تقرير اقتصادي: هل تتحمل الكويت سعر برميل نفط منخفضاً؟

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترسم توقعات أسواق النفط صورة قاتمة بشأن المتغيرات المؤثرة على العرض والطلب على المديين القصير والمتوسط على الأقل، بما يؤثر سلباً على الأسعار، التي شهدت خلال الأسابيع الأخيرة تراجعات لافتة تعطي مؤشرات لأوضاع صعبة تنعكس على مالية منتجي النفط، خصوصاً ذوي الاعتماد المفرط على إيراداته وعلى رأسهم الكويت، التي يمثل النفط 90 في المئة من إيراداتها ونحو نصف ناتجها المحلي.

فخلال الأسابيع الأخيرة، وتحديداً منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية رسمياً، ظهرت على ساحة أسواق الطاقة الدولية مجموعة من التطورات التي تصب كلها في اتجاه حدوث خفض جوهري في أسعار النفط العالمية، أهمها إعلان مجموعة «أوبك بلس» زيادة الإمدادات الطوعية تدريجياً بداية من شهر أبريل المقبل، وهو ما كان يحجب 2.2 مليون برميل من أصل 5.86 ملايين برميل هي مجمل الخفض الإلزامي والطوعي عن السوق يومياً إلى جانب قرب انتهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، وهو العامل الجيوسياسي الذي دعم منذ عام 2022 أسعار الطاقة في السوق ورفع علاوة المخاطر، فضلاً عن المخاوف التي تلقيها الحرب التجارية للولايات المتحدة على جارتيها، كندا والمكسيك، وشريكها الاتحاد الأوروبي، والأهم منافستها الصين، على تباطؤ النشاط الصناعي والنمو الاقتصادي، مما ينعكس سلباً على الطلب على النفط، بالتالي أسعاره.

سعر وعجز

ودون التوسع في شرح أوضاع أسواق الطاقة العالمية وطغيان سلبياتها على إيجابياتها، ربما يكون السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى يمكن للكويت أن تتحمل سعر برميل نفط منخفضاً؟

إجراءات الترشيد يقابلها استنزاف مالي في سوق العمل والتركيبة السكانية عبر بندي الرواتب والدعوم

فملامسة أسعار النفط لمستويات 70 دولاراً للبرميل فما دون، تفتح الأبواب للعديد من الاحتمالات الصعبة وتوقعات السياسات غير المحترفة وربما «المعالجات المسمومة» خصوصاً حين تقترب الأسعار في السوق من سعر الأساس في ميزانية السنة المالية 2025 - 2026 المقدر عند 68 دولاراً للبرميل بفرضية عجز 6.3 مليارات دينار، وسط غياب أي خطة عمل حكومية أو برنامج اقتصادي يعالج جذور الاختلالات لا أعراضها، مما يعني أن أكثر السياسات المتوقعة في مواجهة أي تراجع في أسعار النفط سيعتمد على قرارات جزئية أشبه بـ»إبر البنج» التي تزيل الألم ولا تعالج أسبابه.

ومن خلال البيانات الحكومية وقرارات مجلس الوزراء والجهات ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي في البلاد، يمكن الجزم بعدم وجود خطة واضحة لمواجهة أي تدهور محتمل في أسعار النفط، وأن أكثر الاحتمالات يدور حول أمرين هما إقرار قانون الدَّين العام - الذي قالت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» وهي من الداعين لإقراره إنه غير ضروري في خلال الفترة المقبلة - أو العمل على خفض بعض أوجه الإنفاق العام وزيادة إيرادات بعض الخدمات والرسوم.

قصور في الأهداف

وفي كلا الأمرين قصور، فالدَّين العام غير مرتبط بآلية إنفاق تضمن تمويله لمشاريع ذات عائد اقتصادي ومالي للبلاد بما يسهم في إصلاح سوق العمل أو تنمية الناتج المحلي وتنوعه أو رفد المالية العامة بإيرادات غير نفطية، بل على الأرجح ستصرف أموال القرض السيادي على مدى 4 إلى 5 سنوات مقبلة (حال اقتراض الحد الأقصى 30 مليار دينار) فقط لتغطية عجز الميزانية المتوقع وليس لمشاريع تنموية تغير شكل الاقتصاد، أما تقليص بعض أوجه الإنفاق العام كما حدث مع إلغاء تأمين «عافية» أو تأمين الهيئات الحكومية وزيادة الرسوم الحكومية، فإن فائدة هذه الإجراءات المالية رغم أنها ترشيدية تبدو ضعيفة كونها لم تنعكس كخفض جوهري في إجمالي المصروفات، وبكل الأحوال لن تتعدى قيمتها بضع عشرات من الملايين، مقابل ما سيستنزفه اختلال كل من سوق العمل والتركيبة السكانية في بندي الرواتب والدعوم.

مهمة صغيرة

والحديث عن الاحتمالات الصعبة لا يعكس تشاؤماً أو نظرة سوداوية، فالانخفاضات الحادة في أسواق المال العالمية بسبب الحرب التجارية ومخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي سيعني انخفاضات في أسعار أصول صناديق الثروة السيادية، ومنها صندوق الكويت السيادي، مما يعني صعوبات لا يمكن معرفة درجتها في تمويل المالية العامة للبلاد، وهنا نستذكر - ليس لتشابه الحالة إنما لوجود نفس عقلية الإدارة العامة - كيف تحولت مهمة مجلس الوزراء خلال أزمة السيولة التي نتجت خلال جائحة «كورونا» بالتوازي مع تدهور أسعار النفط وأسواق الأسهم العالمية من مسؤولية إدارة التداعيات الاقتصادية للجائحة إلى مجرد مهمة صغيرة وهي البحث عن آلية لسداد التزامات الرواتب شهراً بشهر، تارة عبر مبادلة الأصول العينية بالنقد وأخرى من خلال استدعاء الأرباح المحتجزة من الجهات المستقلة.

الانخفاضات الحادة في أسواق المال العالمية ستعني تراجع أسعار أصول صناديق الثروة السيادية ومنها صندوق الكويت

وعلّة الاحتمالات الصعبة أنها تفتح الأبواب للروشتات المسمومة كأن يكون الاقتراض من خلال الدَّين العام دون إصلاح اقتصادي أو مالي أو أن يتم تقليص المصروفات العامة على حساب الفئات، التي لا تمتلك سلطة أو قدرة في اتخاذ القرار كالطبقة المتوسطة أو المحدودة أو أن تسيّل أصول سيادية مدرّة وذات عوائد مستمرة فقط لتمويل مصروفات جارية لفترة سريعة أو اتخاذ قرارات صادمة على صعيد الدعوم دون دراسة آثارها التضخمية السلبية اجتماعياً واقتصادياً وحتى أمنياً.

إرادة وإدارة

وربما يكون الحديث عن الحلول الصحيحة المفترضة كالإصلاحات الهيكلية في سوق العمل والمالية العامة والتركيبة السكانية والناتج المحلي الإجمالي بلا قيمة ما لم يقترن الأمر بإرادة جادة وإدارة محترفة ترسم السياسات الاقتصادية العامة وفقاً لسيناريوهات متصاعدة وفق مراحل زمنية واضحة... وبلغة أبسط فالتحدي كبير ويمس مصدر الدخل الأساسي في البلاد فترة ليست بقصيرة، والحكومة المناط بها وحدها معالجة هذا الوضع بلا برنامج عمل أو خطة اقتصادية، بل فقط بإجراءات قاصرة أهمها الدَّين العام الذي على الأرجح سيتحول إلى عبء على مدى السنوات المقبلة وليس حلاً لأي أزمة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق