«خليجي 26»... حتى يكون الخروج مشرّفاً

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذا ليس تقريراً صحافياً عن الكرة ولا عن الاقتصاد، بل من الممكن اعتباره تقريراً عن مشروع استراتيجي أو خريطة طريق لاقتصاد مستدام بعيداً عن الاعتماد على مصدر وحيد للدخل.

صحيح أن منتخب الكويت الأول لكرة القدم خرج من بطولة «خليجي 26»، بعد خسارته في الدور نصف النهائي أمام المنتخب البحريني بنتيجة 1 - 0 في المباراة التي اكتظت خلالها مدرجات استاد جابر الأحمد الدولي بـ 60122 مشجعاً، لكنّه كان، وحسب ما عنونت تقارير رياضية في معظم الإصدارات والمنصات، خروجاً مشّرفاً.

بالفعل، ورغم الخروج، فقد قدّم «الأزرق»، خلال كل مبارياته في البطولة أداء مشرّفاً من جانب جميع عناصره، كلّله المجهود المؤسسي في تنظيم البطولة وخروجها بهذا الشكل المشّرف، بشهادة كل الأوساط، وبما يمكن البناء عليه، رياضياً، في المستقبل.

واتساقاً مع ذلك، فما المانع أن يكون الحدث أساساً، يُبنى عليه اقتصادياً؟ خصوصاً أنه برهن على قدرة مؤسسات الدولة على تنظيم مثل هذه الفعاليات وقدرة مرافقها وبنيتها التحتية على استيعاب عدد لا بأس به من الجماهير والزوّار، لكن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك.

الإشكالية ليست في إرادة الإدارة... بل إدارة الإرادة كمشروع وطني استراتيجي تشارك فيه كل المؤسسات

فرقمياً، استطاعت مؤسسات الدولة ومرافقها، حسب نتائج أبحاث شركة اكسبر للاستشارات وإدارة الأعمال، استيعاب زيارة نحو 69 ألف شخص خلال أيام البطولة، دخل منهم نحو 44.9 بالمئة عبر منفذ مطارات الكويت - الطيران الجوي، في حين أن النسبة المتبقية أتت من خلال المنافذ البرية للدولة، وذلك بالإضافة إلى السكان القائمين بالفعل.

كل هذه الأعداد، وحسب نتائج أبحاث «اكسبر»، والذين تم استقبالهم عبر المنافذ الحدودية المختلفة ومروا بالشوارع والمطاعم واستخدموا الفنادق والتطبيقات الرقمية الحديثة وتابعوا مجريات البطولة في الساحات والمجمعات والأسواق، أنفقوا نحو 61 مليون دينار (ما يعادل 197 مليون دولار)، وقد تباينت أساليب وطرق الدفع التجاري للبطولة، والتي تعددت نماذجها على النحو التالي: الفنادق 25 بالمئة؜ - المطاعم والكوفي شوب 24 بالمئة؜ - الأسواق التجارية 17 بالمئة؜ - الطيران 11 بالمئة - حضور المباريات 7 بالمئة؜ - تأجير السيارات 4 بالمئة؜ - ونماذج أخرى بنسبة 12 بالمئة.

كل ذلك، بالإضافة إلى الأثر الكبير الذي تركه تنظيم البطولة في الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع الخليجي.

الحقيقة، أنه يُحسب للمؤسسات هذا التنظيم الجيد، كما يُحسب لصاحب القرار السعي لاستضافة فعاليات أخرى أكثر زخماً، إذ تقدّم الاتحاد الكويتي لكرة القدم بطلب للاتحاد الآسيوي للعبة لتنظيم كأس آسيا 2031، وصرح وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري، وهو أيضاً رئيس اللجنة المنظمة لبطولة كأس الخليج (خليجي 26) للصحافيين، خلال افتتاحه المركز الإعلامي للبطولة: «لدينا الرغبة في استضافة كأس آسيا»، مضيفا أن الكويت لديها استراتيجية لاستضافة 45 بطولة عالمية خلال 4 سنوات.

إرادة الدولة يجب ألا تتوقف عند المشاركة المشرّفة فقط... بل تأخذ موقعها المستحق كلاعب فاعل على الخريطة الإقليمية

صحيح، أن الإرادة ضرورية لاستضافة مثل هذا الحدث، لكنها ليست كافية، فالأمر يحتاج إلى التعامل مع الرغبة على أنها مشروع استراتيجي تعمل عليه كل المؤسسات ذات الصلة من لحظة التقدم بالطلب، كما تفعل دول الجوار، وآخرهم المملكة العربية السعودية التي نجحت في الحصول على شرف استضافة كأس العالم 2034، والذي سيكون لها مضاعف مالي كبير وتأثير إيجابي طويل الأجل على اقتصاد المملكة.

فبحسب شركة الجزيرة كابيتال، يمكن أن تؤثر كأس العالم لكرة القدم 2034 بشكل إيجابي على قطاع البناء. يمكن أن يستفيد منتجو الأسمنت والكابلات بالكامل وشركات البناء بشكل مباشر، ومن المتوقع أيضًا أن يستفيد قطاع خدمات الأغذية والمشروبات والاتصالات من الحدث. يمكن أن تكون شركات أخرى في قطاعات الأغذية والاتصالات مستفيدين مباشرين، وعلاوة على ذلك، يمكن أن يستفيد قطاع النقل والخدمات التجارية والمهنية أيضًا من كأس العالم لكرة القدم 2034، كما أن قطاعات الإعلام والبرمجيات والرعاية الصحية على استعداد للاستفادة بشكل كبير.

وقالت «الجزيرة كابيتال» إن الحدث سيمكّن السعودية من أن تصبح مركزًا دوليًا رئيسيًا للسياحة والتجارة والأعمال، وهو ما يتماشى مع طموحاتها لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط في إطار رؤية 2030، إذ ستكون كأس العالم لكرة القدم 2034 ثالث حدث عالمي ضخم يتم استضافته على مدى السنوات العشر المقبلة، بعد كأس آسيا 2027 وإكسبو 2030، وهذا من شأنه أن يساعد المملكة في تطوير البلاد كمركز سياحي، وتعزيز مكانتها كوجهة للأنشطة الترفيهية. ومن المقترح استضافة البطولة في 5 مدن (نيوم والرياض وجدة وأبها والخُبر) و15 ملعبًا، وستتمكن الفرق المشاركة من الاستفادة من مرافق تدريب الفرق البالغ عددها 134، والتي تمتد عبر 15 مدينة، ومن المتوقع أن يبلغ عدد الجماهير حوالي 5.1 - 7.5 ملايين نسمة.

وبالتالي، فمن المتوقع أن يكون لاستضافة كأس العالم 2034 تأثير كبير على الاقتصاد، ودعم التزام الحكومة بتنويع الاقتصاد المدفوع بالنمو عبر القطاعات، ومع اقتراب الحدث، يتوقع توجيه استثمارات كبيرة نحو تطوير وتجديد الملاعب الـ 15 المخصصة، وضمان استيفائها لمعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخصيص موارد كبيرة لتوسيع وتحسين البنية التحتية للنقل الحالية لاستيعاب الطلب المتزايد، وضمان الاتصال السلس لكل من الزوار والسكان المحليين. ويمكن أيضًا إجراء استثمارات لتوسيع أماكن الإقامة الفندقية الحالية والبنية التحتية للرعاية الصحية.

وأيضاً، فقد سبقتها دولة قطر في تنظيم كأس العالم 2022 كأول دولة عربية تستضيف هذا الحدث العالمي، والتي استطاعت أن تحقق إيرادات قبل وأثناء البطولة بلغت 17 مليار دولار، بالإضافة إلى الانعكاس الإيجابي على عدة قطاعات ضمنها القطاع السياحي.

فقد كشف الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم في قطر 2022، ناصر الخاطر، أن عدد الزوار الذين دخلوا قطر خلال البطولة بلغ 1.2 مليون زائر، حيث تعرفوا على البلاد من خلال مسابقة كأس العالم، كما كان هناك إقبال كبير من السياح على قطر بعد نهاية المونديال.

وأضاف: «كما يوجد عدد لا بأس به من المشجعين الذين زاروا قطر خلال كأس العالم، عادوا إلى زيارة البلاد مرة أخرى بعد انتهاء البطولة»، معتبرا أن «كل هذه المؤشرات الإيجابية تدل على أن استراتيجية قطر لجذب السياح في الطريق الصحيح». وتابع: «لن تتوقف قطر عند هذا الحد، حيث ستستضيف دورة الألعاب الآسيوية لعام 2030»، متوقعا أن تمضي قطر في استضافة البطولات العالمية.

ذلك، بالإضافة إلى أن قطر كانت رائدة على المستوى الرياضي، حيث استضافت كأس آسيا عام 1988، ثم بطولة كأس العالم للشباب عام 1995، ومن ثم دورة الألعاب الآسيوية عام 2006، وكأس آسيا 2023، وكذلك بطولة العالم لكرة اليد، فضلا عن عديد البطولات التي تقام بشكل سنوي في قطر، مثل بطولات التنس والفورميلا 1 والغولف.

الأمر لا يتوقف عند تنظيم الفعاليات الرياضية فقط، بل درجت سياسة دول الجوار على استضافة كل الفعاليات ذات الزخم الكبير والحضور الجماهيري الواسع خلال السنوات الأخيرة، فبالإضافة إلى مهرجان الرياض الذي استضافته المملكة العربية السعودية والكثير من الفعاليات الفنية والترفيهية الأخرى، فقد ساهم معرض إكسبو دبي بنحو 23 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي لدبي، أي ما يعادل 24.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحالي للإمارة، وفقًا لتقرير شركة «إرنست ويونغ».

وكان تأثير استضافة المعرض على القطاعات الاقتصادية الرئيسية ملموساً، حيث قدمت الحكومة الإماراتية مشاريع تطويرية ضخمة لتحسين البنية التحتية وتعزيز قدرات النقل والاتصالات، مما عزز الاستدامة الاقتصادية للمدينة على المدى الطويل. وتضمنت بعض هذه المشاريع إنشاء مطار آل مكتوم الدولي، وتوسيع شبكة مترو دبي وتحسين الطرق والمنافذ الحدودية. وقدمت أيضًا فرصًا كبيرة لقطاع السياحة من خلال استضافة المعرض، حيث بلغ عدد الزوار 24.1 مليون زائر من 192 دولة، وذلك خلال الفترة من 20 أكتوبر 2021 إلى 31 مارس 2022.

ويعد هذا العدد هو الأعلى في تاريخ «معارض إكسبو» العالمية، وهذا يعني زيادة كبيرة في الطلب على الفنادق والمطاعم والخدمات السياحية الأخرى، ومن المتوقع أن يؤدي هذا الارتفاع في الطلب إلى تعزيز فرص العمل وزيادة الإيرادات في هذه القطاعات.



بالإضافة إلى ذلك، اعتُبر «إكسبو» فرصة لدبي لتعزيز قطاع التجارة والاستثمار عبر اشتراك آلاف الشركات من مختلف الدول في المعرض، فضلا عن التأثيرات الاقتصادية المباشرة التي تم ذكرها سابقًا، يُتوقع أن يترتب على استضافة معرض إكسبو في الرياض عوائد اقتصادية هامة على المدي البعيد.

وباختصار، يمكن القول إن استضافة «إكسبو» في الرياض ستسفر عن عوائد اقتصادية هائلة على المدى البعيد، من خلال زيادة الاستثمارات، وتعزيز السياحة وتعزيز القطاع الثقافي والتعليمي، فضلاً عن تأثيرها الطويل الأمد على صورة الرياض كمركز عالمي للأعمال والابتكار.

الشاهد، أن الأمر، وفي ظل هذه المنافسة بين دول المنطقة، لا يتوقف على إرادة الإدارة فقط، بل يجب إدارة هذه الإرادة كمشروع وطني استراتيجي تشارك فيه كل مؤسسات الدولة، ليس في استضافة كأس آسيا 2031 فقط، أو الاقتصار على تنظيم الفعاليات الرياضية، بل يجب أن يكون نهجاً للانفتاح على تنظيم واستضافة العديد من الفعاليات في شتى المجالات، وألا تتوقف إرادة الدولة عند المشاركة المشرّفة فقط، بل يجب أن تأخذ موقعها، المُستحق، كلاعب فاعل على الخريطة الإقليمية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق