مصانعها إلى مصانع ذكية. مثال ذلك، استخدام مصنع Emirates Steel تقنيات لتحليل المواد وتحسين كفاءة الإنتاج، مما يقلل من الحاجة إلى عمالة ماهرة كبيرة. |
الخاتمة
يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة حيوية لتطوير الصناعات التحويلية في الكويت، وتعزيز كفاءتها وإنتاجيتها، فمن خلال تبني حلول مبتكرة، كالأتمتة والتدريب الذكي، يمكن للصناعات التحويلية التغلب على التحديات الحالية ودعم تحقيق «رؤية الكويت 2035».
0 تعليق